«سنة عامة للبشر»: الفرق بين المراجعتين

من Jawdat Said

اذهب إلى: تصفح, ابحث
(صفحة جديدة: ===من كتاب ((حتى يغيروا ما بأنفسهم))=== سُنَّةٌ عَامةٌ للبَشرِ إن السنة الموجودة في الآية ، سنة عامة ...)
 
سطر ١: سطر ١:
 
===من كتاب ((حتى يغيروا ما بأنفسهم))===
 
===من كتاب ((حتى يغيروا ما بأنفسهم))===
  
سُنَّةٌ عَامةٌ للبَشرِ
 
 
إن السنة الموجودة في الآية ، سنة عامة تنطبق على كل البشر ، وليست خاصة بالمسلمين ولا بغيرهم وإنما هي عامة .
 
إن السنة الموجودة في الآية ، سنة عامة تنطبق على كل البشر ، وليست خاصة بالمسلمين ولا بغيرهم وإنما هي عامة .
 +
 
ولكن المسلم عادةً ، بشعور منه أو لا شعور ، وبمقدار متفاوتٍ في الوضوح ، يريد أن ينظر إلى الأمور بشيء من الخصوصية .
 
ولكن المسلم عادةً ، بشعور منه أو لا شعور ، وبمقدار متفاوتٍ في الوضوح ، يريد أن ينظر إلى الأمور بشيء من الخصوصية .
 +
 
ولقد صادفني مراراً حين كنت أحاول أن أتناول مشكلة المسلمين أن أواجهَ بقولهم : إن هذا الأسلوب الذي تحاول أن تبحث به الموضوع ينطبق على غير المسلمين أيضاً . فأقول نعم .
 
ولقد صادفني مراراً حين كنت أحاول أن أتناول مشكلة المسلمين أن أواجهَ بقولهم : إن هذا الأسلوب الذي تحاول أن تبحث به الموضوع ينطبق على غير المسلمين أيضاً . فأقول نعم .
 
وبناء على هذه الخبرة ، أشعر بحاجة لأن أوضح هنا ، أن القاعدة الموجودة في هذه الآية تشمل كل الناس ، بدليل أن كلمة (قوم) في الآية لم تأت مخصصة بقوم معينين ، وإنما هي لكل قوم ، ومجيئها نكرة في الآية يدل على ذلك .
 
وبناء على هذه الخبرة ، أشعر بحاجة لأن أوضح هنا ، أن القاعدة الموجودة في هذه الآية تشمل كل الناس ، بدليل أن كلمة (قوم) في الآية لم تأت مخصصة بقوم معينين ، وإنما هي لكل قوم ، ومجيئها نكرة في الآية يدل على ذلك .
 +
 
فمضمون هذه الآية ينطبق على كل البشر أجناساً وأدياناً ، الأبيض والأسود ، والمسلم والكافر .
 
فمضمون هذه الآية ينطبق على كل البشر أجناساً وأدياناً ، الأبيض والأسود ، والمسلم والكافر .
 
لكن حين يسأل المسلم ويقول : إن هذا الأسلوب في معالجة المشكلة يعم غير المسلمين .
 
لكن حين يسأل المسلم ويقول : إن هذا الأسلوب في معالجة المشكلة يعم غير المسلمين .
 
إن هذا السؤال ليس سؤلاً فارغاً ، بل يحمل وراءه نظراً وعقيدة وفكرة ، فكأن المسلم بهذا السؤال يبصر جانباً لم يكن يبصره من قبل ، ويبرز عنده احتمالُ لم يكن وارداً لديه سابقاً ، فيخرج بهذا من نظر الخصوصية إلى قاعدة عامة تشمل كل البشر ، ومن ضمنهم المسلمون .
 
إن هذا السؤال ليس سؤلاً فارغاً ، بل يحمل وراءه نظراً وعقيدة وفكرة ، فكأن المسلم بهذا السؤال يبصر جانباً لم يكن يبصره من قبل ، ويبرز عنده احتمالُ لم يكن وارداً لديه سابقاً ، فيخرج بهذا من نظر الخصوصية إلى قاعدة عامة تشمل كل البشر ، ومن ضمنهم المسلمون .
 +
 
ولكن المسلم لا ينظر عادة ، إلى مشكلة المسلمين بهذا المنظار الذي يجعل المشكلة الإسلامية خاضعة لسننٍ عامة تشمل البشر جميعاً . فهو يرى أنه ينبغي أن تكون مشكلة المسلمين غير خاضعة لما يخضع له سائر البشر في مشكلاتهم ، ويفعل المسلم هذا حين يفعل ، بروح من التسامي والتقديس . ذلك أنه يظن أن رفع شأن المسلمين إنما يكون بعدم خضوعهم للسنن التي يخضع لها سائر البشر .
 
