وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا
من Jawdat Said
جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))
كتبت سابقاً مقالاً بعنوان هل يولد الإنسان مذنباً وكان قصدي إلقاء بعض الضوء على المشكلة الإنسانية أو مشكلة المسلمين والعرب خاصة وكيف نحدد الذنب وهل في قوله تعالى "وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد" صلة بهذا الموضوع ؟ فحينما يقول على لسان المؤمنين هل تنقمون منا إلا أن آمنا ما هذا الإيمان الذي يجلب النقمة خلال التاريخ الماضي هل لنا قدرة على القول الفصل الذي ليس هو بالهزل والخداع والوهم ما هذا الإيمان هل هو غامض ملتبس غير قابل للتوضيح هل كان الأنبياء غامضين وغير قادرين على البيان والبلاغ المبين ولم يؤكد الله على الرسل والمؤمنين أنه لم يكن عندهم ولم يأتوا بشيء يدعوا إلى النقمة إلا إيمانهم بالله ، وهل النزاع لا يزال قائماً والالتباس فاشياً ؟ وكيف نزيل الالتباس ونحدد الموضوع ؟ أنا أعتقد أن البلاء المبين الذي نعيشه والعذاب الذي تنوء بحمله والخسائر التي نتكبدها إنما هو من جراء الالتباس في جوهر الإيمان، يقول الله بعد حوار إبراهيم لقومه في تحديد من الذي ينبغي أن يخاف هل المؤمن أو الذي اختلط عليه الإيمان بما يفسد الإيمان، هل مجرد الإيمان ذنب ؟ وما هو الإيمان ؟
إني أُلحّ وسأظل ألح لأنني أتعامل مع سنن الله في كونه الذي خلقه في الكون المادي والكون النفسي إذ بمعرفة سنن الله في الخلق يمكن تسخير ما في السماوات وما في الأرض "الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا فضلاً من ربكم ولعلكم تشكرون ، وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ، قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون" ودين الله يسر كما يسر بالتسخير الصاعقة وذللها الله للناس إذا كان البحر والفلك مسخرات والرعد والبرق مسخر فإن ما في السماوات وما في الأرض كلها مسخرات جميعاً للإنسان المكرم فكما تسخر البرق للإنسان بعد أن عرف سننه سيتسخر الإنسان حين نعرف سننه ومن سننه تحديد الذنب أو الخطأ في التعامل مع الإنسان، ألا إن الإيمان بأن الإنسان يعطي على الإكراه مالا يعطي على الإقناع هو الذنب الذي يفسد الإيمان ويجعله ملتبساً، ألا من كان له أذنان للسمع فليسمع "هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد" ألا إن الإيمان بالإكراه يفسد حياة الإنسان ويخرجه من الرشد ويجعله لا يهتدي إلى سبيل الرشاد وحتى يصير غير قادر على سلوك سبيل الرشاد إذا رآه ألا أيها الناس أيها المسلمون تأملوا قول الله تعالى : (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً ذلك بأنهم كذّبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين).
هذا لم يعد إيماناً بالغيب وإنما صار إيماناً بعالم الشهادة انظروا إلى التاريخ ماذا حدث للذين كانوا يكرهون الناس على الدين على الفهم على الفكرة بدون إقناع إن تسخير مادة الإنسان وروحه التي نفخ فيه من روح الله تعالى جعله لا يصلح أمره إلا بالإيمان بالعواقب إن لم تصدقوا انظروا كيف كان عاقبة المكذبين انظروا في هذا العصر الطازج ماذا فعل الله بالاتحاد السوفيتي الذي كان يكره الناس ولكن الذين لا يؤمنون بالعواقب أنها هي التي تصحح الأفكار هم الذين يقول الله عنهم سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق نعم إنهم يتكبرون بغير الحق وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ولن يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ولن يمل الله حتى يمل الذين يفسدون في الأرض بدون شعور منهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً إن هذه الحالة التي يصفها الله تعالى في القرآن بوضوح بليغ من أن الإنسان يزين له سوء عمله فيراه حسناً ويفسد في الأرض وهو يظن أنه يصلح أو سيد المصلحين ولكن عواقب التاريخ لن تتغير ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً "وإن عدتم عدنا" ولن تتغير سنن الله ألا إن الفساد وسفك الدماء في الأرض سببه أن يكون بعض البشر فوق القانون وفوق سنن الله ألا إنهم لن يصيروا فوق القانون لأن الله سيأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد .
