لماذا اللاعنف

من Jawdat Said

مراجعة ١١:٣٤، ٢٥ يوليو ٢٠٠٧ بواسطة Ziwar (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح, ابحث

جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))

عام 1965 في ظروف معينة أعلنت في المسجد في يوم جمعة في رمضان أنني على مذهب أبن آدم (لأن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين) و إثر ذلك حدثت أحداث و لكن أحداً لم يهتم بموقف ابن آدم و خشيت أن أضيع بين النفوس المهتاجة فبادرت إلى كتابة كتاب بعنوان (مذهب ابن آدم الأول أو مشكلة العنف في العمل الإسلامي)، في ذلك الوقت لم أجد من يطبع لي الكتاب فلم يكن في مقدور دار للنشر أن تتبنى مثل هذا الرأي. فتبرع شابان بالإنفاق عليه و أشرفا على إخراجه مطبوعاً فتنفست الصعداء أن صار هذا الكتاب وثيقة منشورة، و لكن ما قيمة مثل هذه الوثيقة الخافتة التي لم يسمع بها أحد بل و كثير من أصدقائي المخلصين أنكروا على أن أكتب في هذا الموضوع. إن لهذا الكتاب قصص عجيبة من ردود الأفعال بدأً ممن اعتبرني خادماً للقوى المعادية للإسلام في العالم و انتهاءً إلى شيوخ أجلاء لم يعتبروا الكتاب خطأً و لا معارضاً للإسلام و لكن ليس هذا هو المهم في ذلك الوقت على حسب تعبيرهم و ثالث قال من الذين لا أشك في إخلاصهم و جرأتهم أن هذا صحيح و لكن لا يمكن أن نواجه حماس الشباب الآن بهذا.

أين تولد عندي جذور هذا الكتاب؟ كنت طالبا في مصر في الأزهر حين تدافع الطلاب إلى الصف في ضحى ذلك اليوم من فترة الراحة ما بين الدروس و هم يقولون قُتِلَ النقراشي. و ربما كانوا يقولون ذلك و هم مبتهجون، إلا أنني لم أشعر بالابتهاج و بشكل من الغموض شعرت بالانقباض على أن حل المشكلات ليس بهذا الأسلوب. و بعد مدة أشهر قليلة استيقظنا صبيحة يوم أُعلن فيه أن حسن البنا اغتيل و في عام قيام الثورة المصرية كنت صباحاً في دار الكتب في شارع الخليج المصري في القاهرة لما سمعت أن انقلاباً حدث على الملك في قصر عابدين، كان موظفو المكتبة يتهامسون بذلك و كانت الأمور غامضة و المصير مجهولاً ثم تتابعت الأحداث و انقضى شهر العسل بسرعة بين الثورة التي كتب عنها في حينها سيد قطب مقالة بعنوان قوة الكلمة و يقارن بين قوة الكلمة و قوة المسدس و أن هذه الثورة نتيجة قوة الكلمة و لكن لم يكن يشعر في ذلك الوقت بأنه سيكون من ضحايا الثورة في سلسلة من المآسي التي كان يحيط بها الغموض و لا يزال الغموض قائما مع كل العبر التي مر بها العالم الإسلامي و إلى الآن.

والخلاصة أنني كنت أعيش هذه الأجواء إلى أن عدت إلى سوريا و كانت سوريا في عافية من العنف و العنف المضاد. فحين أطلعت على الأوضاع و صار لي رأي خاص في الحكم على الأحداث شعرت بضرورة أن أكتب كتاب مذهب ابن آدم الأول ولم أكن لأطمع في تقبل هذا الكتاب لهذا كان من ضمن العناوين في ذاك الكتاب أن هذا الكتاب للإعلان و ليس للإقناع لأني كنت أشعر أن الأجواء الملتهبة و المحيط الخشن الذي كان يسود الأوضاع ما كان ليسمح بتقبل مثل الموقف الانهزامي الذي قال لي بعضهم أننا سنميت هذه الفكرة بالإعراض عنها و بتجاهلها و كنت أتمنى أن لا تتكرر المآسي التي عشتها في القاهرة مرة أخرى في دمشق و لكن كما قال الآخر و استشهد به الأمام علي رضي الله عنه في وضع مشابه (أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد) لم يكن لمثل هذا الصوت الخافت الذي أدعو إليه أن بلفت انتباه الناس إلى هذا الموضوع و ينظروا إليه بشكل إيجابي.

إن الغرام السقيم بالقوة لم تكن لتسمع إلى هذه الأصوات التي وصفتها جريدة المستقلة التي هي أمثلهم طريقة منذ قريب بأن هذا الاتجاه ضد التيار، نعم إنه ضد التيار مع كل الاحترام الذي نكنه للحامدي الهاشمي الذي يصدر المستقلة في لندن و له مواقفه الداعية بقوة إلى فك الاشتباك و إمكانية التواصل. إن التاريخ يتقدم إلى هذا بتسارع بطئ راسخ. وأنا حين أعلنت مذهب ابن آدم لم أعلنه تحت عنوان اللاعنف حيث يحيط الغموض عند المسلمين بدعوات اللاعنف. كيف يدعوا داع إلى اللاعنف و القرآن ملئ بالحث على القتال و القتل، ما هذا اللاعنف المقيت و يقول لي أحدهم: أريد دخول الجنة شاهراً سيفي. و الأحاديث التي ترغب في الجهاد، كل هذا سد منافذ الفهم عند المسلمين، حين ظنوا كل قتل يقوم به المسلم "قتل نفس بحق" فكل ذبح يقوم به المسلم حلال.

