ويحيى القتل حين يموت العقل
من Jawdat Said
مقالات ذات صلة |
...................... |
انقر هنا لتحميل المقالات (Doc) |
جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))
حقائق للحياة تحدٍ إعلامي
هذا اسم كتاب في حدود تسعين صفحة وضعه بيتر أدامسون لليونيسف ومنظمة الصحة العالمية واليونسكو وبالتشاور مع خبراء أكثر من (41) شخصية مختصة. ونشر الكتاب بمشاركة (104) مؤسسات متخصصة: يقول في المقدمة: في كل أسبوع يموت ربع مليون طفل في العالم النامي… الفقر من الأسباب… بيد أن المعارف الحديثة لم توضع في متناول غالبية الأسر… وهذه المعارف تستطيع غالبية الآباء والأمهات تطبيقها… والطرق العلمية والقليلة الكلفة المتاحة لحماية الأرواح… بيد أن السؤال الصعب هو كيف يمكن إيصال هذه المعلومات الى الناس؟ وكيف تصبح جزءً من المعارف الأساسية.
لقد أثبتت تجارب بلدان العالم أجمع أن التكرار المتواصل والمتنوع للمعلومات الجديدة من قبل جميع الأطراف وعلى مدى سنوات كثيرة هو الذي يكفل فعلاً نجاح الجهود لإيصال المعلومات الى غالبية الناس والكتاب يذكر عشر موضوعات أنها المسببة للوفيات المذكورة ويقدم كل موضوع مع الصور الداعمة في صفحتين صفحة مصورة وصفحة فيها تعريف موجز للموضوع ثم صفحتين بتقديم المعلومات الرئيسية ثم صفحتين أو أكثر للمعلومات المساندة وعلى الغلاف الأخير يقول: هلا ساعدت في نشر المعلومات البالغة الأهمية الواردة في هذا الكتاب على أوسع نطاق ممكن.
هذا الكلام أقتبسه أملاً واستجداءً ليساعدني على إضاءة موضوع آخر يهمني منذ نحو نصف قرن وهو أن هذا العالم الذي نعيش فيه بين المستكبرين، يشكلون أقل من خمس العالم، والمستضعفين الذين هم أربعة أخماس العالم ومنهم المسلمون والعرب قاطبة يُسْتَهلكون بالحروب وشراء أدواتها وهم غارقون في الديون ويدفعون فوائدها ويعجزون عن الوفاء فيتراكم عليهم، وتستخدم هذه أدوات ضغط عليهم حتى لا يتخذوا مواقف لصالح العالم المستضعف، وبينما مثل هذا الدَيْن الذي عليهم وأكثر من أموالهم في بنوك المستكبرين يستثمرونها لصالحهم ويجمدونها فوراً بمجرد اتخاذ موقف لصالح المستضعفين، يحدث هذا كله ضمن آلية لا شعورية وعدم تكيف مع العالم الجديد فكما كتاب (حقائق للحياة تحدٍ إعلامي) يقول عن مشكلة واحدة من مشكلات هذا العالم النامي المستضعف من أن ربع مليون طفل يموتون كل أسبوع في العالم النامي (المستضعف) إن موت الأطفال وقتل الشباب وتشردهم.
ففي الصفحة الأول من هذا الكتاب: (إن الوسائل الصحية الأساسية الأربع التي يتضمنها هذا الفصل الأول تستطيع المساعدة على منع وفيات أكثر من ثلاثة ملايين طفل ومئتي ألف امرأة) هذا فيما يتعلق بالصحة الجسدية في جانب واحد فما هو حالنا في الصحة الفكرية؟. إن غياب المعارف الحديثة المتعلقة بهذا الموضوع يؤدي الى هذه الخسائر، فكيف بغيابنا نحن مستضعفي العالم عن المعارف الحديثة! هذا هو الذي خلق مشكلة الإنسانية في شقيه الشمالي والجنوبي إن أكثر من نصف هذا القرن المنصرم انشغلنا –بشبح وخيال مصطنع يقال له إسرائيل- عن فهم المعارف الحديثة والتطورات الجديدة التي حدثت في الشمال فلم يكن ممكناً أن يكون لنا تصور صحيح للوضع الجديد والتغيرات التي حدثت منذ أربعة قرون وأكثر، فمعرفة هذه المستجدات وهضمها شيء أساسي لاتخاذ موقف سليم.
