النقد الذاتي والمراجعة
من Jawdat Said
علينا أن نكون مرنين في فهمنا، وفي أفكارنا، لأن التاريخ أثبت لنا أن المفاهيم كانت تقلب في أذهان الناس، وكانوا يفهمونها فهماً مختلفاً عن الواقع: (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَليلاً) الفرقان: 25/45، ينبغي أن تكون لدينا القدرة على مراجعة مفاهيمنا، وأن لا نعطي لفهمنا أي قداسة، ينبغي أن نستفيد من تجارب التاريخ، ها قد أخطأنا في تفسير أوضح شيء في الوجود، أخطأنا في فهم الشمس، فهل هناك شيء أكثر وضوحاً من الشمس حتى نظن أنه يستحيل الوقوع في الخطأ في فهمه؟ أليس هذا دليلاً يجعلنا نراجع أنفسنا، لا سيما حين تختلف العواقب؟
إذا وصف لنا أحد ما طريقاً، ثم لم يوصلنا الطريق إلى الهدف، ألا ينبغي علينا أن نراجع أنفسنا لنرى أين وقع الخلل؟
نحن نشعر، ولاشك، أننا لم نصل إلى الهدف، ونشعر أن خطأ ما حدث، ولكن، ومع ذلك، قد نخطئ في تفسير المشكلة، وفي تحديد الخطأ. هناك خطأ ما، كيف سنبحثه؟ كيف سنحدده؟ هل نيأس من البحث فيه؟ لا بل سنظل نلتمس أسبابه، ونتحدث عنه، وسنظل نسأل: ما هو الشيء الأساسي الذي أخطأنا في تفسيره؟ هل بالإمكان الاهتداء إليه؟؟!!
ينبغي أن نضيف إلى التفسيرات السابقة تفسيراً آخر، تفسيراً جديداً، وهذا ما أسعى لتحقيقه.
إننا أخطأنا في تفسير الشمس، وأخطأنا في فهم ابن آدم القديم، وهو قابل لأن نقع في الخطأ في فهمه.
لقد أخطأنا في فهم ابن آدم، وصرنا على مذهب المخطئ، وزين عمله في قلوبنا، ونبذنا مذهب الذي تقبل الله منه قربانه واعتبرناه مجنوناً. هل يمكن أن نقلب المفاهيم؟ إننا بحاجة إلى قلب للمفاهيم، وما معنى خطأ الفهم؟ وما معنى ابني آدم؟ هل في نبئهما هدى، وهل لقصتهما معنى قابلٌ للفهم والتأويل؟ لماذا اخترتُ مذهب ابن آدم منذ ثلاثين عاماً ليكون عنواناً لنوع من العلاج للمشكلة الإسلامية والإنسانية؟ وما هو السِّر الذي في قصتهما؟ هل يمكن أن نفهم من قصتهما إمكان الخروج من تهمة الفساد وسفك الدماء؟ هل في هذه القصة المحزنة معنى هادٍ؟ هل يمكن أن يكون في نبئهما حل للمشكلات، وما هي العقبات التي تحول دون الفهم؟ ما معنى الخطأ في الفهم؟ وما معنى: (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَليلاً) الفرقان: 25/45؟
الشمس دليل على إمكان الخطأ في الفهم، ودليل على إمكان المراجعة، وقد حدث معي شخصياً ما يشبه هذا، كنت مع رجل يحتل منصب القضاء في بلد إسلامي لا تنقصه دراسة الفقه والحديث والقرآن، وكنت آنس إليه ويأنس إلي، فقال لي ذات يوم، ونحن وحدنا في المسجد: « يا شيخ! كيف يقول هؤلاء إن الأرض تدور، ألا يرون أن الشمس هي التي تدور ».
في الواقع حاولت أن أتجاهل المفاجأة، وقلت له: نعم إنهم لا يفهمون، ولم أحاول أن أبين له، ولا أن أبوح له بما في ذهني، ولا أدري ما الذي جعلني أتخذ هذا الموقف، وما هي الحسابات التي جرت في نفسي لهذا الوقف، لعل أشياء كثيرة تداخلت في الموضوع حتى وقفتُ منه هذا الموقف، ولكن هناك أرضيات ننطلق منها في الفهم، فحين نفقد هذه المنطلقات ينقطع الحوار، وعندها لا بد من العودة إلى المبادئ الأولية للسير في الموضوع، لابد من لغة مفاهيمية للحوار، كما لابد من لغة لسانية صوتية لإمكان الحوار، وإنني أشعر أمام مشكلة فهم نبأ ابني آدم بالوضع المحير نفسه، وإلا فلماذا ألفّ وأدور وأبدئ وأُعيد، ولماذا لا أقول مع القائلين: إن قصة ابني آدم لا عبرة فيها، ولا جدوى منها، وهي شرع من قبلنا، إن كانت في الأصل شرعاً؟؟!!