ميلاد المجتمع النبوي (المدني) والديمقراطي

من Jawdat Said

اذهب إلى: تصفح, ابحث

جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))

ما هذا العنوان؟ وماذا أقصد به؟ وكيف سأوصل ما أريد الى القارئ؟، العالم الإسلامي عالم ممزق، كيف نجمع هذا العالم؟ وكيف نكشف عوامل تمزقه؟ بحسب تصوري عامل تمزقه إيمانه بان العنف هو الذي يحل المشكلات، ولا يحتاج لحل المشكلات وإزالة التمزق الا أن يكون قوياً فيزيل بالعنف عوامل التمزق. هذا المرض وهذا التصور هو الذي يحول بين المسلمين وبين حل مشاكلهم، ولكن كيف سأضعه تحت المجهر؟ وكيف سأبين بوضوح بيّن واضح أن العنف لا يحل المشكلات؟. فهو لم يحل المشكلات في الماضي ولن يحل في المستقبل لان البشر ليس من طبيعتهم حل المشكلات بالعنف وإنما بالفكر والإقناع بالعدل والإحسان ومن طرف واحد، والالتزام به سيحل المشكلات بدون عنف واكبر تغيير حدث ويحدث في العالم هو حل المشكلات بالعدل وبدون عنف وهذا ينبغي أن يتم بالإقناع وليس بالإكراه والعنف، وما دمنا نحمل شكاً وما دمنا لا يمكن أن نفهم هذا الموضوع، لن ندخل الى السلام ولن يدخل السلام فيما بين البشر وكل الذين يدخلون إلى السلام يدخلون بدون عنف وبقبول العدل وهذا يحدث بفهم الإنسان الفرد ثم يوصل هذا الإنسان الفرد هذا الفكر الى الآخرين فيكون مجتمع اللاعنف ومجتمع اللااكراه وينبغي أن يتكون هذا المجتمع بدون إكراه وينبغي أن يساعد المجتمعات الأخرى لأن يدخلوا الى مجتمع اللااكراه حتى يزول الإكراه من العالم الإنساني.

وربما يساعدني على تفهم هذا الموضوع حدثان 1-الحدث النبوي وخاصة الحدث الإسلامي الذي قاده محمد(ص) 2- الحدث الديمقراطي الذي استحدثه العالم الغربي والحضارة الغربية.

ولكن ينبغي أن نوضح نقاط التلاقي ونقاط الاشتباه في هذين الحدثين. أظن انه ليس من الصعب أن نفهم أن الحدث الديمقراطي لا يمكن أن يحدث الا بترك العنف من جميع الفرقاء للوصول الى صنع المجتمع الديمقراطي أظن أن هذا واضح و يمكن فهمه حسب تصوري، فإذا لم استطع أن اقرب هذا الى الفهم فهو يرجع اليّ أنا لأني لا قدرة لي على شرح الواقع الذي نراه أمامنا. هل يمكن أن يكون هذا مثل الشمس في الوضوح والخفاء؟ إنها واضحة أمامنا هذه الشمس الساطعة مصدر الضياء ولكن هي خفية، كانت خفية في حركتها لأننا نحن البشر أخطأنا جميعاً في فهم حركتها. والديمقراطية هي كالشمس أمامنا ولكن لا قدرة لنا على فهم حركتها ووجودها ومسيرتها. لا بد من الفهم بان الظاهرة الديمقراطية لن تحدث الا بترك العنف والتخلي عن العنف من قبل الفرقاء كلهم في المجتمع ليتكون مجتمع اللاعنف في صنع الحكم بل صنع المجتمع الذي يفرز مؤسساته السياسة بدون عنف وبدون إكراه ولكن الديمقراطية مع وضوحها فيها جوانب خفية. الديمقراطية ولدت من العنف حين وصل العنف الى انه خسران مبين وعذاب أليم، حتى حين ذكر توينبي هذا الموضوع اللاعنف والتسامح كيف تكوَّن لينتج عنه الديمقراطية بعد أن شعر الملوك أن الحروب الدينية لم تعد مربحة وإنما مستنفذة للطاقة ومؤدية الى الخسران والعذاب اضطروا أن يتخلصوا من التعصب الديني الذي يؤدي الى الحرب فصاروا يبشرون بالتسامح وان لا يتقاتلوا من اجل الدين ولكن لا ينسى توينبي أن يعلق على هذا التعليق الساخر على أن هذا التوجه كان نتيجة للتخلي عن الدين لا انه اقتراب من الدين فمن هنا كان هذا الحل نتيجة عن ابتعادهم عن الدين لا باقترابهم له فهم دخلوا الى اللاعنف الذي هو لب دعوة المسيح ولكن كان ذلك تخلياً عن المسيح لا إحياءً لدعوة المسيح، ولاختلاط هذا الموضوع حين تخلوا عن العنف الديني برز العنف القومي الشيطان الأكبر، ولكن هم تخلوا عن العنف الديني كأن المسيح كان عنيفاً وتخلوا عنه، ولكن الآن يتخلون عن العنف القومي فتحدث الوحدة الأوربية بدون عنف وبالإقناع وينبغي أن لا ننسى أن التسامح و اللاعنف ولد في رحم العنف الثوري الملتهب إن الثورة الفرنسية وبقية الثورات ولدت من أتون العنف والدماء فلهذا لا نتمكن من فهم أن الديمقراطية هي اللاعنف وحلت اصعب المشكلات باللا عنف وبالاقتراع وتقديس هذا اللا عنف وهذا الاقتراع الذي به نتبين الإقناع وان الحل يكون بإقناع الناس بأدوات الإقناع لا بأدوات الإكراه بان يعبر الناس عن قناعاتهم لا أن يفرض عليهم القناعات فلهذا لا قدرة لنا أن نفهم بوضوح كيف ولدت الديمقراطية لأنها ولدت من رحم العنف لهذا الى الآن لا نفهم أن الديمقراطية لا عنف، والسبب انه ولد من العنف وربما يمكن أن نقول أيضا انهم لا يريدون نشر الديمقراطية، بل مع تخليهم عن العنف في المجتمع الديمقراطي، الا أن تصدير هذه البضاعة ليس من أهدافهم ولا يزالون يمارسون العنف وبمجرد أن يخرج الأمر من مجتمعهم الداخلي يكون تعاملهم مع الآخرين بالعنف فهذا يجعل الديمقراطية عسيرة التكون.