إن العالم العربي المغرم جداً الى حد الهوس بالوحدة العربية لا يرى إليها طريقاً غير طريق القوة والبطش وإزالة الآخر كما كان ممارساً من أكثر من ألف عام! نعم كان ذلك ممكناً في تلك القرون الماضية، فكان يجري تبادل السلطة بالأسلوب الدموي ضمن الأسرة الواحدة أو إنشاء إمبراطورية بإزالة ممثلي الدول المجاورة! هكذا كان التاريخ وترسخ في أعماقنا ذلك كأنها الحقيقة الواحدة الوحيدة لتوحيد القوى للأمة العربية والإسلامية، هكذا ترسخت جذور ثقافة العالم الإسلامي ولكن منذ أن غير الشماليون تصورهم عن العالم عن الأرض والشمس والنجوم وحملهم هذا التصور الجديد إلى الدوران حول الأرض واستطاعوا أن يستحدثوا تصوراً جديداً للعالم وثقافة جديدة لم يحدث من قبل للبشر وهذا التصور الجديد يتوسع فكان الدخول في عالم الصناعة فلم يكن نابليون في مصر مثل الصليبيين من عشرة قرون، إنه يمكن مقارنة معركة إنبابة بين المماليك والفرنسيين بحرب عام 1967 بعد مئتي سنة ما عرفنا ماذا حدث في العالم؟، وإن احتلال الكويت كان مثل احتلال سوريا إلى جنوب تركيا من قبل إبراهيم باشا فمن ذاك التاريخ كانت العلاقات غير متكافئة معرفياً إن اليونسيف ومنظمة الصحة العالمية واليونسكو يهتمون بتوفير المعلومات عن الإسهال الذي يؤدي إلى موت الأطفال في العالم النامي ولكن من سيهتم بالإسهال الفكري الذي عندنا نحن مثقفي العالم العربي الذي لا قدرة لنا على التفكير لحظة واحدة في مرضنا الأساسي الذي لا يمكننا من أن نفكر فيه لحظة واحدة في تطبيع العلاقات العربية العربية أو السلام العربي العربي بينما منذ ربع قرن أو من حرب 67 ليس لنا حديث ولا فكر ولا صوت إلا السلام مع إسرائيل لم هذا الإسهال والتسهيل الواسع والعريض للسلام العربي الإسرائيلي والتطبيع للعلاقات معها؟ وأنه لا قدرة لنا للحديث عن السلام بين العرب وتطبيع علاقاتهم مع بعض إن هذا الموضوع يدعوا الى التأمل الكبير لماذا أمة في تعداد ثلث مليار من البشر لاقدرة لهم على فتح حوار أو حديث نفسي مناجاة ذاتية بين المسلمين المؤمنين بالرسالة المحمدية؟ ولماذا لا يتحدث الليبراليون المعجبون بالثقافة الغربية والحريات العامة لا يتحدثون عن هذا الموضوع؟ لماذا اليساريون الثوريون لا يبحثون عن هذا الموضوع؟ ولماذا القوميون المحترقون شوقاً الى نهضة أمتهم لا ينبسون ببنت شفة فيماذا ينبغي أن نفعل؟لم هذا السكوت عن هذا الموضوع؟ لم هذا اليأس المبين في الاهتداء الى السلام العربي أو الوئام العربي مثل الوئام الجزائري؟ لم الأمور متعثرة ومستبعدة وغير قابلة للخوض فيها؟ ماذا يمكن أن يسمى في عالم الفكر هذا الشيء الذي لا يخضع للتصور والإدراك؟ إن الجميع في يأس صحيح إنهم قد يتنازعون في السلام والتطبيع مع إسرائيل.
ولكن لِمَ لاقدرة لهم على التنازع في السلام والتطبيع بين العرب؟ إنه حدث جديد على العالم الذي نعيشه نحن العرب إن تاريخنا المجيد يحول بيننا وبين أن نصنع السلام فيما بيننا. كيف تصنع سلاماً مع السادات؟ ينبغي أن يموت لنصنع السلام، ينبغي أن يُمَتون العقل ويحيى القتل !!!
إذن ينبغي أن نحيي القتل لنصنع السلام. إذن فلنكف عن صنع السلام فيما بيننا ولنتحدث عن السلام مع إسرائيل لعلها تحول دون أن نلتهم بعضنا !!!