«قراءتان للقرآن»: الفرق بين المراجعتين

من Jawdat Said

اذهب إلى: تصفح, ابحث
سطر ١: سطر ١:
 +
{{مقالات ذات صلة}}
 +
 
==جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))==
 
==جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))==
  

مراجعة ٠٧:٠١، ٩ مارس ٢٠٠٩

مقالات ذات صلة
......................
انقر هنا لتحميل المقالات (Doc)


جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))

زارني مرة إنسان طيب مؤمن فلما تناول الطعام قال: سبحان الذي قسم الأرزاق. فقلت له: أظن أننا نفهم خطأً قسمة الأرزاق. فقال: ألم يقل رسول الله (ص) أنه إذا اجتمع ابن آدم في رحم أمه يكون علقة أربعين يوما ومضغة أربعين وبعد ذلك يأمر الله فينفخ الروح، وتكتب أربع كلمات، رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد؟ قلت له: جزاك الله خيرا، أنت تذكر حديث رسول الله (ص) جيدا ولكن أريد أن أسألك، هل هذا الملَك الذي يأمره الله بكتابة رزق الجنين يذهب إلى نساء المسلمين فقط، أم يذهب إلى نساء غير المسلمين؟ فوجئ الرجل بالسؤال، وبعد تفكير قصير، قال: ينبغي أن يذهب هناك أيضا ويكتب. فقلت له: لماذا إذا يذهب هذا الملك إلى اليابانيين أو الألمان، ويكتب لهم رزقا موسعا وأجلا طويلا وأن يعيشوا بأمن من غير رعب، حسب الإحصاءات العالمية، وإذا جاء هذا الملك إلى أرواح المسلمين، يكتب أرزاقهم مقترة وأعمارهم مبتورة وأن يعيشوا في رعب من غير أمن. يا أخي الكريم! هذا قانون الله، وعلينا أن نتذكر قانونه وسنته التي لا تتغير ولا تتبدل. والرسول (ص) يقول في حديث قدسي طويل: "يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها من وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه". كان الناس يهلكون بالأمراض ويعيشون معلولين، وكان الوباء يأتي ويحصد الناس، لأنهم كانوا يجهلون أسباب هذه العلل. بل كان ينقل إليك المرض من يحبك وهو يقبّلك من غير أن يشعر، ويبكي عليك حين تموت أيضا. ولكن لما علم الناس أسباب الأمراض وكشفوا الجراثيم التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، كشفوا سننها واستطاعوا أن يقضوا على كثير منها، بل أعطوا الإنسان مناعة، بحيث إذا جاء الوباء الآن لا يتأثر الناس. من هنا نفهم أن البشر إذا تغير ما بأنفسهم يتغير ما بهم من النعم والنقم. بالعلم يتمتعون بنعم الله، وبالجهل يشقون.

ونقرأ قوله تعالى: "قل الله مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير". في هذه الآية لا يُذكر إلا عمل الله وفعل الله، وأنه هو وحده الذي يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ولكن في العالم الذي نعيش توجد مجتمعات تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء. وهناك مجتمعات لا قدرة لها على فعل شيء.

علينا أن نرتفع لفهم كتاب الله. علينا أن نكشف أنه من عند الله، وأنه نور وأنه يهدي لصلاح المعاش والمعاد. وأنا أريد أن ألقي شعاعا –مهما كان باهتا- على جانب من كتاب الله. فنحن يمكن أن نقرأ الكتاب الكريم على وجهين. مرة على أن أحداث التاريخ فاعلها الله ومرة أخرى على أن فاعلها الإنسان. لقد شغلني هذا الموضوع حقبة من الدهر حتى شعرت بضرورة بحثه، فألفت كتاب بعنوان "حتى يغيروا ما بأنفسهم". وآية "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" يمكن أن نعتبرها آية مفتاحية لفهم كتاب الله تعالى. وهي وردت مرتين في القرآن. مرة في سورة الرعد، ومرة في سورة الأنفال. وهناك آية تكرر نفس المعنى: "ذلك أن الله لم يكن مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". أشعر أنه علينا أن نعيد القول ونكرره، فقد اختلط الموضوع، وسُلب من الناس إمكانية التفكير في أبعاد هاتين الآيتين. في كل آية تغييران، ولكل تغيير فاعلان، ومفعولان. فاعل التغييرين الأولين هو الله تعالى، وفاعل التغييرين الأخيرين هم البشر. ولكن المفعولين للتغييرين الأوليين جاءا مرة بكلمة "ما بقوم" ومرة بكلمة "نعمة". وكلمة "ما" أعم لأنها تشمل النعم والنقم، وهي لا نهائية في تعدادها. ومفعول التغييرين الأخيرين يتعلق بما بالأنفس، وهذا وظيفة البشر، لأن الله لا يغير نعمة ونقمة حتى يغير الأقوام ما بأنفسهم.