على مذهب من نحن؟
من Jawdat Said
جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))
هل نحن على مذهب آدم الذي اعترف بذنبه وعلى مذهب حواء التي اعترفت بذنبها أم نحن على مذهب إبليس الذي رفض أن يسجد وتحدى الله وقال لربه: (بما أغويتني) نسب غوايته الى الله خالق كل شيء. إن الحوار الذي يجري في القرآن بين الله وبين آدم وبين إبليس وبين الملائكة إذا نظرنا إليها وفق آيات الآفاق والأنفس ستتحول إلى منارات للهداية والإرشاد والخروج من الضلالة والتيه، ما كان حديثاً يفترى، ولا ما جاء في هذا الكتاب قول كاهن ولا شاعر ولا أساطير الأولين، وإن في ذلك لعبرة وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم.
وإن الله بالغ أمره وسَيُرِ الله البشرَ آياته في الآفاق وفي أنفس البشر حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد. إن من يرى تاريخ العالم سيعلم أن هذا العالم ليس باطلاً ولا عبثاً بل إن الحق هو الذي يحكمه (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق) ومن يعلم كيف بدأ الله الخلق وكيف الخلق لا يزال مستمراً الى الآن وسيخلق في المستقبل مالا نعلم الآن كما نرى نحن مما خلق وسخر مالم يكن قبلنا أن يراه إنه يزيد في الخلق ما يشاء ويخلق ما لا تعلمون إن من يعرف كيف بدأ الخلق وكيف يستمر الخلق وكيف يتحول الى الأحسن والأفضل، وآخر مخلوقاته من الأحياء الانسان الذي خلق في أحسن تقويم سيعلم من علم ذلك أن الانسان سيخرج من الفساد وسفك الدماء ومن تهمة الملائكة للانسان ومن رد الله عليهم أنه يعلم ما لا يعلمون وأن علم الله في الانسان سيتحقق قضاء حتم (ليظهره على الدين كله) وسيرى الناس مصداق ذلك في آيات الله في الآفاق والأنفس بحيث لا يقدر أن يرفضه لا مؤمن ولا كافر وسنفهم دين الله من جديد وفق آيات الآفاق والأنفس إن آدم أبو البشر قال: ظلمنا أنفسنا.
متى سنتعلم من موقف أبينا وأمنا آدم وحواء أن نقول بعد أن نفهم أننا نحن ظلمنا أنفسنا؟ إن هذه القدرة على تغيير ما بأنفسنا هو الذي جعلنا الله خلفاء الأرض وسخر لنا ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون.
إن الله قال لنا: (من عند أنفسكم) يعيد الأمر إلينا، وإن آدم وزوجه قالا (ربنا ظلمنا أنفسنا) وإن الرسول(ص) قال: من وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. إنه لوم موجه الى الذي لم يجد الخير في هذا العالم الى الضحية لأن الله خلقك لنفسه ولن يستطيع أحد أن يخرجك من مملكة الخير إلا إذا أنت خرجت بإرادتك، والشيطان هو الذي خرج من أمر الله واعترض ولم يعترف كما أعترف آدم وزوجه بل على العكس تماماً برأ الشيطان نفسه ونسب غوايته الى ربه وأنه لم ير من اللائق به الذي هو من النار إنه افتخر بنسبه المادي ونسبه الفكري وهما المشكلتان أمام البشر أيضاً فهم يتبعون مذهب إبليس في هذا الموضوع حيث يفتخر الناس بأعراقهم وأصولهم المادية ويفتخرون بمذاهبهم الفكرية وتفسيرهم للعالم أنه هو التفسير الصحيح دون النظر الى العواقب إنه التحدي المبين وعيسى عليه السلام في الإنجيل يواجه الذين يفتخرون بأبيهم إبراهيم والانتساب إليه يوبخهم عيسى عليه السلام ويقول لهم :إنكم لستم أولاد إبراهيم ولكن أولاد إبليس وأعمال أبيكم تعلمون.
فجميع أهل الأرض مثل إبليس يفتخرون بأنسابهم ويفتخرون بمذاهبهم وأديانهم والانتساب إليها دون أن ينظروا الى عواقب أعمالهم ويرون جميعاً أنهم أبناء الله الوحيدين وأن الآخرين ليسوا على شيء وأنه لن يدخل الجنة إلا هم وليس هناك من ينظر الى الأعمال كما قال عيسى عليه السلام: أنتم أبناء أعمالكم.
