مزايا مذهب ابن آدم

من Jawdat Said

مراجعة ١٢:٣٦، ١٨ يوليو ٢٠٠٧ بواسطة Admin (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح, ابحث

مزايا هذه الطريقة في العمل:

1- تكوين الجو الصحي:

هذه الفكرة ليست هي غايتنا، ولكنها الوسيلة والمقدمة للأفكار التي ينبغي أن ترى النور، وتخرج من الظلام، الأفكار التي تصحح كثيراً من المنطلقات الخاطئة التي نبدأ منها.

إلا أن تركيز هذه الفكرة الآن ضروري، إذ إنها صمام الأمان لتهيئة الجو المناسب الخالي من جو الصراع، ومن تهمة العدوان. فكأننا بهذا نهيئ جواً جديداً لتبادل وجهات النظر بغير السلاح ويغير المسدس والقنابل، بل بالحجة والمنطق والفكرة، والشاهد فيها هو التاريخ، وسُنة الله فيه، والذي اختلطت فيه الأمور، أما الجو الذي يفوح برائحة الثأر وروح الانتقام، ليس هذا الجو هو جو الصحو الفكري الذي يمكن أن يلاحظ فيه الإنسان موارد الأفكار ومصادرها. لهذا كله، نريد أن نسهم في تكوين جو جديد لا تشيع فيه رائحة الدم والتلُّمظ بالثأر، ومضغ روح الانتقام والعدوان.

فإن إيجاد الجو الصحي للتفاهم يعطينا فرصة لإمكان بحث الموضوع بشيء من الهدوء.

وهذا يجعلنا نفكر في الوسائل والأهداف التي نريد أن نصل إليها وبواسطتها. واليوم لم يعد بناء المجتمع من الأمور الغيبية، التي يتحدث فيها بالفرضيات، بل هو خاضع للقول الكريم؛ قوله تعالى: (… قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ …) ] البقرة 2/111 [.

فهنالك نخرج من تبادل التهم إلى تبادل النصح والإرشاد، ومن الاتهام في المقاصد والنوايا إلى تبين مواضع الخطأ في الطريق الموصلة إليه.

إذ قليل هم الذين ينوون الشر لمستقبل هذه الأمة، وقليل هم الذين يدركون السبل الصحيحة لإبعاد هذا الشر عن الأمة، وجلب الخير لها.

2- فرد واحد يمكن أن يقوم بها:

يمكن أن يقوم بهذه الطريقة فرد واحد أمام الناس جميعاً، فهكذا بدأ الأنبياء جميعاً يبلغون رسالة الله، ويعلمون الناس الحق، ويصبرون على أذية الناس حتى يأتي أمر الله، ويهلك الظالمين وينصر عباده المؤمنين.

3- منافعها عامة للمتخاصمين:

وإن منافعها مشتركة، ومضارها لا يتحملها إلا من تبناها , أي أن الفوائد التي تحصل منها تعمُّ الطرفين المتنازعين، والحياديين، لأن الذي تنازعه إن تراجع عن رأيه بهذه الطريقة لا يشعر بالانهزام والإرغام، بل يشعر بفضيلة انكشاف الحق والرضوخ له دون إرغام، كما لا يشعر المنتصر بأنه انتصر بالقوة المرغمة، فهذه طريقة لنزع الشعور بالذلِّ من المتراجع، ونزع الغرور من الداعي إلى الحق، وفيه إيقاظ روح الكفاح من أجل الحق في الناس جميعاً.

أما كون مضارها لا يتحملها إلا صاحبها، فهذا واضح لأن الذي يقول الحق هو الذي يتحمل تبعة ما يقول، وهو لا يخفي نفسه بل يعلنها، فلذا كان من الخطأ أن يكتب شيئاً لا يتبناه من كتبه، أو ينشر شيئاً لا يتبناه من نشره.

بينما طريقة استخدام القوة لا تقف عند من استعملها بل كل من يتصل بهم يصيبهم الأذى.

هذا ولأن العذاب الذي يلقاه من يعمل بطريقة تبليغ الحق، يلقاه ليرجع عن عقيدته، لا لأنه يريد أن يفرضها على الآخرين بالقوة بل كل من يتبنى هذه الطريقة لا يلقي تبعتها على غيره، ولا يحاول أن يتنصل منها أو أن يتبرأ من العمل الذي قام به. ولهذا لا يعذب لأن يعترف بالأسلحة التي أخفاها، ول بالخلايا التي يجتمع بها، ولا بالقادة الذين يصدرون الأوامر إليه. فهو أمامهم وحده، صحيح أنه وحده ولكنه أمة بالنسبة للمبدأ الذي يدافع عنه.

