فإن يكفر بها هؤلاء
من Jawdat Said
جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))
فقد وكلنا بها قوماًليسوا بها بكافرين
أذكر التاريخ كثيراً لأن التاريخ مرجع القرآن ولأن التاريخ هو آيات الله في الآفاق والأنفس وآيات الله في الآفاق هو تاريخ الخلق الكوني وآيات الله في الأنفس وتاريخ الإنسان والله يري الناس آياته في الآفاق في الكون وآياته في الأنفس في تاريخ الإنسان وآيات الله في الكتاب تقول لنا سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق لأن معرفة كيف بدأ الخلق في الأرض فإذا سار الإنسان في الأرض ونظر سيرى كيف بدأ الخلق من الذرة إلى المجرة ومن ما قبل خلق الكون إلى الإنفجار الأعظم الذي انتشر منه الكون وإن السبب في انقطاع النبوات لأن الله أرشد إلى آيات الآفاق والأنفس وسننها التي لا تجد لها تبديلا ولا تجد لها تحويلا وكل مرة يري الخلق من آياته مالم يكن يرونه وحين نقول من أن الكون بحسب القرآن ليس خلق وانتها وإنما لا يزال يخلق ويخلق مالا تعلمون ويزيد في الخلق ما يشاء ويعلم في الإنسان مالم يكن يعلمه أحد من خلقه في أنه سيخرج الإنسان من الفساد في الأرض وسفك الدماء وأن آيات ذلك بدأت ملامحه تظهر ويمكن أن يدركه من يصير له أدنى إلمام بكيف بدأ الخلق وكيف نمى ونموه إلى الأحسن لأن القانون الذي يحكم الوجود الإنساني أن الزبد يذهب جفاء ويمكث في الأرض ما ينفع الناس ومعرفة كيف بدأ الخلق ونما إلى ما نما إليه يرشد الإنسان إلى ما يمكن أن يصير إليه في المستقبل.
وفعلاً لما صار الإنسان يعلم الماضي من تاريخ الأرض وكيف كانت الأرض يوماً ما ليس فيها حياة ثم كيف تولدت الحياة ثم كيف صارت الحياة إلى الإنسان وكيف أن الإنسان الذي كان عرياناً ولا ينتج غذاءه كيف صار الإنسان الآن الذي هو الخلق الآخر بدأ يخرج من الفساد وسفك الدماء ولو في بقع من الأرض لأن الناس جميعاً يوماً ما لم يكونوا يعرفون الزراعة فتعلم البعض الزراعة وانتشرت وإن كان لا يزال بعض الناس في بعض بقاع الأرض بعد هذا الإنفجار المعرفي للإنسان في معرفة سنن آيات الآفاق وتسخيرها وسنن الحياة الجسدي وتحسينها ودخول الإنسان إلى علم عالم الانفس فبدأ يبحث كيف يتعلم صناعة صحة عالم الأنفس كما تقدم في علم صحة عالم الأجساد ومن هنا كان تفكير الإنسان في علم المستقل والله تعالى قال لنا أنه سيخلق مالا نعلم بعد أن ذكر الخيل والبغال لتركبوها وزينة ويخلق مالا تعلمون فقد رأينا نحن الذين نعيش في هذا العصر مالم يكن ليخطر على بال إنسان من وسائل النقل والآن كما كان لم يغلق باب الخلق ونحن بالنسبة لمن يأتي بعدنا كالذين سبقونا بالنسبة إلينا.