لم يعد يفكر المسلمون في الأساس الذي بني عليه الإسلام و ينسون الفرق بين الجهاد و الجريمة و لا يذكرون أبداً أن للجهاد شروطا بدونها يتحول القتل و القتال و الجهاد إلى سفك للدماء التي حرمها الله وهذا قرين التوحيد( والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) وينسى المسلمون الخوارج، فكما في كتب الحديث أبواب الجهاد وفضل الجهاد كذلك في كتب الحديث أبواب الفتن. والخوارج الذين لا ينقصهم الإخلاص لله في الصلاة و الصيام و يصفهم الرسول أنهم على حالة من العبادة و الخشوع بحيث أحدكم يحقر صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه ويمرقون من الدين كما تمرق السهم من الرمية. هذا كله تجاهله المسلمون بإجماع عجيب حتى الذي يؤمن به لا يجرؤ على الجهر به من كثرة سيطرة الغطرسة والاستكبار، وأنهم أبناء الله وأحبائه لا بد من التعاطف معهم، ليس هذا فقط بل الأحاديث والآيات القرآنية التي تتحدث عن هذه المواضيع غيبت ونسخت وصار تجاوزها سهلا يسيرا لأن التيار يتجاهل هذا ولا يعرف المسلمون أن الرسول (ص) أمر بالتخلص من السلاح حين يفقد شروطه.

لم أر من فكر من المسلمين بجدية في المقارنة بين قول الرسول (ص) أن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة، صانعه ومنبله والرامي به، وهذا تمجيد للسلاح لا شك فيه، ولكن ينبغي أن نفهم هذا في ضوء الحديث الآخر الذي أمر فيه بكسر القوس وقطع وتره وضرب السيف بالحجارة وإتلافه و أن يلزم الإنسان بيته وإن دخل الذي يريد القتل عليه في بيته أن يكون مثل ابن آدم الذي قال: لإن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين. ولم يقف عند هذا بل قال الرسول (ص) لصاحبه الذي تحدث إليه بهذا فإن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق ثوبك على وجهك يبؤ بإثمك وإثمه. إن الرسول (ص) لم يكن متناقضا في تقديس السلاح وكل أدوات القتال وكذلك لم يكن متناقضا حين أمر بكسر القوس وقطع وتره وضرب السيف بالحجارة والتزام مذهب ابن آدم والتزام بيته وإن دخل عليه المهاجم بيته أن يكون مثل ابن آدم، وإن خشي أن يبهره شعاع السيف يلقي على وجهه ثوبه. لم أر ولم أقرأ من شرح وفسر وبين حالة واحدة يكون فيها أمر الرسول (ص) صحيحا، كسر القوس و قطع الوتر و التخلص من السلاح بإتلافه. هل كان يقول هجرًا حين قال هذا!، فكأن السلاح لا يمكن أن يكون سببا للتسلط بل السلاح دائما سبيلا للتحرر فكأنه ليس هناك قتل منكر وقتل بحق وليس عند المسلمين تمييز، ولهذا غيبت هذه الأحاديث من التداول وإن كانت واردة بنفس الشروط التي وضعها المسلمون لقبول الأحاديث ولكن مثل هذا التخلص من مثل هذا التناقض وارد كثيراً أرجو أن أتمكن من عرضها وأنا حين قلت مذهب ابن آدم لم أخرجه من تخيلاتي، فقصة ابن آدم في القرآن نبأ حق سيتألق هذا النبأ عند المسلمين لما يصيرون يبحثون عن شرعية القتل ومتى يصير القتل مباحا أو جائزًا، وسيفهم المسلمون العهد الذي منع فيه الرسول (ص) من الرد على العدوان وهذا غير وارد أبداً لا عند المسلمين ولا عند غير المسلمين. العالم جميعاً يقر حق الدفاع عن النفس عند الاعتداء ما عدا الأنبياء المغفلين المجانين في رأي البعض. لأن الأنبياء هم وحدهم الذين قالوا بإجماع غريب، ولنصبرن على ما آذيتمونا. ولهذا السبب أيضا قالت كل الأقوام بأن الرسل والأنبياء مجانين كذلك ما آتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون. إنها وصية مستمرة ونحن نغيب هذه الأحاديث والآيات لأنها لا تليق بالرسول، إن ما استخففنا به طويلا سيعود هو الخلاص وعيسى عليه السلام يقول في الإنجيل، الحجر الذي رفضه البناءون سيصير حجر الزاوية.