التاريخ مرجع القرآن

من Jawdat Said

مراجعة ١٠:١٣، ٢٨ مارس ٢٠٠٩ بواسطة Admin (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح, ابحث
مقالات ذات صلة
......................
انقر هنا لتحميل المقالات (Doc)

جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))

لأن التاريخ صار مصدراً للمعرفة، و شاهداً للحق و شاهداً على الباطل، و مبيناً الرشد من الغي، و لينتج من ذلك أن يهلك من هلك عن بينة و يحيى من حيي عن بينة، و كما في سفر التكوين، هو ذا الإنسان صار مميزاً الخير من الشر، و لما اعتمد القرآن أحداث التاريخ مرجعاً و شاهداً آن للتاريخ أن يحدث فيه تطور مدهش، و فرقان بين ماض التاريخ و مستقبله، ألا و هو إعلان القرآن ختم النبوات، حيث أغلق هذا الباب الذي كان مفتوحاً من قبل، فدخلت الإنسانية عهداً جديداً، عهد آيات الأفاق و الأنفس التي ستشهد على صدق مبادئ النبوات جميعاً .

صحيحٌ إنه أغلق باب، و لكن فتحت أبواب، وبرز عهد جديد للمعرفة، ربما سيضيق صدر كثير من الناس لما قلت إن الأرض تتحدث بأخبارها بأسلوب لا يمكن أن يكذب بها أحد، إلا إذا كذب بإنسانيته قبل ذلك، نعم إن الناس جميعاً لم يكونوا يعرفون عن تاريخ الأرض شيئا،ً و لا عن تاريخ الإنسان في الأرض، و لكن الأرض تحدثت بأخبارها بنوع من البيان أو قل بنوع من الوحي، لأن ربك أوحى إلى النحل و أوحى إلى الأرض بأن تحدث بأخبارها، و لقد تلى الناس القرآن في المحاريب مئات السنين وهم يتلون قول الله تعالى "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق" فلم يكن لأحد أن يتمكن من فهم هذا الكلام الموجز و المفتوح، بحيث لا يستطيع أحد أن يغلقه، و لا أن يكذبه، بل كلما تقدم الزمن ظهر صدقه و عمقه و امتداده، و حتى أنه ليس أحد أمامه مرجع في معرفة كيف بدأ الخلق غير السير في الأرض و النظر فيها لمعرفة كيف بدأ الخلق، إن هذا المبدأ القرآني الذي لا لبس فيه و لا غموض الآن و إن كان فيما سبق لم يكن ليدل على شيء مما يدل عليه الآن، هذا الكلام مبدأ كبير سيخضع له أعناق كل الذين يسيرون في الأرض و ينظرون كيف بدأ الخلق، و سيحاورون الأرض بلغتها الخاصة بها، و نحن العالم العربي و الإسلامي لم نسر بعد في الأرض و لم ننظر كيف بدأ الخلق، و لم نتعلم لغة الأرض في الإعراب عن نفسها كيف بدأ خلقها بالتحديد، إنه باب انفتح و لكن نحن لم نسر في الأرض و لم ننظر كيف بدأ الخلق، بل أننا لم نقرأ ماذا رأى الذين سارو بأبصارهم و أنظارهم حين عكفوا على قراءة هذا الحديث العجيب الذي لا تنقضي عجائبه .