والله تعالى لما خلق مالا نعلم من سننه في الكون صنع الإنسان هذه الوسائل في النقل بما أعطي من عقل بالنظر إللى العواقب والذين اهتدوا إلى هذا الإستثمار هم الذين تحرروا من عبادة الماضي المغلق إلى الدخول إلى العالم المفتوح المستمر في الخلق والإبداع فإن خليفة الله في الأرض يقوم بما أعطي من رأس مال العقل والقدرة على العلم وكشف سنن الكون وتسخيرها إلى الأنفع والأفضل وإن هذا الإنسان الذي كشف هذه السنن وسخرها في وسائل النقل هذه لم يتوقفوا ولا يزالون يبحثون ليس في آيات الآفاق فقط وإنما في آيات الأنفس فإنهم لم يبتكروا أساليب للتنقل جديدة في البر والبحر والجو في آيات الآفاق فقط بل ابتكروا أساليب ووسائل جديدة في إنتقال السلطة غير القتل والحرب وإبادة الآخر وهذا الابتكار أكبر وأعظم من ابتكارات آيات الآفاق ولكن ابتكار آيات الآفاق أيضاً ساعدت على زيادة معرفة الإنسان وسرعة الحصول على المعرفة والمعلومات ببتكار الورق والطباعة والآن عصر المعلومات والإنسان يخرج من بطن أمه لا يعلم شيئاً وإنما يصير الإنسان إنساناً بما يتعلمه من المجتمع وما يقدم المجتمع إليه وقيمة الإنسان على قدر علمه سعةً وعمقاً والله يداول الأيام بين الناس في نمو هذا الكون ونمو الإنسان المعرفي كان يتم هذا التداول تلقائياً بزيادة العلم والمهارات في إنتاج الغذاء والأدوات بزيادة المعرفة بالسنن فالأمم كانت تهلك ليس هلاكاً جسدياً وإنما هلاكاً معرفياً فالفراعنة انقرضوا ليس أشخاصاً وأجساداً وإنما تصوراً للحياة ومعرفة للعلاقات الإنسانية وحضارات كثيرة بادت بقيت آثارها وهم لم يبيدوا أجساداً وأشخاصاً وإنما تحولوا إلى إدراك جديد للعالم والقرآن حين يكثر من ذكر الفراعنة ونوع العلاقات التي كان يحكمهم لأن آثارهم بادية للعيان بارزة وظاهرة أوتاداً غرست في الأرض شامخة أهرامات ومعابد كم تركوا من جنات وعيون وأورثناها قوماً آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم.
ولكن أسلوب التداول للحضارات تغيرت بظهور النبوات وخاصةً من عهد إبراهيم أبي الأنبياء فالحضارات كانت تموت وخاصة بأقوام معينين ولكن الحضارة والنمو المعرفي بلغت درجة عالية تجاوزت الفناء وإنما انخرط الناس في مسيرة واحدة وختمت النبوات حين صارت النبوة عالمية وللناس كافة إن الناس بدأوا يلتمسون نور الله الذي جاء به الأنبياء نور التوحيد فإن الأنبياء جاؤوا ليتنافس الناس في فعل الخيرات (واستبقوا الخيرات ) ويسارعون في تعميمها والناس يتقدمون إلى ذلك بتسارع في هذا العصر إن الجيل الواحد قد يراه بطيئاً ولكن الذي يعرف التاريخ يؤمن بالمسارعة والتسابق هناك أحداث عجيبة لها دلالات عميقة إن الوحدة الأوربية تقدم نموذجاً فريداً في تاريخ الإنسان صحيح أنهم استعمروا العالم ونهبوا ثرواتها ولكنهم يقدمون مثلاً جديداً فريداً للعالم في الوحدة والتوحيد فإذا كفرنا نحن بالوحدة والتوحيد فإنهم يقدمون نموذجاً عملياً للوحدة والتوحيد إنهم يتحدون على كلمةٍ سواء إنهم هم الذين يقدمون نموذجاً جديداً إنهم لا يفتحون جيرانهم بالعسكر والقوات إن تركيا العلمانية التي اقتبست القومية من الغرب تتنازل عن عنجهيتها القومية وتكيف نفسها لتقبل عضواً مساوياً كما أن المغرب كذلك تهيء نفسها إن هذا الفتح هو الفتح المبين ليس بالقوة والإكراه وإنما بالطوع والتسليم إن تطور التاريخ أحدث وأوجد هذا النوع الجديد من التوحيد للبشر من غير إكراه إنه نوع من الرشد ونموذج يجب على العرب والمسلمين أن يعرفوا كيف تحقق هذا وأنا أقول إن هذا يتحقق إذا خرج من قلوبنا روح الهيمنة وقبلنا روح المساواة وقبلنا التعاون على البر والتقوى وإذا صرنا نثق ببعضنا وإذا خرج من قلبنا جذور العدوان أو الأمل الكاذب بتوحيد العرب بالقوة هذا الذي فقد رصيده عالمياً ومحلياً إلى الآن لا يزال في قلوبنا الحنين إلى البطل الذي سيوحد العرب إن البطل لن يوحد العرب بل هو الذي يبعد أمل الوحدة إن الحنين إلى القوة البطولية هي التي عجز العقل العربي من أن يتخلص منها فلهذا الكل ساكتون متى سينكسر هذا الصمت لقد فات أوان حل المشكلات بالعسكر وهذا صار واقعاً ولكن إلى الآن لا نجرؤ على الإعتراف به صراحةً فهذا العجز عن الإعتراف بالواقع هو الذي يعقد مشكلاتنا بحيث أنها غير قابلة على طرحها وبحثها علناً فلهذا أوكل الله تحقيق ذلك إلى قومٍ غيرنا يستطيعون أن يتكيفوا مع تغيرات الحياة .