4- كسب قوة الموقف الصريح الواضح:

ومن مزايا هذه الطريقة أيضاً الشعور أمام الآخرين بالصراحة، وأن لا يشعر بأن وراءه شيئاً يخيفه، فهذا من الاتزان النفسي وعدم الشعور بالصراع الداخلي. فمن تبنى القوة لا يستطيع أن يقول: إني سأفعل هذا، فيضطر أن ستر هذا العمل ويخفيه. فهو يشعر بأنه مضطر أن يقابل الناس بوجه، وأن يقابل نفسه بوجه آخر.

بينما لا يشعر بهذا من يتبنى قول الحق، ويترك استخدام العنف والقوة من أجل الوصول إلى أغراضه.

5- إزالة الرهبة من السجن:

كذلك فإن من يسجن من أجل هذه الطريقة، لا يخاف أن يكشف عمله أحد لأن عمله مكشوف، وليس لديه شيء سري يخاف منه، فهو يشعر بالراحة والطمأنينة في خلوته. وكذلك أصحاب هذا الإنسان الذي سجن لا يخافون من السجين أن يكشف مخططاتهم وأعمالهم، لأنها كلها مكشوفة وعلنية، يقول للباطل ما يقوله في السر وفي العلن، بل ربما يقول في العلن أكثر مما يقوله فيما بينه وبين نفسه، فباطنه أنقى وأتقى، فلا يخاف على شيء أن يكتمه.

6- السجن لا يخاف منه لذاته:

وذلك أنه يدرب الناس على عدم الخوف من السجن وعدم الخوف من العذاب، لأن الإنسان إنما يخاف من أن تنزل عليه هذه المحن، لا لذات المحن، ولكن للأسباب التي من أجلها تنزل المحن. فالإنسان مفطور على أن يضحي. لذا ينبغي أن نضع له المثل الأعلى الذي يضحي من اجله.

7- تجريد المخالف من حججه(1):

إنها تمكن من كشف حقيقة من يحمل العداوة للإسلام، ولكن يحاول أن يستر عداوته له فيتستر وراء كلمات مثل تهمة الإرهابية.

وهذه الطريقة لا تمكن من استخدام هذه التهم، إذ يرتفع الستار الذي يختفي وراءه، ويظهر على حقيقته للناس دون أن يجد أي ستار يختفي وراءه.

فنحن لا نريد أن نتبنى شيئاً غير تبليغ رسالة الإسلام.

فلماذا نكون عوناً لأعداء هذا الدين بأن نضع أشياء سبباً لعدوانه علينا؟

إن الدعوة إلى الله وتبليغ ما أنزل، كافٍ لكشف الطواغيت على حقيقتهم، التي هي كظلام الليل الذي ليس فيه أي نور.

فلماذا لا نكتفي بالدعوة إلى الله لإظهارهم على حقائقهم بحيث لا يستطيعون أن يقولوا:

إننا نقتل المسلمين ونعذبهم ونشردهم لأنهم يريدون أن يقتلونا.

وإنما نضطرهم أن يقولوا: إننا نفعل ذلك لأن هؤلاء الدعاة يريدون أن ينشروا الإسلام ويبلغوه.

وبهذا نعيد المعركة بين الحق والباطل فيظهر البغي بوضوح وصدق الله إذ يقول:

(بَل نَقذِفُ بِالحَقِ عَلَى البَاطِلِ فَيَدمَغُهُ فَإِذَا هُو زَاهِقٌ) [ الأنبياء 21/18 ].

8- استخلاص النماذج البشرية الفاضلة إلى صف الحق والسير بركبه:

ثم إن جعل النزاع في هذا الشكل الخلقي الذي يخاطب الإنسان فيه الضمير، قبل أن يلوح بالعصا، هذا الإنسان الذي لا يريد جزاءً ولا شكوراً على عمله، ويتحمل العذاب من أجل الفكرة التي يعود نفعها على الناس جميعاً.

إن هذا الموقف يساعد جداً على تحرير صفوف الخصوم من المغرورين بهم، إذ إن كثيراً من الطيبين يجعلهم عدم وضوح الصراع على هذا المستوى ـ الذي يخاطب فيه ضمير الإنسان ـ خارج المعركة، أو يتركهم في صف الباطل غير شاعرين بوجود المبدأ الحق الذي يعتقده الداعي حقاً، بينما لا شعر بوجوده الآخرون، وهذا يعني أنهم خارج المعركة التي هيؤوا أنفسهم لخوضها، وبالتالي قد ينضم الكثير منهم لصف الباطل لاسيما إذا اتبع هذا الباطل أسلوب الخداع.