إن البشرية لا تزال في مرحلة الطفولة إن تجارب التاريخ لم تترسخ بعد إن الظلم الذي طال أمده جعلت القلوب قاسية لا تفهم إمكان إصلاح الناس بغير الإكراه إن هؤلاء كفروا بأفضل ما في الإنسان وتمسكوا بالعروة الواهية التي لا دوام لها هذا الوهم هو الذي نعيشه والتاريخ وعواقبه لا قيمة لها عندنا لا عبرة في عاد و ثمود ولا عبرة في اليابان والاتحاد السوفيتي و الاتحاد الأوربي الذي يتحقق أمام أسماعنا وأبصارنا إن كنا نسمع ونبصر ألا إنه لا يتحقق بالإكراه وإنما بالإقناع بأنه فائدة للجميع ألا إن مغازلة القوة والعنف والعسكر يفسد الحياة إن العسكر إلغاء للعقل وتنفيذ لما يقال له بدون تفكير وجاء الأنبياء جميعاً لإخراج الناس من أن يكونوا أدوات بيد من يمسك بها من لم يصدق أن بقاء الحنين إلى القوة العسكرية يفسد الحياة البشرية فلينظر إلى الباكستان التي دخلت في عبادة القوة بصنع القنبلة النووية التي لا يخاف منها ولا يريدها إلا من يجهل الإنسان وأفضل تعامل مع الإنسان أو الذي يستغل جهل الناس فيلوح لهم بالحبال والعصي التي يخيل للجاهلين بأنها تسعى أولا يرى المسلمون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين أو عشر مرات ثم لا ينويون ولا هم يذكرون إذا كانت باكستان غير كافية في معرفة دأب العسكر في إلغاء الدستور والبرلمان وإدامة الأحكام العرفية كما في مصر من مقتل السادات إلى يومنا هذا وبضربة واحدة مددت الأحكام العرفية في مصر بثلاث سنوات فقط ما هذه الأشياء التي تحدث في العالم العربي والإسلامي ما هذا الذي حدث في السودان ماذا حدث للذين يعتمد على العسكر كيف انقلب العسكر في الليل وألغى كل شيء إنه هو الذي قام سابقاً بالانقلاب بدعوى الإسلام والإنقاذ وهو الذي قام الآن بالانقلاب مرة أخرى يا ناس يا عالم يا عقلاء يا من يعتبر بالتاريخ إن الأمم المقهورة التي تخاف من العصا والحبل والعسكر ولا تخاف من إهانة الفكر والعقل إن هذه الأمة ليست أمة راشدة لابد من ترشيد الأمة من دون تواطؤ مع القوة والإكراه إن الحنين الباقي في القلب للإكراه هو الذي يجعل اختلاط الغي بالرشد إن الغرب وأمريكا كما يقول إقبال سيطروا على العالم بنصف لا إله إلا الله لأن لا إله إلا الله هو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله إنهم كفروا بالطاغوت في بلادهم ولكن لم يؤمنوا بالله الذي يمنعهم من أن يجعلوا أنفسهم طواغيت على العالم الآخر ألا ما أيسر فهم هذا الشيء وما أصعبه إن ما تؤمن به سيكون ربك إذا آمنت بالإكراه والعنف ستكون عبد الإكراه والعنف وأدوات الإكراه ، ألا إن محمد بن عبدالله والأنبياء من قبله لم يأتوا إلا لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد لا إكراه في الدين معناه لا يوجد جنس الإكراه في الدين والذين يظنون أنه لا يمكن أن ينتصر دين الله بدون إكراه لم يفهموا الله ولا دينه ولا الإنسان ومن خسر هذه كلها فهو الخسران المبين ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم فأصبحتم من الخاسرين يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم كيف يتغير واقعنا من غير أن يتغير فهمنا لله ولدينه ولرسوله الذي أحيا رسالة كل الرسل والأنبياء إن المستقبل وآلامه سيرشد العالم كله وسيفهم المسلمون عند ذلك وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد .