فيزياء ورياضيات واقتصاد
من Jawdat Said
جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))
هدفي من هذا العنوان أن تكون دراسة الدين مثل دراسة الفيزياء والرياضيات والاقتصاد وهذا الفصل بين علوم الطبيعة والعلوم الإنسانية فصل متعسف وظن الناس أن العلوم الإنسانية ليست علوماً دقيقة أو ليس مثل العلوم الطبيعية علينا أن نتذكر كيف كان الكيمياء شبيها بالسحر والشعوذة وما كان يقال عن تحويل المعادن العادية إلى معادن نفيسة من الخرافات ثم كيف تحول هذا إلى علم دقيق والقرآن حين يتحدث عن السنن يتحدث عن العلوم الإنسانية والاجتماعية والتاريخ وليس عن الطبيعة حين يقول (سنة الله في الذين خلو من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا) فإذا كان العلم يقول الآن سنة ضوئية فإن هذه العبارة دمجت الزمان بالمكان فصارت العبارة الواحدة تدل على الاثنين معاً وبشكل متداخل وأنا لما أقول الدين وعلم المجتمع فيزياء ورياضيات واقتصاد أعني ما أقول فإذا كانوا يقولون قانون أنشتاين الطاقة= الكتلة ضرب مربع السرعة فهذا فيزياء ورياضيات في آن واحد ونحن حين ننظر إلى الآية التي ضمنها رسول الله (ص) الكتاب الذي راسل به زعماء العالم المعاصر له من قوله تعالى (تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون ) فإن كلمة السواء هي علامة المعادلة في الرياضيات في أية عملية رياضية مثل كلمة يساوي التي يرمز لها بـ (=) ففي هذه المعادلة في هذه الآية لدعوة العالم لقبول هذه المعادلة أي نحن وأنتم العلاقة بيننا التسوية المساواة تساوي الطرفين في المعادلة بين الأفراد والجماعات ولا ننقض هذه المساواة بل نلتزمها حتى من طرف واحد أي أننا نعطيكم من الحق مثل الذي نعطيه لأنفسنا ولا ننقض هذا الميثاق والقانون وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ما هو محرم محرم على الأطراف جميعاً وما هو حق حق للجميع هذه هي كلمة السواء وشرحها القرآن بثلاث جمل:
- أن لا نعبد إلا الله
- و أن لا نشرك به شيئا
- و أن لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا.
معنى هذه الجمل كلها أن لا يكون هناك أصحاب امتيازات و استثناءات أن لا يكون أحد فوق المعادلة المساواة لأن العلاقة علاقة المساواة علاقة بين طرفين فإن أعطي لأحد الأطراف ما لم يعط للأخر فهذا فساد المعادلة و هو الظلم و هو الشرك و هو عبادة غير الله و هو أن يتخذ بعضنا بعضا أربابا، مثلاً مثل حق الفيتو لبعض الناس فإذا كان لكل الناس فسد المجتمع و بطل القانون و بطلت كلمة السواء و حلت شريعة الغاب فلهذا الأنبياء وضعوا القانون و التزموه من طرف واحد، و هذا يجعل المعادلة من نوع معين الالتزام من طرف واحد و الآخر حر إن أراد أن ينطح الجدار فليفعل و نحن نضع القانون و نلتزم به فكلمة السواء هي كلمة التقوى وكلمة لا إله إلا الله و في الحديث (أفضل كلمة قلتها أنا و النبيون من قبلي) و لهذا يقول الله ( ألزمهم كلمة التقوى و كانوا أحق بها و أهلها) و يقال من سواك بنفسه فما ظلمك فمن وضع قانون المساواة و التزم بها و أعطاك من الحق مثلما يعطي لنفسه فقد التزم كلمة المساواة و العدل و المعادلة.
فإذا كان القانون المادي هو المساواة بين الطاقة و بين الكتلة مضروباً بمربع السرعة في كل ما خلق الله من عناصر الوجود فإن القانون الاجتماعي هو التوحيد أو عبادة الله و اجتناب الطاغوت و الخروج من عبادة العباد. لأن الخلل الذي يحدث في هذه المعادلة أن لا يقبل بعض الأطراف كلمة السواء أو التوحيد أو أن يتخذ بعضهم بعضا أربابا و هنا لم يقل أن يتخذ بعضهم بعضا عبيداً لأن الذين يرفضون كلمة السواء هم المستكبرون في الأرض و هم قلة دائماً و هم لا يمكنهم أن يكونوا أربابا إن لم يقبل الأكثرية هذه الربوبية.
و الأنبياء جاءوا ليطبقوا هذه المعادلة و يلتزموا بها و من طرف واحد و إذا كان العالم لم يتفهم هذا جيدا و لهذا يقبلون أن يعبدوا بشراً مثلهم و يكسروا المعادلة فيكونوا هم أيضا نقضوا المعادلة أي الطرفان نقضوا المعادلة الذين جعلوا أنفسهم أرباباً و الذين قبلوا هذا كلاهما نقضا المعادلة و كلمة السواء فلم يلتزم أحد الأطراف بالمعادلة فقبل الجميع عدم المساواة الذي فوق و الذي تحت و لكن الأنبياء التزموا المساواة من طرف واحد و المساواة في الخير و ليس في الشر.