فلهذا كان من أعظم الجرائم لبس الحق بالباطل، لأن عدم لبس الحق بالباطل، يجعل الباطل يظهر على حقيقته وتجرده المفضوح إزاء الحق الواضح المبين.

ففي مثل هذا الصراع الواضح لا يجد الباطل عوناً.

لهذا كان من أكبر واجب الدعاة تجريد الباطل من إمكانية لبس باطله بصورة الحق مهما كان وكيفما كان، لأن صاحب الحق وإن كان فرداً أعزل فإنه يتمتع بقوة الحق الواضح المبين التي يهزم بها أعظم جحافل الباطل.

إلا أن المبطل يستطيع أن يلبس باطله فيتقوى بذلك، لذا كان لابد من التمحيص لتعرف القوة الذاتية في الحق المبين، لكي لا يبقى الحق مخفياً لا يراه الناس.

ونحن علينا أن لا نمكن المبطل من التمسك بشيء يمكنه أن يلبسه بالحق، فإن لم نفعل نكون مساهمين معه بالقدر الذي نفسح له المجال في أن يلبس الحق بالباطل.

9- إيقاظ روح الاجتهاد والاستيقاظ الفكري:

ثم من المزايا العظيمة أنه يوقظ روح الاجتهاد في الإنسان ويبعد عنه التقليد، ويمَكَّن الإنسان من أن يوقف الآخر أمام مبدئه لا أمام شخصه أو زعيمه أو جماعته، وهذا أوجب ما يكون على المسلمين.

لأن الإسلام فيه قوة هائلة لا يستطيع أحد أن يتهمه بالخيانة أو العمالة أو الخطأ، فالإسلام يحمل القداسة التي فوق كل شيء، فلا يمكن أن يقال: إن الإسلام باطل. ولا يمكن أن يقال هذا علناً، وإن كان في قلوب البعض شيء من ذلك. وهذا الإقرار العلني يجعل المسلم في وضع الهجوم على الآخرين والاتهام لهم فيما إذا عرف كيف يتمسك بدينه وبإسلامه. أي إذا عرف كيف يوقف الآخرين أمام الإسلام لا أمام الأشخاص مهما كانوا نزيهين، أو أمام الجماعات مهما كانت فاضلة، فإن العصمة لا تكون للأشخاص ولا للجماعات فيمكن أن يتهم هؤلاء إن لم يكن بالحق فبالباطل.

أما الإسلام فلا يمكن أن يُتهم بحق ولا بباطل، لأنه يحمل مناعة ذاتية كما أنه يعطي لمن يتمسك به هذه المناعة.

ولكن المسلم المسكين لا يعرف كيف يستفيد من هذه القوة الهائلة، فيهتم الشخص بأنه من أتباع فلان أو أصحاب فلان.

فإذا اتهم المسلم بذلك أو قيل إن فلاناً خائن أو عميل أو …

يمكن أن يقول: أنا مسلم، وهب أن فلاناً كذلك فهل إذا كان فلان كذلك أخرج عن الإسلام بل أزداد تمسكاً به.

وليس القصد إثبات التهم على فلان، ولكن القصد أن لا يكون ارتباط بين إدانة إنسان وإدانة الإسلام.

والمسلمون على اختلاف منازعهم يفيدهم هذا الموقف فائدة عظيمة.

والمسلمون لا يرفون الحق بالرجال وإنما الرجال بالحق.

فإذا اتخذ المسلمون هذه الطريقة، فإنهم يجعلون جهدهم مشتركاً دون أن يشعروا بوحدتهم، لأن كل تمسك يفيد المسلمين جميعاً.

وإن هذا الأسلوب أسلوب إدانة شخص، ثم إدانة شخص آخر بمجرد أن ينتسب إليه، ينبغي إبطاله في الإدانة.

إن الإدانة تثبت على الشخص الذي لا يحمل استقلالاً فكرياً، والذي تكون قوة حجته لا في مبدئه وإنما في شخص قائده أو من يتبعهم، والأشخاص والأفراد والجماعات ليسوا معصومين.. الإسلام وحده هو المعصوم، وعلى المسلم أن يعرف كيف يستفيد من استخدام قوة الإسلام ومناعته ذدَّ كل مفترٍ ومبطل.