من تأييد الظلم إلى الوقوف بوجهه
من Jawdat Said
ليست القضية أن تحمي مجتمعك من الاعتداء عليه من الآخرين، ولكن القضية هي أن تمنع مجتمعك من العدوان على الآخرين، ومن الاحتفاظ بالامتيازات على حساب الآخرين.
إن انتقال الإنسان من تجنيد نفسه لحماية المجتمع أو حماية امتيازاته، إلى تجنيدها لمنع مجتمعه من ظلم الآخرين والاحتفاظ بالامتيازات دون الآخرين، هذا الانتقال هو مفترق الطرق الذي هلكت عنده الحضارات جميعاً.
سهل عليك أن تعترف بشيء من هذا وأنت مريض وضعيف ومضطهد ومسكين وفقير، سهل عليك أن تستجيب لمعنى العدل، وألا يكون لك امتياز على الآخرين، ولكن ما هو الميزان الذي ستزن به الأمور حين تكون قوياً غنياً، تأمل أن يزداد سلطانك، وتخشى أن ينقص أو يزول؟
ينبغي أن يتعلم الناس أن عليهم ألا يكونوا جنوداً لخدمة هذا المجتمع السكران، ولخدمة من يمثل المجتمع الذي لوى عنقه الهوى، وسيطر عليه الغرور، فرفع رأسه وأعلن: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) فصلت: 41/15، (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ، وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ، ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) يونس: 10/13-14.
تأمل جيداً الفكرة الموجودة في هذه الآية! كيف يمكن أن نكشف فيها دورة الفلك؟ كيف يمكن أن نرى فيها كيف تخدعنا دورة الشمس؟
إن القرون الذين سبقونا أهلكوا جميعاً، لم يذكر التاريخ عن أحد منهم أنه اجتاز هذه العقبة، فالجميع سقطوا في هذا المُنحدر، إلاّ قوم يونس.
كنت ذكرت لك تشاؤم ذاك الذي راقب الحضارات، والتاريخ إلى الآن لا يسعفنا بالنماذج التي لا تنسى التاريخ، ولا تريد علوّاً في الأرض ولا فساداً، وهذا لا يدل على أن الأمر مستحيل، ولكنه يدل على أننا لا زال في عهد طفولة المجتمعات التي لم تتعلم بعد كيف تتعايش من غير أن يتعالى بعضهم على بعض، ومن غير أن يتبادلوا التعالي.
ربما يخطر للمسلم أنه هو صاحب التاريخ العظيم، وأنه هو الذي تمكن من صنع الرشد أو تلمسه، ولكنه فسّر موضوع الرشد بعد أن ذهب منه الرشد وكان تفسيره للرشد تفسيراً خوارقياً، تفسيراً عُلوِياً، ولذلك لم يستطع إيقاف ذهابه، فودعه حسيراً، ولم يتبين الرشد، بل دخل عهد التعالي ونبذ العهد، ولم يعودوا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، لا قرابة ولا عهداً، ولم يعد فينا من يدعو إلى الرشد.