ولكن المسلم لا ينظر عادة ، إلى مشكلة المسلمين بهذا المنظار الذي يجعل المشكلة الإسلامية خاضعة لسننٍ عامة تشمل البشر جميعاً . فهو يرى أنه ينبغي أن تكون مشكلة المسلمين غير خاضعة لما يخضع له سائر البشر في مشكلاتهم ، ويفعل المسلم هذا حين يفعل ، بروح من التسامي والتقديس . ذلك أنه يظن أن رفع شأن المسلمين إنما يكون بعدم خضوعهم للسنن التي يخضع لها سائر البشر .
 +
 
وينبغي أن يُوضَّحَ هذا الأمر بدقة ، وبصورة كافية ومقنعة ، ولا بد أن أتناوله ، وإن لم أبلغ به الدرجة التي أريد لها من الوضوح والبيان ، لأن وضوح هذا يكون له أثر في نظر المسلم وموقفه من المشكلة . إذ حين يرى المسلم المشكلة خاضعة لسنة عامة تنطبق على سائر البشر ، يدرك أنه يمن أن يستفيد من الوقائع التاريخية البشرية التي حدثت للأقوام قديماً وحديثاً ، والتي لا تزال تحدث الآن .
 
وينبغي أن يُوضَّحَ هذا الأمر بدقة ، وبصورة كافية ومقنعة ، ولا بد أن أتناوله ، وإن لم أبلغ به الدرجة التي أريد لها من الوضوح والبيان ، لأن وضوح هذا يكون له أثر في نظر المسلم وموقفه من المشكلة . إذ حين يرى المسلم المشكلة خاضعة لسنة عامة تنطبق على سائر البشر ، يدرك أنه يمن أن يستفيد من الوقائع التاريخية البشرية التي حدثت للأقوام قديماً وحديثاً ، والتي لا تزال تحدث الآن .
 +
 
والذي يؤكد عمومية الموضوع أن الله يقول للرسول صلى الله عليه وسلم :
 
والذي يؤكد عمومية الموضوع أن الله يقول للرسول صلى الله عليه وسلم :
 
« قل بدعاً من الرسل » الأحقاف - 9 - .
 
« قل بدعاً من الرسل » الأحقاف - 9 - .
 +
 
ويصور الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الموضوع بصورة من يرى المستقبل من خلال السنن حين قول : (لتتبعن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة …) حتى إنه يصل في المشابهة إلى أن يحشرهم في جُحرِ الضَّبِّ .
 
ويصور الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الموضوع بصورة من يرى المستقبل من خلال السنن حين قول : (لتتبعن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة …) حتى إنه يصل في المشابهة إلى أن يحشرهم في جُحرِ الضَّبِّ .
 +
 
ومثل هذا النظر إلى الموضوع ، هو الذي نفتقده الآن ، وعلينا أن نكتسبه ، لأن هذه النظرة القرآنية هي التي تجعل المسلم قادراً على الاعتبار الذي يلح عليه القرآن .
 
ومثل هذا النظر إلى الموضوع ، هو الذي نفتقده الآن ، وعلينا أن نكتسبه ، لأن هذه النظرة القرآنية هي التي تجعل المسلم قادراً على الاعتبار الذي يلح عليه القرآن .
 +
 
فأمامنا تجارب القرون الماضية ، تجارب كثيرة تظهر فيها سنن التغيير الأقوام ، التي يخضع لها المسلمون أيضاً ، كأي قوم من الأقوام .
 
فأمامنا تجارب القرون الماضية ، تجارب كثيرة تظهر فيها سنن التغيير الأقوام ، التي يخضع لها المسلمون أيضاً ، كأي قوم من الأقوام .
 +
 
وفي الواقع ، إن هذا النظر القرآني يجرد الإنسان ملابساته ، ويرجعه إلى أصله المجرد الذي يخضع للسنن .
 
وفي الواقع ، إن هذا النظر القرآني يجرد الإنسان ملابساته ، ويرجعه إلى أصله المجرد الذي يخضع للسنن .
 
فإذا حصَّلنا هذا النظر نكون قد أخرجنا المشكلة من مجال الغموض والتكهنات ، إلى مجال الرؤية الواضحة ، التي يُمكن النظرُ إليها كمشكلةٍ إنسانية ، لا على أنها مشكلة مبادئ ، بمعنى أن ننظر إلى الموضوع كمشكلة مجتمع ، لا كمشكلة دين وعقيدة . وبعبارة أخرى كمشكلة بشرٍ مسلمين لا مشكلة إسلام . وهذا أيضاً في حاجة إلى شرح أيضاً .
 
فإذا حصَّلنا هذا النظر نكون قد أخرجنا المشكلة من مجال الغموض والتكهنات ، إلى مجال الرؤية الواضحة ، التي يُمكن النظرُ إليها كمشكلةٍ إنسانية ، لا على أنها مشكلة مبادئ ، بمعنى أن ننظر إلى الموضوع كمشكلة مجتمع ، لا كمشكلة دين وعقيدة . وبعبارة أخرى كمشكلة بشرٍ مسلمين لا مشكلة إسلام . وهذا أيضاً في حاجة إلى شرح أيضاً .
 +
 
فحين أقول : مشكلة مجتمع ، لا مشكلة دين ، لا أريد أن أنزع المسلم من دينه وعقيدته ، بل حرصي عليه أن يبقى على دينه كحرصه بل أشد . ولكن ما أريده هنا : أن أفرق بين السنن التي تجعل الإنسان عاجزاً ، والسنن التي تجعل الإنسان مجتهداً عاملاً .
 