والقرآن يقول: (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجزيه ولا يجدله من دون الله ولياً ولا نصيرا) هاهو ذا القرآن إن نسبتكم الى أعمالكم السيئة، وليس الى الله ولن تجدوا ولياً ولا نصيرا.
لما كنت أقرأ دراسة في التاريخ لتوينبي رأيه يقول عن الحضارة الأوربية أنها هي وحدها من الحضارات التي لا تزال تردد أغنية نحن أبناء الله وأحباؤه لأن هذا ديدن الحضارات ويرون أنفسهم من طينة أخرى بل لا يقبلون أن يكونوا من الطين فهم من النار مثل إبليس وأن بقية الحضارات صارت متواضعة أكثر وأنها كفت عن الافتخار، لما قرأت هذا النقد من توينبي لحضارته قلت في نفسي إن توينبي لم يستطع أن يتعمق في فهم ما بأنفس الحضارات الأخرى وأنا بالذات الذي أنتسب الى مجال العالم الإسلامي أجد أننا ليس كما ظن مؤرخ الحضارات أنهم هم وحدهم الباقون على الفخر بأنفسهم الى يوم القيامة مثل إبليس بل نحن المسلمين صوتنا أعلى في إنشاد هذه الأغنية نحن أبناء الله والآخرون ليسوا على شيء ولن يدخل الجنة أحد غيرنا.
إن الذين يسيرون في الأرض وينظرون كيف بدأ الخلق - يرون العالم بشكل مختلف فالذي لا يعلم تاريخ الإنسان لا يمكن أن يكون حكمه على الإنسان سليماً ولا صحيحاً إن معرفة التاريخ تدلنا على حسب ما أفهم إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى وسيظل يفسد في الأرض مادام يظن أو يتوهم أنه ينجو من العقاب وسيظل يخوض الحرب ما دام يتخيل أنه يخرج منها منتصراً ولن يوقف طغيان الانسان وطموحه إلا حين يرى أنه لن يجد نجاة ولا ملجأً ولا مهرباً من تفادي العقاب لن يراجع نفسه إلا إذا رأى وفهم أن العذاب الأليم لا محيص عنه عند ذلك يرجع الى الله ويقل بعبوديته للحق وسوف لن يؤله نفسه ويعتبر بقية العالم من ممتلكاته عند ذلك سيعترفون جميعاً كل الحضارات التي سقطت وكل الحضارات التي طغت سيعترفون بقانون الله في البشر أن الضحية هي التي يقع عليها اللوم وليس الطاغي الباغي سواء كان فرداً أو مجموعة أو حضارة.
فكما قرر الله أن الناس كانوا أنفسهم يظلمون ولما أكد الرسول أن من وجد غير الخير فلا يلومن إلا نفسه وكما تشبث آدم بالاعتراف أنه ظلم نفسه وليس الشيطان الذي خدعه إن الشيطان نفسه حين يكون هناك يوم الدينونة ويوم الحساب هناك سيعترف أيضاً أنه لم يكن له سلطان ولا قدرة على الإغواء إلا الدعاية التي قام بها واستجاب لها الناس (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم) وأخيراً الذين يتأملون التاريخ تاريخ البشر هذا التاريخ الذي جعله الله مرجع كتابه في شهادة هذا التاريخ بالصدق لهذا الكتاب حجته أمام الخلق وهكذا يشهد مؤرخ القرن الذي مضى توينبي أن الحضارات لا تهلك بعدوان عليها وإنما تصير طعمة للحيوانات الكاسرة والطيور الجارحة حين يلفها الموت البارد ولا تموت شهيدة وإنما انتحاراً وهكذا شهادة التاريخ تقرر وتصدق وتشهد لشهادة الله وشهادة أهل العلم بالتاريخ وها نحن على عتبه تطور جديد.
الحضارات كانت تهلك إلا قوم يونس وفي عالمنا هذا لن تهلك الحضارة الغربية لأنها صارت مقتدرة على الاعتراف بنا إذا نحن لم نستجب لدعوته وهذا في إمكاننا إذا أمكننا أن نفهم أن المخرج من الأزمة أن نترك الاستجابة للحضارة الغربية في استخدام بعضنا ضد بعض وسيقول بعد ذلك ما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم لعل وعسى أن نتمكن من الفهم.