لا إله إلا الله، محمد رسول الله
من Jawdat Said
وجدنا أن الإخلاص ما كان لله وحده، والصواب ما كان على السنة التي جاء بها رسول الله (ص) وهما الغاية والوسيلة. والدين كله يدور حول الشهادتين، فإحداهما تتضمن الإخلاص - ولهذا سميت السورة التي تتضمن التوحيد بسورة الإخلاص - والشهادة الأخرى تتضمن الصواب، وهما ما جاء به رسول الله (ص):
﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم﴾ (سورة آل عمران: الآية 31).
وهنا ينبغي أن نشير إلى جانب علينا أن لا نغفله وهو أن عبادة الله بما شرع الله هو أمر نسلّم به، وأما تسخير هذا الكون لهذا الشرع ففيه غموض. فالشريعة تأمرنا أن نفهم طرق هذا التسخير من الكون ذاته لا من الكتاب، سواء في مستوى المادة أو في مستوى المجتمع:
﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق﴾ (سورة فصلت: الآية 53).
فالله سبحانه وتعالى أمرنا أن نأكل من رزقه الذي أحله لنا وكسبناه من طرقه، فتحديد الحلال من الرزق وتحديد الحلال من طرق الكسب هو الذي يرجع إلى الشرع في معرفته، وهو موضوع (الحلال والحرام) وأما كيفية تحصيل هذا الرزق وتسخير الأرض والشجر والدواب على أساس السنن المودعة فيها، فهو ما يأمرنا الله تعالى به أن نتعلمه من النظر والممارسة، وهذا ما قال عنه رسول الله (ص): (أنتم أعلم بأمور دنياكم).
وإذا نظرنا إلى هذه القضية من جهة أن الله يأمر بها فهي داخلة وموجودة في شرع الله من هذا الجانب. وأما إن فُهم أن الله يوضح لنا هذا في الكتاب أيضاً، فهو ليس كذلك. وكثيراً ما يخفى هذا التفصيل بين ما فصَّل الله لنا في الكتاب من الأمر الشرعي، وبين ما امرنا الله أن نتعلمه من تأمل الواقع الكوني، وبالتالي يتبادر إلى أذهان كثير من أهل الإخلاص أن الاهتمام بتعليم آيات الله في الآفاق والأنفس إعراض عن آيات الله في كتابه الكريم. ويقول في هذا ابن تيمية:
(… وإذا كان لا بد من بيان شهادته للعباد ليعلموا انه قد شهد فهو قد بيّنها بالطريقتين: بالسمع والبصر، فالسميع يسمع آيات الله المتلوة المنزلة، والبصير يُعاين آياته المخلوقة المنظورة، وذلك أن شهادته تتضمن بيانه ودلالته للعباد وتعريفهم ذلك … وأما الطريق العياني فهي أن يُري العباد من الآيات الآفاقية والنفسية ما يُبين لهم أن الوحي الذي بلغته الرسل عن الله حق كما قال الله تعالى: ﴿سنريهم من آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق﴾ (سورة فصلت: الآية 53) ).
وكذلك سنن تسخير المجتمع، فهناك سنن كونية خلقية عامة تخضع لها المجتمعات في عملية التغيير، ونتعلمها من النظر إلى سير الذين خلوا من قبل. فمثلاً هناك سنن عامة كونية لبناء البيوت؛ أما بناء البيت المسلم الشرعي فهو شيء آخر.
وضربنا المثل بزرع الأرض وبناء المجتمع، وقد يعترض معترض بأن هذا مثل ذاك. والجواب: إن المثلية هنا هي خضوع كل منهما للسنن لا أن السنن هي نفسها؛ أي في الخضوع للسنن من حيث قواعدها الصارمة لا من حيث نوعها.
ولهذا ضرب رسول الله (ص) مثل الهدى الذي بعثه الله به، بالغيث الذي يكون سبباً لنبات الزرع. ثم تتصرف في هذا الزرع وفق أوامر الله الشرعية الخُلُقية، ولكننا نستنبتها وفق أوامر الله الكونية الخَلْقية ﴿ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين﴾ (سورة الأعراف: الآية 54). أي له السنن الكونية الخَلقية والسنن الشرعية الخُلقية، أي: الربوبية والألوهية.
والرسول (ص) شبه الهدى بالماء والمجتمعات بالأرض، وبيَّن أن العلاقة بين الماء والأرض والهدى والمجتمع، تخضع لسنة كونية طبيعية أو شرعية أخلاقية.
استنتاجاً من الحديث الذي يريه البخاري عن أبي موسى عن رسول الله : ﴿مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا منه وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فَقُهَ في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به﴾. رواه البخاري في كتاب العلم.
والله سبحانه وتعالى يعلمنا السنن الشرعية في الكتاب المنزل، ويعلمنا السنن الطبيعية الكونية في آياته في الآفاق والأنفس، ويأمرنا في كتابه بأن نتعلمها من مكانها في الآفاق والأنفس. ولهذا مع ما يأمرنا الله به من المنهاج الشرعي (الأمر والنهي) يأمرنا الله تعالى بالسير والنظر إلى سنن الذين خلوا من قبل وهو منهاجه الكوني؛ فكل منهما مأمور به. ولكن الذي ينبغي أن لا يفوت الذي يقوم بعملية التغيير، هو تحديد الجانب الذي يلزم لحل المشكلة: هل هو الجهل الذي يحيط بمعرفة الحلال والحرام، أم أن المشكلة في الذي يعرف الواجب والحرام، ثم يعجز عن عمل الواجب وترك الحرام؛ أم في الذي لم يعد يبالي بالواجب والحرام ولا بكيفية تحقيقهما؟ . والمهم أن لا نخلط في أن معالجة كل واحد من هؤلاء يختلف عن الآخر وأن بحث هذا الكتاب يتعلق بالقسم الثاني وعلاجه، أي بالذين بيدهم الكتاب ولا ينتفعون مما فيه بشيء لذهاب العلم الذي يبينه حديث ذهاب العلم.
ويقول في هذا ابن تيمية: (… إن بم يقصّ علينا في القرآن قصة أحد إلا لنعتبر بها لما في الاعتبار بها من حاجتنا إليه ومصلحتنا، وغنما يكون الاعتبار إذا قسنا الثاني بالأول وكانا مشتركين في المقتضي للحكم). ابن تيمية - الفتاوى - ج 14 - ص 322.
جدول مصطلحات الإخلاص والصواب | ||||||||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|
الإخلاص والصواب • إياك نعبد وإياك نستعين • لا إله إلا الله، محمد رسول الله • الغاية والوسيلة • لماذا وكيف • البواعث المعللة والطرق التنفيذية • الموثوق والمضطلع • العدل الضابط • الأمانة والقوة • الحفيظ العليم • القاعدة والقمة • اللاشعور والشعور • العاطفة والفكر • الأخلاق والعلم • القلب والعقل • مصطلحات أخرى |