فإذا رفضت أنت فلن أرفض البقاء في قانون المساواة و لن أخطئ في التزام المعادلة في أن أبيح لنفسي بالخطأ إن أنت أخطأت و خرجت عن المساواة و حاولت أن تفرض امتيازاتك و ربوبيتك فلن أقبل هذه الامتيازات لا لك و لا لنفسي و لن أقبل الربوبية فسأظل عبدا لله الذي من أسمائه الحسنى العدل، لهذا توحيد الله هو العدل بين الناس و لن يمكن أن يعدل بين الناس من يرفض أن يكون مساويا للآخرين من البشر فكل الذين يرفضون المعادلة، كلمة السواء ، هم ملة واحدة سواء كانوا أربابا أو عبيدا للعباد فهم يتبادلون الربوبية فهذا هو ملة الأقوام المعارضين للأنبياء الذين لا يعطون للآخرين مثل الحق الذي يعطونه لأنفسهم ، لهذا العالم كله إلى الآن لم يقبلوا المعادلة الاجتماعية أو التوحيد الكل قبلوا الشرك و عبادة و طاعة العباد في معصية الله لهذا لا يوجد في العالم من ينكر حق الفيتو و إنما يوجد من يتمنى أن يصير له هذا الحق لا بد من أن يظهر ما دعى إليه الأنبياء و أمر الله به الناس لأن رفض كلمة السواء رفض للعدل و قبول للظلم ، و الظلم هو سبب فساد الناس و المجتمعات.
و التاريخ ربما لم يترسخ فيه العدل و السواء و ربما يدعوا التاريخ الماضي إلى اليأس من المستقبل و لكن هذا اليأس يحصل من الذين لا يعرفون التاريخ الماضي جيداً و كيف حصل تقدم البشرية خلال التاريخ كيف كان الناس يأكلون لحوم البشر و كيف كانوا يقربون القرابين البشرية حتى برضى القربان. و لكن الناس تجاوزوا هذا بشكله الفظ أو شكله الفج و إن كانوا لا يزالون يمارسون هذا استمراراً للتقليد القديم حيث لم يعد يجدي تقديم القرابين لحل المشكلات الاجتماعية.
و أحياناً أضرب مثلا لأقرب للناس إمكانية رؤية التاريخ بامتداده لأننا بقدر ما نعرف التاريخ السابق يساعدنا على معرفة التاريخ اللاحق و المثل الذي أريد أن أضربه هو تاريخ الإنسان الفرد في أول نشوئه و طفولته، إنه يظل عاجزا عن أن ينظف نفسه سنتين و أكثر و لكن الانسان الذي يكون في هذا العجز في مطلع حياته فإن بضع سنوات في مقتبل عمره يكون فيه عاجزاً ليس معناه أنه سيبقى في مستقبل أيامه كذلك بل سيبلغ رشده و يأمر بالعدل و يقبل كلمة السواء. إن البشرية لا تزال في مرحلة الطفولة لم تبلغ الرشد و لكنها تتقدم إليه بخطىً حثيثة إن من لا يدرك حالة البشر خلال التاريخ يحل التشاؤم و اليأس في تصوره للمستقبل.
و اليأس قرين الكفر و قرين إخفاء دلالة التاريخ و عدم قدرة على ملاحظة النمو الذي يحدث في التاريخ فإنك لو جلست تراقب نمو شجرة أو نمو نبات قد يكون متعباً و مضنياً إمكانية رؤية النمو الذي يحدث ببطء من غير إمكان ملاحظة ذلك و لكن النمو مستمر و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون.
لا بد من المعرفة التاريخية و لا بد من معرفة كيف بدأ الخلق لنتمكن من معرفة مصير الخلق . لهذا فإن فهم الدين على أنه في فيزياء و رياضيات و اقتصاد فإن ما جاء به الأنبياء قانون مثل أي قانون في الوجود بل أوضح، فكما الفيزياء و الكيمياء لها قوانينها الثابتة و الراسخة كذلك المجتمع له قانونه الثابت الراسخ سنة الله و لن تجد لسنة الله تبديلا و لن تجد لسنة الله تحويلا.
فهو قانون و رياضيات و اقتصاد أي أن التزام هذه المعادلة هو الذي يأتي بأفضل العواقب و أكثرها و أعلاها من غير خسارة أحد و إنما يربح الجميع و بزمن قياسي و هذا ما قام به خاتم النبيين من الاعتراف بالقانون و الالتزام به من طرف واحد و انتصار بزمن قياسي و بدون خسارة من الطرف الآخر بل استقبله فتيات المدينة بطلع البدر علينا و هو لم يخرم كلمة السواء و التزم بها من طرف واحد و أطلع على العالم مجتمع العدل و السواء و لو لمدة وجيزة. إلا أن إصرار المسلمين على العودة إلى النموذج الأول يبشر بالخير و الخروج من الإجماع الذي دخلوا إليه بعد أن فقدوا الرشد و سنستعيد الرشد، إنهم يرونه بعيداً و نراه قريباً.