أما الحَدَثُ النبوي لم يكن تبنيهم لـ اللاعنف نتيجة مللهم من العنف وإنما نتيجة فهم طبيعة الانسان من أن افضل استخدام للانسان واستخراج افضل ما فيه لا يكون بالعنف والإكراه وإنما بالإقناع، لهذا كان بدء حركة النبوة كلها باللاإكراه و باللاعنف و بالامتناع عن العنف بحيث لا يقبل أن يمارس العنف ولو أكره بالعنف أي لا يكون أداة للعنف هو مُكْرَهٌ ولا أداة للإكراه لمن يريد أن يستخدمه ليمارس العنف ولا يدافع عن نفسه إذا مورس معه العنف يريدون الخروج من ملة الإكراه كلياً ويقولون {قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم} ولهذا كان خاتم النبيين وممثل الأنبياء جميعاً بوضوح بليغ انه بدأ من الصفر في مجتمع الإكراه بالامتناع عن الإكراه وعن العنف وعن الدخول الى ملة العنف وإنما دعا الناس الى الخروج من ملة العنف والإكراه لصنع مجتمع اللاإكراه و اللاعنف والإقناع وصبر الى أن صنع المجتمع مجتمع اللاإكراه بدون إكراه وبدون دفاع عن النفس كان القرآن يتنزل عليهم بالصبر على الأذى من غير رد الأذى بالأذى في القرآن على لسان الأنبياء جميعاً {و لنصبرن على ما آذيتمونا} حتى نصنع مجتمع اللاإكراه فإذا وجد مجتمع اللاإكراه ورآه الناس واقعاً عملياً فانه هو وحده يكون الذي جاء بالشرعية وهو الذي له الحق أن يقول إن استطعت أن تصنع مجتمع اللا عنف بالإقناع تكون صرت معنا وان حاولت أن تزيل مجتمع الإقناع بالإكراه وان تزيل مجتمع اللاإكراه واللاعنف ومجتمع الإقناع بالإكراه والعنف فَحُقَّ لهذا المجتمع الدفاع عن نفسه وليس هذا فقط بل واجب عليه أن يزيل طواغيت الإكراه من العالم فهذا هو الميلاد الشرعي الذي نسخه المسلمون ولا قدرة لهم على تصوره وبكل سذاجة يظنون أنه يمكنهم أن يصنعوا مجتمع اللاإكراه بالإكراه وهذا ما ظل المسلمون يمارسونه من بعد عهد الراشدين إلى يومنا هذا ومع ذلك لم تتحقق حالة الرشد ولا حالة الديمقراطية ولم يقبلوا كلمة السواء وإنما أنا أقوى أنا الحق أنا الشرعي ومن لم يقبل فلينازل هذا هو الواقع ولسان الحال الراسخ رسوخ الراسيات. فولادة الديمقراطية كانت عسيرة ولم يتبينوا بوضوح إمكانية صنع الديمقراطية بدون عنف مع أن الديمقراطية لن تدخل إلى قوم يؤمنون بالعنف وهذا الشيء تكوَّن عند الذين ولدت الديمقراطية عندهم، وعند المسلمين إن الديمقراطية و اللاإكراه هو الهدف الأساسي من أول لحظة وتحقق بوضوح وبزمن قياسي من غير ممارسة لأدنى عنف ومن غير أن يقتل أي شخص من المجتمع الجاهلي من قبل أتباع الرسول؛ ياله من التزام صارم نقي نظيف واضح مبهر لا يمكن أن ينكره أحد بيضاء للناظرين ليست ملوثة ولا حمراء فتكوَّن مجتمع اللاإكراه باللا إكراه. ينزل عليهم القرآن {لا تطعه واسجد}، ويزيد ويقول {كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة}، ويمر عليهم الرسول (ص) ويقول للمعذبين "صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة" ولم يقل لهم دافعوا عن أنفسكم أو خذ يا عمار بثأر أبيك وأمك. لماذا ؟ لأنهم يريدون أن يسنوا للعالم أجمع طريقة بناء الشرعية وبناء مجتمع اللاإكراه لأن المجتمع معناه أن يحمي الأفراد الذين ينتمون إليه فإذا كان المجتمع لا يحمي الأفراد الذين ينتمون إليه لا يحاولون أن يحموا أنفسهم حيث بذلك يتحول المجتمع إلى شريعة الغاب وهم يريدون أن يقضوا على شريعة الغاب بأن يرسوا قواعد الشرعية بالإقناع والامتناع عن الدفاع عن النفس فهذا معنى "ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه" ولا نأمر الناس بالبر وننسى أنفسنا إنه الالتزام الصعب ولكنه الحتمي.