ميزان العواقب
من Jawdat Said
كيف نميز الإيمان الصحيح من الإيمان الخاطئ؟ كيف نميز الذئاب من الحملان؟ كيف نميز الرشد من الغي؟
ينبغي أن نكرر كثيراً أنه لا يوجد ميزان لمعرفة هذه الأمور وتمييزها غير عواقب التاريخ ومصير الأمور وقانون الزبد الذي لا يرحم أحداً، فحتى وغن طال بقاء الزبد فإن مآله إلى الزوال، ولا يبقى إلا الأنفع، وللذي يكون خيراً وأبقى على مر الزمن، ولهذا صار الزمن عنصراً هاماً في معرفة الخطأ من الصواب، والضار من النافع، والغثاء والزبد من الأنفع والأبقى.
كل الكلام يمكن فهمه على الخطأ، لأن الكلام ليس هو عين الحقيقة، فكلمة نار ليست ناراً محرقة للذي ينطق بها، وحقيقة النار موجودة في مكان آخر، في واقع الحياة. وبهذا المعنى يظهر لنا أن الكلمات ليست حقائق الحقائق، بل هي مجازات ورموز للتذكير، وحتى كلمة (لا إله إلا الله) لها معنى خارجي، ومن هناك نعرف صدق المراد بها لا من داخلها.
من هنا يأتي اهتمام القرآن بالتاريخ، وبما حدث للأمم خلاله، ومن هنا تأتى أهمية آيات الآفاق والأنفس، وأهمية هذه الآيات تنبع من أنها هي التي ستشهد بالصدق لآيات الكتاب، ستشهد بالصدق للرموز، وستحدد وتصحح معاني الرموز، لأن المرجع الأخير هو آيات الآفاق والأنفس في التاريخ، وكلما تقدم التاريخ وتراكم كلما برزت القوانين والسنن، ومن هنا كانت أهمية الأمر الإلهي بالنظر إلى الماضي والحاضر، والأمر بانتظار المستقبل القريب والبعيد.
التاريخ مصدر أساسي لمعرفة الخطأ والصواب، وما لم يعترف المسلمون بهذا المصدر فإنهم سيظلون يثقون بصورهم الذهنية وبأهوائهم أكثر من ثقتهم بعواقب الأمور.
إن المسلمين لا يعتبرون بعاد وثمود، واليابان والاتحاد السوفييتي، وبالسوق الأوروبية المشتركة، وكأن هذه الأحداث لا دلالة لها، ولا تخضع لقوانين، ولا يمكن أن يستفاد منها.
هل يمكن أن أبرز أهمية التاريخ ومصائر الأمور؟