عندما تتعطل المدافع

من Jawdat Said

اذهب إلى: تصفح, ابحث

جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))

في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي كنا أطفالا نستمع لأحاديث الكبار وأتذكر أنني سمعت من عمي وهو كان طالب علم شرعي يوما ما وإن لم يتابع كان يقول في آخر الزمان تتعطل الأسلحة النارية و تعود الأمور كما كانت من قبل حين كانوا يقاتلون بالسيوف و الرماح هناك أو عند ذلك سينتصر المسلمون على أعدائهم من أين جاء هذا التصور للعالم وكيف يفسر هذا التصور الساذج ومتى وأين كانت ولادة هذا التصور، كان ذلك في آخر الثلاثينيات من القرن الماضي حين كان الفرنسيون يستعمرون في ذلك الزمان جغرافية سوريا الحالية .

لفهم هذا التصور لابد من التمييز الذي ألح عليه كثيرا بين الخارق و السنني وأن الخارق كان في زمن قبل أن يصير للعلم السنني تصور واضح وهذا أمر ضروري كما يقول محمد إقبال .

الإسلام وإن كان نشأ في عصر ما قبل العلم إلا أن الإسلام بشر بعصر العلم وأنا أفهم هذا الموضوع على أساس الخارق والسنني وهذا واضح في القرآن وينبغي أن نلح عليه ونبحثه ونستوضحه إن العصر كان عصر خوارق عصر معجزات وكان الأنبياء يأتون بالخوارق والمعجزات فيؤمن الناس على أساس الخوارق والقرشيون الذين عارضوا الرسول (ص) ذهبوا الى أهل الكتاب وطلبوا منهما إستيضاحات في هذا الموضوع فذكروا لهم معجزات عيسى وموسى فجاءوا بذلك وطلبوا من الرسول (ص) معجزة خارقة مثل إزالة الجبال وتفجير الأنهار في الحجاز أو يكون معه حرس من الملائكة و نحو هذا سجل القرآن هذا الطلب بوضوح لما قال : "فليأتنا بآية كما أرسل الأولون " " وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون" وكان يخطر في بالي في أول طلبي للعلم في الأزهر حين أقرأ قصة موسى وفرعون وقصة عصى موسى التي وردت في القرآن بالتفصيل مثل سؤال الله لموسى في جبل الطور ما تلك بيمينك وتدريب موسى على التعامل مع الخارق الذي حتى موسى كان يرتعب ، قصة عجيبة، خوارق.

