ما قصة إيران؟
من Jawdat Said
جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))
طالما احتج علىَّ المحتجون بالجزائر حين كنت أدعو إلى الأسلوب السلمي في تغيير الفكر والحكم وكانوا يقولون لي ها هو الجزائر مثلٌ كبير نجحوا في الانتخابات ثم حرموا منها بالقوة فلهذا لا بد من مواجهة القوة بالقوة ولا يفل الحديد إلا الحديد وهم حين يقولون هذا كأنهم أووا إلى ركن شديد وقوي في تأييد أن الفكر والحكم لا يمكن تغييره بغير القوة فهذا الأساس الراسخ في تاريخ البشرية منذ زمن طويل هو الذي يريق الدماء في الجزائر بدأ من دم بوضياف إلى عبد القادر حشاني كل الأطراف يؤمنون بالقوة كنت أقول إلى الآن في العالم العربي لا يوجد من يعترف بأن الفكر قوة غالبة في صنع المجتمع وإلى الآن ألف وأدور وأبدأ وأعيد لخدمة هذه الفكرة لا يوجد عندنا لا مؤمن ولا قومي ولا ليبرالي ولا يساري يقبل التحاكم إلى المنطق حيث الجميع لا يثقون بأفكارهم أن الأغلبية ستقبلها وهذا الموقف من الفكر خذلان للذات بالذات وهذا الذي حدث أن انتخابات الجزائر كانت مناسبة لبروز مقدار إيماننا بالانتخابات ومخاطبة الناس فالقوى التي ألغت الانتخابات الشفافة الزجاجية في الجزائر كانت حجتهم أن هؤلاء الذين نجحوا في الانتخابات كافرون بالانتخابات ويتخذونها مطية فقط إلى الحكم حتى الرئيس الأمريكي في حينه ردد هذه الحجة وشاعت حينها فكرة الانتخابات لمرة واحدة ثم تلغى ولكن كما شحذوا ذكاءهم في إدانة الذين نجحوا في الانتخابات وانحاز إلى الذين أدانوا هذا القوة الأوحد في العالم أمريكا ولكن أنا لي حق أيضا في تأويل هذا الحدث الذي تحول إلى أحاديث في حينها كأن لسان حال الذين قالوا بأن الإسلاميين سيغتالون الديمقراطية فهم لا يؤمنون بها ولكن هؤلاء الذين اغتالوا الديمقراطية لأن الآخرين كانوا سيغتالون الديمقراطية.
إن هذا النزاع ليس له معنى لأن الضحية الحقيقية عند الجميع هي الديمقراطية لأن الذين اغتالوا نتائج الانتخابات كأنهم يقولون معتذرين للديمقراطية يا سيدتنا العزيزة إننا مضطرون إلى اغتيالك وذبحك وتدميرك لأن هؤلاء الذين استغلوك كانوا سيقتلونك في المستقبل القريب أو البعيد فلهذا يا سيدتنا المبجلة إننا مضطرون إلى اغتيالك ومحوك من الوجود على كل كان هذا هو المنطق الذي على أساسه اغتيلت السيدة الديمقراطية في الجزائر على كل في عمق هذه الأفكار الاعتماد على القوة واللجوء إليها عند الأزمات سواء حين نفقد الديمقراطية فالديمقراطية ليست شيئا يستحق المساندة والحرص عليها فما دامت القوة موجودة فهذا هو الملجأ والملاذ ولا يوجد أحد يثق بالديمقراطية أنها لها وسائلها الخاصة بدون لجوء إلى القوة لإمكان إثبات ذاتها وكأن الديمقراطية لا تستطيع أن تثبت ذاتها إلا بالقوة لهذا لجأ المعارضون لنجاح الانتخابات إلى القوة وكذلك لجأ الذي استلب منهم نتائج الانتخابات إلى القوة فالركن الأخير هو اللجوء إلى القوة بأقبح أشكالها وأسمدها مما يدعو إلى الخجل وينكس الرأس إن هذا الوضع المأساوي المحزن في بلد كان يتوقع منه أن يكون رائد المسلمين والعرب في الاقتراب من الديمقراطية رأينا كم هم بعيدون عن الديمقراطية مع قربهم من فرنسا واطلاعهم على الثقافة الفرنسية فإن ذلك لم يساعدهم قلامة ظفر في احترام الديمقراطية والتزام سبلها ودعمها وترسيخها ماذا هذا الكلام الطويل الممل المزعج الذي يدعو إلى الاكتئاب الطويل الشاق لماذا أسوقه؟
إنني أسوق هذا لأذكر كيف كنت أجيب عن السؤال المحير الموجه الى اللاعنفي اللاإكراهي فكيف تجد لنا مخرجا بإسلوب اللاعنفي اللاإكراهي من المأزق هذا هو الجزائر كيف اختطفت من الذين نجحوا نتائج الانتخابات بالدبابة والمدفع وبالجيش والقوات المسلحة فماذا كنت تريد أن يفعل الجزائريون الذين كسبوا الانتخابات سلميا جهارا نهارا ثم استلب منهم جهارا ونهارا بالقوة فما هذه الدعوة اللاعنفية القميئة الممجوجة التي تدعو إليها كأن لسان حالهم يردد:
السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب
قول آخر:
حتى رجعت وأقلامي قوائل لي المجد للسيف ليس المجد للقلم
كنت أقول لهؤلاء الشباب والشيوخ الذين يحتجون علي بالثقافة الشعرية والأحداث التاريخية التي تقول:
محى السيف أسطار البلاغة وانتحى عليك ليوث الغاب فانظر ما أنت صانع
كنت أقول مهلاً يا إخواني الكرام إن الله لم يتركنا بدون قائمين بالحجة في التاريخ إن المرجع الذي أمرنا الله أن نرجع إليه يحتوي على سنن الله وقوانينه التي لن تجد لها تبديلا ولن تجد لها تحويلا، كنت أقول لهم نعم أنكم تحتجون علي بالجزائر وأحداثها وانتخاباتها في صناديق زجاجية شفافة ولكنكم تنسون حدثاً آخر هناك في المشرق في إيران هناك أيضاً حدث علينا أن نحسن قراءتها وتأويلها أيضاً علينا أن نتعلم تأويل الأحاديث علينا أن نتعلم قراءة الأحداث هناك حدث جديد كل الجدة لاعهد لنا بمثله في التاريخ شيء جديد كل الجدة حدث تاريخي واقعي حي (وكأي من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون) إنني كنت أتأمل أحداث إيران من وقت كان الخميني في فرنسا الى يومنا هذا وهو يوم مهم جداً في آخر الألفية الماضية بل أول الألفية القادمة، إن الانتخابات التي ستجري في إيران جديرة بالتأمل ورؤية تسلسلها وكيف خلقت الديمقراطية الإيرانية، كنت أقول للذين يعترضون على دعوتي اللاعنفي أقول إن إيران لم تأخذ أو لم تصل الى الحكم بالانتخابات في صناديق زجاجية ولكنها وصلت الى الحكم وطردت أعظم قوة يعتمد عليها أمريكا وهو شاه إيران والسافاك وبدون عنف نعم وبدون عنف وخرج الشاه من غير أن يطلق عليه رصاصة واحدة، إن حدث إيران وما أدراك ما حدث إيران انه حدث جديد في تاريخ البشرية ولكن حدث الحدث باسم الإسلام وبدون عنف وباللاعنف وعلى كل يمكن مناقشة هذا وأنا مستعد للنقاش فيه الى أدق التفاصيل.
ولكن الشيء المهم والبالغ الأهمية أن هذا النبأ العظيم جدير بالدراسة والتحليل والتفكيك والتركيب إن اللاعنف الذي كان فيه ولد الديمقراطية في العالم الإسلامي لأول مرة وهذا تغير عميق وجذري في البنى الفكرية للعالم الإسلامي جميعاً لمن يستطيع أن بتأملها في صيرورتها وتمكنها وتجاوزها الأزمات إن هذا الرجل الخميني اهتدى الى القوة التي تحملها الشعوب القوة التي تحملها النساء انه جدد الفكرة الأولى دعوة محمد(ص) في مكة حين كان هناك يعذب آل ياسر وحيث قتلت سمية تحت التعذيب إن قوة سمية لم تكن في عضلاتها وانما كان في دماغها في الروح التي نفخها الله في الإنسان بهذه الروح كانت سمية تتحدى قريشاً وزعماءها إن الشعب الإيراني واجه القوة العسكرية والمخابرات بقوة الإيمان لأول مرة في التاريخ يتواجه قوة الإيمان الأعزل قوة الكلمة وقوة الفكرة مع قوة السلاح فيتغلب قوة الفكرة على قوة السلاح إنني لسعيد بهذا الحدث لأنه جاء كفلق الصبح فرأيت في الواقع ما كنت رأيته في التصور للفكرة النبوية التي عشت من أجلها وسأعيش من أجلها وإن كنت لم أصل بالوضوح والبيان الى توضيح الفكرة وأنا أتوجه الى الشعب الإيراني وهو مقدم على الإنتخابات القادمة وأريد أن أقول لهم إن الحرية في الاختيار أهم من أن تختار الصحيح إذا بقيت لديكم القبول بإرادة الشعب فهذا أهم من انتصار المحافظين أو الإصلاحيين المهم أن لايحكم حذاء العسكر وأنتم انتصرتم على قوة العسكر بصدوركم المفتوحة فلن يخشى عليكم بإذن الله .