هل يولد الإنسان مذنباً

من Jawdat Said

اذهب إلى: تصفح, ابحث

جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))

لم أقل هل يولد العربي مذنباً؟ أو هل يولد المسلم مذنباً مداناً؟ لم هذا السؤال عن المشكلة الإنسانية؟ يقال عند بعض الناس أن آدم لما عصى وأكل من الشجرة فقد حمل الإثم وأورث ذريته هذا الذنب فبعث الله عيسى ليفدي بنفسه عن هذا الذنب فيخلص البشرية مما لحق بها فمن آمن بهذا يخلص ويبرأ من الذنب أو هكذا يُقال والله أعلم.

ولكن الذي أريد أن أبحثه هل نحن العرب والمسلمين لحقنا شيء من هذا الذنب ومن يمكن أن يخلصنا من هذا الذنب الوراثي؟ وبأي معنى صار هذا الذنب وراثياً؟ أنا أريد أن أفسر هذه المشكلة بحسب معاناتي وتفكيري الدائم في المشكلة المستعصية العربية الإسلامية، هذا التفكير الدائم وهذا الهاجس المقيم بالتفكير في المشكلة الإنسانية والتفسير النبوي لهذه المشكلة البشرية وأن من ديدني العودة إلى القرآن ليساعدني في حل وتفسير المشكلات يقول الله في القرآن (قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل فمن هو في شقاق بعيد؟ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد) من منهج القرآن أن نبحث عن صدق أحكامه في واقع الكون (=الآفاق) وفي واقع الإنسان (=الأنفس) وأنا لتتبعي هذا الموضوع إلى جذوره وصلت في النهاية بمساعدة القرآن والتحديق في آيات الأنفس، عين على آيات الكتاب وعين على آيات الأنفس وبما أن فهمي لآيات الآفاق والأنفس يتعلق بالواقع الأفقي و النفسي فإن أهل الاختصاص بالآفاق وصلوا في نهاية بحوثهم إلى مطمح الوصول إلى كشف الموصلات الفائقة من غير تبديد وفي هذا يتنافس الفيزيائيون وأنا أيضا كنت أفكر في الأنفس كيف نستخرج من هذا الانسان أفضل ما فيه أو أقصى مردود باستخدام الانسان فانتهى بي التفكير بعد ملاحظة التاريخ (=مرآة آيات الأنفس)وملاحظة آيات الكتاب ففي حوارات الأنبياء مع أقوامهم فإذا كان الأنبياء حقاً جاؤوا من عند الله عليهم أن يأتوا بحل المشكلة الإنسانية والطريقة التي يتعامل بها مع الانسان لاستخراج أفضل مردود فوجدت في حوارات الأنبياء وأقوامهم الوصول بتتبع الحوارات الى نقطة البدء في حل المشكلة ولا سيما عند أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام مع أبيه (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبيا إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً يا أبت اني قد جاءني من العلم مالم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا… قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنتهي لأرجمنك واهجرني مليا قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا…) إن جوهر الخلاف هو اللجوء الى القتل والتهجير للمخالف وأنه لن يعيش معهم من يختلف عنهم في تفسير الآفاق والأنفس وهذه النقطة في النزاع بين الأنبياء وأقوامهم هي المنطلق الأساسي في النزاع بينهم، إبراهيم يقول لأبيه الذي يهدده بالرجم والتهجير:سلام عليك سأستغفر لك ربي.

وهكذا الأنبياء جميعاً والأقوام جميعاً، يقول القرآن عن الأنبياء الذين لا يعلم عددهم إلا الله: ألم يأتكم نبؤ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به… الى أن قال: وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا) وهكذا قال فتية الكهف عن أقوامهم (إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذن أبدا) ويقول القرآن معيداً ومكرراً رسالة الأنبياء ومواجهة الأقوام (لقد عثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) فمن هنا كان لا إكراه في الدين ولا في الأنبياء وليس استخراج أفضل مردود من الانسان بإكراهه هذه بدهية وبنية من البينات التي بعث الله بها الأنبياء فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة على فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين اللاإكراه -هو الرشد- والإكراه –هو الغي- فمن هنا يقول الله: لاإكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت –الذي هو الإكراه- ويؤمن بالله –الذي ليس في دينه إكراه- فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها.

ولكن هل يولد الإنسان مذنباً؟ لا ولكن الذنب يطرأ عليه المبدأ الأساسي في القرآن (أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً) لا تعلمون الفجور ولا التقوى ولكن ملهمون الفجور كما التقوى أيضاً هذه هي التسوية العجيبة في النفس الإنسانية التي أخطأنا في فهمها فأصابتنا الخيبة حيث دسيناها وكان سيصيبنا الفلاح لو أننا زكيناها حيث يقول الله (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) والحديث الشريف يبين لنا ما نزل إلينا حين يقول: كل مولود يولد على الفطرة التي فطر الله عليها ملهمة الفجور والتقوى فأبواه والمجتمع يحولانه الى طرائق قدداً وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله فالآباء والمجتمع وثقافة القوم تنصره وتجعله يؤمن بأنه خلق مذنباً أو خلق قاتلاً لأن يكون مذنبا مدساة، وقابل أن يكون بريئاً مزكاة في أحسن تقويم وهذا من عمل الآباء والمجتمع والثقافة التي تلقن للأطفال أو يتشربها بدون شعور منه كما أشرب العجل في قلوب قوم حين أخرج لهم السامري عجلاً جسداً له خوار ومع الأسف فإن البشر خلال التاريخ كان تفسيرهم للإنسان بأن أفضل استخدام للإنسان بتهديده وإكراهه ودون ترشيده وإقناعه لأن الإقناع يحتاج الى علم ومعرفة بطبيعة الإنسان والتعامل معه ولكن إكراهه لا يحتاج إلا الى قوة العضلات أمام ضعف عضلات الطفل ولكن هذا التعامل مع الطفل يدسيه وينتزع عنه نور الله المودعة فيه فيجعل في أسفل سافلين حيث ينشأ مؤمنا بالقوة وأن صاحب القوة ليس في حاجة الى أن يبين حجة سلوكه أو رشاد تصرفه حبه أنه قوي لا يحق لأحد أن يسأله فهذا ينعقد في رحم الثقافة الصنعة الألوهية التي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وتصطبغ الثقافة كلها بهذه الصبغة الوثنية من الوالدين في تعاملهما مع بعض ومع الطفل ومع الذكورة والأنوثة إلى أن يصل الأمر الى الأمم المتحدة فترهب الأمم جميعا القوة ويتقربون إليه ولا يجوز مساءلته وهكذا تبدأ الوثنية من المهد في عش الزوجين الى أكبر مؤسسة عالمية في الألف الثالثة بعد المسيح فكيف بمن يولد في هذه الثقافة العالمية أن يتمكن من تمييز الذنب من غير الذنب؟ الذنب هو الضعف والعجز وإن لم يكن حقيقة وإن كان هذا وهما وسحراً فمن هذا كل الأقوام قالت لكل الرسل أنهم سحرة ومجانين كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون) كيف تخاطب هؤلاء الذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم؟

كيف نفك هذا السحر العظيم الذي سحروا به أعين الناس واسترهبوهم؟ أريد فقط أن أضع قاعدة لمعرفة ما هو الذنب وما هو البريء فما دمنا نؤمن بالقوة و الإكراه والعنف فلن يولد فينا إلا من هو مذنب وجوده كله ذنب! فمن هنا كفرت بطاغوت القوة وآمنت بالرشد فهل من معين على ذلك؟!