كان يخطر في بالي أني لو كنت أحمل مثل هذه العصا كنت أنا أيضا أذهب الى فرعون و ملئه ولكن كان يخطر بعد ذلك في بالي فأقول لنفسي ولكن محمد (ص) لم يأتي بمثل هذه الخوارق وإنما جاء بالكتاب وهذه هي معجزته وهذا الكتاب معي أنا أيضا مثل ما كان مع محمد (ص) ولم يذهب بذهابه كما ذهبت عصى والميت الذي أحياه عيسى إن هذا القرآن لا تنقص عجائبه وهو حجة علمية سننية وهو انتقال من الخوارق الى السننية وانتقال من الخارقية للأنبياء السابقين الى آيات الآفاق والأنفس فهذا الكتاب قابل للفهم والدرس والاستشهاد على صدق ما فيه بآيات الآفاق التي نسمى في عصرنا تكنولوجيا وهو تسخير المادة بسننها والتقنية من الإتقان في صنع الشيء وإن الله يحب من العبد إذا عمل عملا أن يتقنه هذا في آيات الأفاق أما آيات الأنفس فهي سنة الأنفس البشرية وقوانينها التي تحكمها ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من ذكاها وقد خاب من دساها والإنسان من سنن المادة حول وظيفة الخيل والبغال إلى وظيفة السيارات والطائرات وقابل أن يخلق ما لم لا نعلم نحن وكما كشف الناس الآن ما لم يكن ليعلمه الذين من قبلنا كذلك سيكشف الذين من بعدنا ما لا يمكن أن نعلمه نحن الآن هذا في آيات الأفاق أم آيات الأنفس فتأتي متأخرة أكثر لأن قوانينها ذو اتجاهين وليس اتجاهاً واحداً كما في قوانين الأفاق المادة الذرة والمجرة "لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار فهذا هو الاتجاه الواحد ولكن آيات الأنفس ذو اتجاهين ألهمها فجورها وتقواها أي قابلية واستعداد لذا وهذا ولكن تحويله إلى الفجور والتقوى من وظيفة البشر ومقال سابق كتبته عن موضوع قراءة القران على وجهين قراءة إلهية وقراءة بشرية يحسن أن تعود إليها لأنني أضع قواعد وقوانين وسنن يمكن التدريب عليها ويكون الإنسان بذلك حل مشكلات كثيرة ودخل إلى عالم آخر ويخرج من عالم الخوارق إلى عالم العلم والسنن والقوانين الذي على أساسه يتسخر الكون والمجتمع للإنسان الذي نفخ الله فيه من روحه القدرة على كشف السنن وتسخير السنن الأفاقية والأنفسية وهذا عالم جديد عالم أهداف وغايات ولها وسائل وسنن وقوانين فكما كان علما المسلمين حين يذكرون القواعد والقوانين أو السنن كانوا يقولون التزم هذا فإنه ينقذك عند الشبهات وعند ما يدلهم الظلام وتلتبس الأمور ويحتار الذي يفقد النور نور ثبات السنن سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا هذا نسخ للخوارق ودخول الى عالم الأسباب والمسببات وعالم الأحداث وارتباطها بعواقبها لأن السنن تأتي فإذا أخطأنا نحن وجهلنا فأن السنن لا تخطئ في إحداث العواقب فإذا توفرت الشروط جاءت العواقب طبقاً لقوانينها ولما أقول إنتقال القرآن من التصور الخوارقي إلى التصور السنني نجد مثلاً في القرن الخامس الهجري أبو حامد الغزال يحس بهذا الانتقال فيذكر في كتابه المنقذ من الضلال أن العلم لا ينسخ بالخوارق فلو أن إنسان قال أن الواحد أكثر من الثلاثة ودليلي على ذلك أنني سأقلب هذه العصا حية فلو فعل ذلك لما تغير يقيني بأن الواحد أقل من الثلاثة ولكن سأتعجب كيف قلب العصا حية فهذا الفهم خروج من الخوارق وخروج من انفصال الأسباب عن العواقب فالدليل ينبغي أن يكون ضمن الدعوى لا خارجه النبي حين يقول أنا جئت بنظام للمجتمع إذا تمسك به يسعد في الدنيا والآخرة فيكون دليل النبي الحق أن يأتي المجتمع السعيد بتطبيق القواعد التي أتى بها والوصايا التي نقلها عن الله لا أن يقلب العصا حية فآيات الآفاق والأنفس وعواقب التاريخ غير من مفهوم الناس عن الله والكون والإنسان ومن غير أن نفهم هذا لن نخرج من التيه ولن ندخل العصر الحديث على علم وبصيرة إلا إذا تحول الناس إلى عالمين ومبصرين "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني" وحين أكتب في هذه المواضيع لأغير ما بأنفس الناس لأنه لن يحدث تغيير إلا إذا غيرنا نحن ما بأنفسنا من الإيمان بالخوارق وجهل قوانين الله وسننه التي لا تتغير ولا تتبدل ولا تتحول حين أكتب في هذا الإتجاه أجد أقواماً يرتعبون من هذا الإتجاه الفكري والتصور لله والعالم والإنسان لأن ما ورثوه هو الخارق وعجز الإنسان وعدم قدرته على التسخير وعجزه عن التغير ما بالأنفس نعم بعض الناس يرتعبون ويتصورون من يريد أن يفهم آيات الله في الآفاق والأنفس خارج عن الإيمان وتعودوا أن يطلقوا عليه أنه مادي لا يؤمن بالدين وإلى جانب هؤلاء أجد آخرين يزدادون عدداً على الزمن يشعرون بالطمأنينة حيث يفهمون دينهم على أساس العلم و العقل وليس الخارق الذي يقمع العقل وعلى هؤلاء أن يجتهدوا ليوسعوا مداركهم و يكونوا على بصيرة في دينهم وليخرجوا من الخوارق و المعجزات الى التسخير والسننية والعلم بالعواقب وبالاعتبار بسنن الله في الدين خلوا من قبل وسيتم نور الله ويظهر دينه الحق على الدين كله ومن يعرف التاريخ يعرف هذا والعالم رغما عنه مسوق ليستجيبوا لسنن الله لأن عواقب مخالفة سنن الله من العذابات ترغم الناس على الإيمان بآيات الله في الآفاق والأنفس حتى يتبين لهم أنه الحق فهذا شهادة الله والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط.