شبهة أن قول الحق من غير قوة لا أثر له

من Jawdat Said

مراجعة ١٢:٠٤، ١٨ يوليو ٢٠٠٧ بواسطة Admin (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح, ابحث

الشبهة الثالثة: شبهة أن قول الحق من غير قوة لا أثر له

قد يقول قائل: إنك إذا قلت الحق مجرداً، من غير أن تكون هناك قوة تدعمك، فإنك تُترك ولا ينتبه إليك أحد، كذلك لا يبالي بك أحد، فتظل تنعق، والناس لا يستمعون إلا لمن يلوح لهم بالقوة ويسوقهم بالعصا، فإذن لا فائدة من اتخاذ طريقة الدعوة إلى الله بالبلاغ فقط، ولا بد لك من قوة.

إذا نظرنا إلى هذا الرأي هل نجده صواباً، وهل تأتي النتائج حسب توقعاته؟ هذا هو الذي يحتاج إلى بحث:

إن عرض الحق بوضوح وجلاء كما أمر الله الرسل، من غير التماس وتلبس وتغطية، يزلزل الأركان ويهز الكيان، فإن كنت في شك من ذلك فاستمع إلى قوله تعالى، حين يتحدث عن إبراهيم عليه السلام، ويأمرنا لأن نقتدي به في بيان الحق وتحديد الموقف.

قال تعالى:

(قَد كَانَت لَكُم أُسوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذ قَالُوا لِقَومِهم إِنَّا بُرَآءُ مِنكُم وَمِمَّا تَعبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ كَفَرنَا بِكُم وَبَدَا بَينَنَا وَبَينَكُمُ العَدَاوَةُ وَ البَغضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤمِنُوا بِاللهِ وَحدَهُ …) [ الممتحنة 60/30 ].

مثل هذه المنابذة في بيان الحق من أعظم المميزات.

وإلا فإن الرسول (ص) لما وقف في قومه يدعوهم إلى الحق فماذا حدث؟ اسمع إلى قول الله سبحانه وتعالى وهو يصف هذا الموقف:

(وَأَنَّ المَسَجِدَ للهِ فَلاَ تَدعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً * وَ أَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبدُ اللهِ يَدعُوهُ كَدُوا يَكُونُونَ عَلَيهِ لِبَداً * قُل إِنَّمَا أَدعُوا رَبِي وَلاَ أُشرِكُ بِهِ أَحَداً * قُل إِني لا أَملِكُ لَكُم ضَراًّ وَلاَ رَشَداً * قُل إِني لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَن أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلتَحَداً * إِلا بَلاغاً مِن اللهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَن يَعصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) [ الجن 72/19-23 ].

وهذه الفكرة المسيطرة على كثير من المسلمين من عبادة القوة، وعدم اعتبار الحجة والبلاغ المبين أمراً هاماً، بل اعتبروا ذلك لا جدوى منه ولا غناء فيه، بل زهدوا فيه عملياً تطبيقاً لأفكارهم النظرية. إنما سيطرت عليهم نتيجة اعتيادهم على رؤية صور مشوهة للدعوة، حيث خدعتهم هذه الصور المشوهة، ودفعتهم إلى إصدار مثل هذا الحكم، مع أن هذا الحكم يحمل خطأ من جانبين:

أولاً: ظُنَّ أن بعض المداهنات ـ التي لا يبالي بها أهل الباطل ـ من الدعوة الحقيقية.

ثانياً: ظُنَّ أن الدعوة لا تزلزل المجتمع ولا تقلب الأوضاع.

فهذه نظرات خطيرة يتبعها المسلم في إدراك الحقائق.

إن هذه النظريات الشائعة عند المسلمين، الذين استذلوا ولم يعرفوا إلا القوة سائقاً للناس، فلم يعرفوا كيف يتمكن هذا المسلم من أن يتمرد على الباطل المسلح وهو فرد أعزل.

وقد أدرك هذا ورقة بن نوفل حين قال للرسول (ص) بعد أن سمع منه: « ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عُوديَ ». والرسول نفسه استغرب أن يكون مثل هذا سبباً للعداوة والإخراج، فقال متعجباً من قول ورقة:

« أومُخْرِجيَّ هم؟ ».

وانتشار مثل هذه الأفكار وهذه الشبهات في المسلمين هو الذي جعل الأستاذ المودودي يقول:

« وهؤلاء المؤذنون اليوم يؤذنون من مآذنهم خمس مرات في كل يوم وليلة، وينادون بأعلى أصواتهم: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنت ترى الناس على اختلاف أجناسهم وطبقاتهم يسمعون هذا النداء ولا تقض مضاجعهم لسماعه، وذلك أن الداعي لا يعرف إلام يدعو الناس، ولا الناس يتفطنون إلى ما تتضمنه الكلمة بين جنبيها من دعوة سامية وغاية جليلة، ولكن لو علمت الدنيا ما يشتمل عليه هذا النداء من غاية بعيدة المدى، وأن المنادي ينادي بعزم وإصرار لانقلبت الأرض غير الأرض، ولتنكرت الوجوه، وما يدريك كيف تستقبل الدنيا التي رضعت بلبان الجاهلية وترعرعت في مهدها هذا النداء، إذا عرفت أن المنادي يقول: أن لا ملك لي إلا الله، ولا حاكم إلا الله، ولا أخضع لحكومة ولا اعترف بدستور ولا أنقاد لقانون، ولا سلطان علي لمحكمة من المحاكم الدنيوية، ولا أطيع أمراً غير أمره، ولا أتقيد بشيء من العادات والتقاليد الجاهلية المتوارثة، ولا أسلم شيئاً من الامتيازات الخاصة، ولا أدين لسيادة أو قداسة، ولا أستخذي لسلطة من السلطات المستكبرة في الأرض، المتمردة على الحق، وإنما أنا مؤمن بالله، مسلم له، كافر بالطواغيت والآلهة الكاذبة من دونه، فما يدريك هل تسمع الدنيا وأهلها النداء فتسكت عليه؟ لا، لا.

والله إنها تنقلب عليك عدواً، وتتنكر وجوه أهلها لك ويعلنون الحرب عليك بمجرد سماع هذه الكلمة، سواء عليك أردت القتال أم لم ترد فإنهم يحاربونك لا محالة ويترقبون لك بالمرصاد، وما أم يسمعوا المؤذن بهذا النداء الحقيقي إلا وترى الأرض تبدلت غير الأرض وتجد الناس حولك كأنهم تحولوا عقارب وثعابين تريد أن تلدغك، أو انقلبوا وحوشاً تبتغي أن تنشب مخالبها في بدنك وتفترسك افتراساً »(1).


مقدمة مذهب ابن آدم شبهات حول مذهب ابن آدم خاتمة مذهب ابن آدم
شبهة تعطيل الجهادشبهة عدم جدوى الأخلاق مع من لا يلتزمهاشبهة أن قول الحق من غير قوة لا أثر لهشبهة عدم التمكن من قول الحق من غير قوةشبهة إماتة روح الجهاد بهذه الطريقةشبهة أن الدافع إلى هذه الطريقة هو الخوفشبهة التنصل من المسؤوليةشبهة اغتيال كعب بن الأشرفشبهة إرعاب المسلمينقولهم ذهب سدىشبهة التهور والتوريطشُبهات أخرى