هل إلى خروج من سبيل؟
من Jawdat Said
جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))
هل يمكن أن نخرج من المأزق الذي نعيش فيه؟ هل هناك سبيل أو باب للخروج من الإستعصاء إلى الحل للمأساة التي نعيشها؟ كيف ولماذا نبتعد عنها كلما حاولنا الإقتراب منها؟! لماذا لا قدرة لنا على التوبة (النقد الذاتي) وتغير السلوك والموقف؟ هل لأننا غير مخطئين وغير مذنبين وأننا براء؟ أم أننا لاقدرة لنا على إبصار وفهم الخطأ الذي وقعنا فيه! أم نبصر الخطأ الذي وقعنا فيه ولم يبلغ بنا الوعي إلى درجة رؤية السبيل للخروج من المأزق! متى يتمكن الإنسان من الخروج من الوضع السيئ؟.
أولاً: حسب تصوري لابد من أن نشعر أن الوضع سيئ للغاية، ولكن هل هو معقد أيضاً للغاية؟ ولا حل له. أظن أن الذين يشاركوننا أن الوضع سيئ للغاية أكثرية، ولكن الذين يرونه معقداً جداً ولا نعرف الحل أكثر من الأكثرية السابقة، وإذا أضفنا إليهم الذين يشعرون أن هناك حلاً ولكنه صعب جداً ويحتاج إلى عمليات انتحارية وليس لها حل غير ذلك. فهؤلاء وصلوا الى طريق مسدود. ولكن هل يمكن أن ندل على حل سهل لا يحتاج الى الانتحار ولانحر الآخر، وأنه يمكن الحل بدون تصفية بعضنا.
أكرر وأعيد أن المسألة لها حل وبدون تصفيات ولاخسائر، وإنما يحتاج إلى كشف قوانين وسنن الوجود، كان الناس يهلكون بالصواعق الرعدية! كم كان صعباً كشف القوانين التي تحكم الصواعق؟ وكم تحول إلى سهولة بعد معرفة سننها وصار في الإمكان الإمساك بها وإنزالها بأمان!. وكم كانت الجراثيم مشكلات؟ نرى أثارها وأسبابها خفية غير مرئية! فلما كشفت وعرفت كيف، أمكن السيطرة عليها. وكيف أن مالم يكشف بعد سننه كذلك خاضع للسنن ينبغي أن نبذل جهداً لكشفه وتحديد طريقة عمله حتى نتمكن من السيطرة عليه.
كم كانت الشمس خادعة حين خيل بادئ الرأي أنها تركض حولنا! وكنا نحن البشر عندنا استعداد أن نُقتَل من أجلها ونَقتل الآخرين بسببها كذلك!. ثم كيف تخلصنا من ذلك فلم يعد ممكناً أن نتنازع من أجلها. ما هي المشكلة التي نتنازع الآن من أجلها؟ وكيف نكشف أسبابها؟ لتصير أسبابها واضحة بحيث لا نعود نتنازع فيها، إن الشمس كانت خفية. إن أوضح شيء كانت أخفى من كل شيء. هل يمكن أن نفهم من هذا أن مشكلاتنا الأخرى مثلها! ويمكن أن نصل بها إلى درجة الوضوح بحيث لانتنارع فيها ولا ينازعنا فيها أحد.
إن ميزة الإنسان أنه قادر على كشف الأسباب بتدقيق النظر. وحين يكشف الإنسان الأسباب يتمكن من تسخيرها والتحكم فيها ودفع مضارها وتسخير منافعها أو على الأقل إن لم يتمكن من السيطرة عليها يتنبأ بها ويستعد لملاقاتها بأقل الخسائر. ونحن في العالم الإسلامي درجات، بعضهم وصل به الأمر إلى أن يفهم مثل هذه الأمور بسهولة مهما كان عددهم قليلاً، وبعضهم يرونها خروجاً من الإسلام وعلمانية كافرة أسير الحضارة الكافرة، وبين هؤلاء درجات.