قلت سابقاً إن الكون بحسب القرآن ليس خلق و انتهى و إنما لا يزال يخلق و يزاد في خلقه، و خلقه يزداد إلى الأحسن، و نحن نستطيع أن نرى ذلك في مجالات معينة بوضوح فاقع، فإن القرآن حين ذكر وسائل النقل المعروفة في زمنه، لم يقف عندها و إنما أتبعها بقوله "و يخلق ما لا تعلمون" و لم يكن أحد من المفسرين الكبار أن يتخيل ماذا سيخلق الله من وسائل النقل، و لكننا نحن نرى بأم أعيننا من غير توهم و لا سحر ماذا زاد في حياة الإنسان، و كيف أنه عاش حين طويل من الدهر لم يكن استأنس الدواب أيضاً، و لم يمض إلا عشرة آلاف عام على استخدام الإنسان للحيوانات كوسائل للنقل، و لكن الإنسان بإمكاناته في جهازه العصبي الذي يستطيع أن يكشف سنن الوجود سنن الكائنات و سنن آيات الآفاق (=الوجود الكوني ما عدا الإنسان) و الأنفس أي الوجود الإنساني، خليفة الله في الأرض، جعله خليفة في الأرض و لكن و هو في الأرض صار سلطانه على الوجود كله، بل صار هو نفسه مؤتمناً على مصيره و مصير الكائنات الأخرى، فهذه هي الأمانة التي حملها الإنسان و عجزت و أشفقت السماوات و الأرض و الجبال أن يحملنها، و أشفقن منها لم يكن الناس يعلمون كيف بدأ خلق دواب الحمل و الركوب، و لكن امتداد زمان الإنسان و مكانه ليس بالفراسخ و الأميال، ولكن بملايين السنين الضوئية فتداخل الزمان و المكان حين قال الإنسان بالسنيين الضوئية، فصار الزمان يعبر به عن المكان و امتداد الوجود، و لكن الكلمتين القرآنيتين و يخلق ما لا تعلمون، كما كان الناس لم يكن لهم قدرة أن يعرفوا ماذا يمكن أن يوجد من هذه الوسائل التي نراها، نحن كذلك نحن لا قدرة لنا على علم ما يمكن أن يخلق في المستقبل من هذه الوسائل، فجملة و يخلق ما لا تعلمون الآن، لا يزال كما كان من قبل مفتوح لا يمكن إغلاقه، إنني لا أمارس إستجداءً للإيمان بالقرآن و لا بالأنبياء، كلا و لا أمارس التسول لأكسب مؤيدين، إن الله و دينه و المؤمنون به أغنياء عن الذين يرفضون، فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر، من عمل صالحاً فلنفسه و من أساء فعليها "و من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه و من ضل فإنما يضل عليها، و لا تزر وازرة وزر أخرى، و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"و أنا هدفي إبراز أهمية التاريخ كمرجع للقرآن، و إن كان بياني قد لا يحدث مبتغاه من إقناع الناس بأهمية التاريخ، إلا أن العبقري ابن خلدون قد عبر عن أهمية التاريخ بإسلوب عصره المعروف حين قال: "فإن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن أخبار الأيام و الدول …… و في باطنه نظر و تحقيق و تعليل للكائنات و مبادئها دقيق……و علم بكيفيات الوقائع و أسبابها عميق فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق و جدير بأن يعد في علومها و خليق".

و يقول جون أرنولد توينبي الذي استفدت من كتابه دراسة في التاريخ أيما استفادة ، يقول عن ابن خلدون "إنه أعظم عمل من نوعه، أمكن أن يبتكره عقل من العقول، في أي عصر من العصور، في أي رجأ من أرجاء الأرض"[1]

ويكتب أرنولد توينبي عن أهمية التاريخ قائلاً :"فإن كنا على حق إذ نرى في التاريخ صورة لإبداع الخالق في حركته الدائبة، فإنا لن نعجب إلا إذا وجدنا أن القوة الفعلية لتأثير التاريخ في العقول البشرية التي تتماثل – فرضاً- درجة قابليتها الداخلية لتأثير التاريخ، وفقاً للظروف التاريخية لمن يتلقاها، إذ لا مناص من إن تقوم نزعة حب الاستطلاع بتعزيز القابلية لاستيعاب التاريخ، ولكن حب الاستطلاع لن يثور إلا إذا بدت للعيان عملية التغيير الاجتماعي واضحاً وضوحاً ساطعاً قويا،ً إذ بدون هذا التطلع المثير الخلاق تبقى أعظم ما نعرف من هياكل التاريخ تأثيراً في النفس خرساء، لا تحدث آثراً لأن العيون التي تنظر إليها لا ترى فيها شيئاً …… إلى أن يقول: يتبلور دائماً حب الاستطلاع عند أي من كبار المؤرخين في بذل الجهد للرد على طائفة من الأسئلة ذات مغزى لجيله، تلخص في كيف ترتب هذا على ذاك".

والله يداول الأيام بين الناس ويقول:"وذكرهم بأيام الله" التي يظهر فيها أسباب ما يحيي الأقوام أو يهلكها.