ونحن حين نكتب يسيطر علينا محاولة إرضاء أكبر عدد ممكن، قد يحملنا ذلك على أن نطيل البحث ونلف وندور لرفع مستواهم للفهم، وهذا يجعل أسلوبنا طويلاً، ونحن لسنا بارعين في تبسيط المواضيع بحيث يفهمها جميع المستويات، نحن شئنا أم أبينا نعيش عصر الخوارق الذي جاء القرآن ليتجاوزه الى عصر السننية التاريخية في الآفاق والأنفس وتسخير الكون المادي وتوجيه الكون الأنفسي القابل للتزكية والتدسية. ونحن الذين ندعوا الى الله قد تكون نياتنا طيبة ولكن تصوراتنا خاطئة، إن التصورات الخاطئة لا يمكن أن تعطي نتائج وعواقب سليمة، إن الذي يفهم جيداً يصير متمكناً كالذي يمشي على الحبل ولا يفقد توازنه، وربما فكرة الصراط الممدود على جهنم أحد من السيف وأدق من الشعرة رمز لهذه الإشكالية على صعوبة العقبات أمام تغيير ما بالأنفس، والناس عندهم استعداد أن يدافعوا عن أسباب تخلفهم وهَوَائِهم الى درجة الموت، ونحن قد نخطئ تصورنا لله، ليس كل تصور لله هو الله الذي ليس كمثله شيء، ولم يكن له كفواً أحد، لهذا يقول الله: (يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية) ويقول: (ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين) ويقول: (هل أنبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً) ويقول: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) ويقول: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم) والمشكلة تصير معقدة حين يكون الطرفان المتنازعان يوقن كل واحد منهم أنه على الحق.
ولهذا كشف الحق وجعله مفهوماً من أهم وسائل تغيير ما بالأنفس وخاصة تغيير ما بالأعماق، ففرق كبير بين نزاع مع طرف يعلم أنه مبطل ولكن عن عمد ينازع الحق مثلما ورد في القرآن (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً) فهؤلاء الذين يسميهم الله في سورة الفاتحة (المغضوب عليهم) فهم غير الضالين الذين عن غير علم وإنما بالثقة بآبائهم يتبعون الضلالة، وأما الصنف الثالث فهم الذين علموا الحق المبين واتبعوه وهم أصحاب الصراط المستقيم، والنزاع إنما يكون بين أصحاب الصراط المستقيم والمغضوب عليهم أما الضالون فهم موضع النزاع فمن استطاع أن يهديهم ويخرجهم من الضلال ويكون ذلك بالعلم والفهم وليس بالقتال لأن القتال ليكون حلاً للمشكلة. ينبغي أن يهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة.
وحتى صنف المغضوب عليهم الذين يجرئهم على الإصرار على إنكار الحق عن علم، وجود كثرة من الضالين الذين ليسوا على معرفة وعلى أهل الصراط المستقيم أن يكونوا حريصين على البلاغ المبين الذي يخرج الناس من ضلالهم، فالذين يخرجون من الضلال ويكشفون الحق سينضمون الى أهل الصراط المستقيم ولا ينضمون الى المغضوب عليهم أو على الأقل أكثر الضالين بعد معرفة الحق سينضمون بغير حرب وطواعية مع أهل الصراط المستقيم، ويقول الله في هذا : (بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون) هذه آية مفتاحيه، حين تنتشر المعرفة أكثر الناس لا يعرضون عن الحق، فمن بَيّنَ آيات الله في الآفاق والأنفس بوضوح يغيير المجتمع أي حين يغير ما بأنفس المجتمع يتغير بعد ذلك واقع المجتمع ويتغير موقفه ويحدد الذين سينضم إليهم.
وكثيراً ما أفكر بالموضوع وأقول أهل الصراط المستقيم في غيبوبة، وهم أقلية متناثرون هذا إن وجدوا ولم يشكلوا ملة واضحة المعالم فقد اختلطت الأمور. لهذا فإن مشكلة الخوارج في العالم الإسلامي مشكلة كبيرة فهم ليسوا من أهل الصراط المستقيم بل ويقاتلون أهل الصراط المستقيم قبل أن يقاتلوا المغضوب عليهم ولهذا لما سئل علي رضي الله عنه عن الخوارج أهُم كفار قال: لا من الكفر فروا ولما سئل أهم منافقون قال : لا. ثم قال : ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه. ولهذا في الدعاء اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل فمشكلتنا التباس الحق بالباطل لهذا نظن أن الحق يفرض بالإكراه. والله يقول : لاإكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي. فالإكراه هو الغي واللاإكراه هو الرشد.