فحين أقول : مشكلة مجتمع ، لا مشكلة دين ، لا أريد أن أنزع المسلم من دينه وعقيدته ، بل حرصي عليه أن يبقى على دينه كحرصه بل أشد . ولكن ما أريده هنا : أن أفرق بين السنن التي تجعل الإنسان عاجزاً ، والسنن التي تجعل الإنسان مجتهداً عاملاً .
 +
 
وليس قصدي أن أجعل العقيدة والإسلام موضع تشريح وبحث ، فإن الإسلام ليس مجال البحث في صدقه وحقيقته وصحته ، فالإسلام حقيقة من حقائق الكون ، كالشمس والقمر في مجال المادة . فإن الإسلام في مجال سير المجتمع البشري ، والأمة الواحدة العالمية ، كالشمس والقمر في مجال المادة .
 
وليس قصدي أن أجعل العقيدة والإسلام موضع تشريح وبحث ، فإن الإسلام ليس مجال البحث في صدقه وحقيقته وصحته ، فالإسلام حقيقة من حقائق الكون ، كالشمس والقمر في مجال المادة . فإن الإسلام في مجال سير المجتمع البشري ، والأمة الواحدة العالمية ، كالشمس والقمر في مجال المادة .
 +
 
فلندع الآن هذه الحقيقة ، ولنرجع إلى الإنسان المسلم الذي ينطبق عليه ما ينطبق على البشر ، من غفلة وجهل ، وعنهجية وغرور ، وطيبة ووداعة ، وسذاجة وحماقة .. فالبشر قد أودعوا نفوسهم أفكاراً عن الشمس والقمر في قديم الزمان ولكن هذه الأفكار مهما كانت خاطئة لم تكن لتؤثر في حقيقة سير الشمس والقمر ، ولم يتغير شيء من نظام الكون من أجل تلك الأفكار ، وبقيت سنن سير الشمس والقمر كما هي لم تتغير . ولم يكن الذي كان في حاجة إلى تغيير حينذاك ، سنة الشمس والقمر ، ولكن الذي كان حاجة إلى المزيد من البحث والعناية ، هو الإنسان ، الذي حشى نفسه بالظنون والأوهام ، وارتفع بها إلى مستوى القداسة ، وكان عنده استعداد أن يزهق الأرواح التي تحمل أفكاراً تخالف ما يحمله هو .
 
فلندع الآن هذه الحقيقة ، ولنرجع إلى الإنسان المسلم الذي ينطبق عليه ما ينطبق على البشر ، من غفلة وجهل ، وعنهجية وغرور ، وطيبة ووداعة ، وسذاجة وحماقة .. فالبشر قد أودعوا نفوسهم أفكاراً عن الشمس والقمر في قديم الزمان ولكن هذه الأفكار مهما كانت خاطئة لم تكن لتؤثر في حقيقة سير الشمس والقمر ، ولم يتغير شيء من نظام الكون من أجل تلك الأفكار ، وبقيت سنن سير الشمس والقمر كما هي لم تتغير . ولم يكن الذي كان في حاجة إلى تغيير حينذاك ، سنة الشمس والقمر ، ولكن الذي كان حاجة إلى المزيد من البحث والعناية ، هو الإنسان ، الذي حشى نفسه بالظنون والأوهام ، وارتفع بها إلى مستوى القداسة ، وكان عنده استعداد أن يزهق الأرواح التي تحمل أفكاراً تخالف ما يحمله هو .
 +
 
فإذا رجعنا إلى الإنسان المسلم ، نجد أن نظرته ومفهومه عن الإسلام ، كمضمون ، وكطريقة لحل المشكلات ، كمثل نظر أولئك إلى الشمس والقمر ، من حيث البعد عن الحقيقة . فالمنهج القرآني مثلاً في بحثه لمشكلات التقدم والتخلف المادي عند الناس ، يواجهها كمشكلة عامة ، وكمشكلة أقوام ، لا كمشكلة دين وعقيدة ، وإنما مشكلة صلة بدين .
 
فإذا رجعنا إلى الإنسان المسلم ، نجد أن نظرته ومفهومه عن الإسلام ، كمضمون ، وكطريقة لحل المشكلات ، كمثل نظر أولئك إلى الشمس والقمر ، من حيث البعد عن الحقيقة . فالمنهج القرآني مثلاً في بحثه لمشكلات التقدم والتخلف المادي عند الناس ، يواجهها كمشكلة عامة ، وكمشكلة أقوام ، لا كمشكلة دين وعقيدة ، وإنما مشكلة صلة بدين .
 +
 
وينبغي أن أنبه هنا إلى أمرين أيضاً :
 
وينبغي أن أنبه هنا إلى أمرين أيضاً :
 
الأول : حين نقول مشكلة عامة .
 
الأول : حين نقول مشكلة عامة .
 
في الواقع إن المشكلة عامة ، لأن السنَّة لا تكون سنَّة إلا إذا كانت عامة ، ولكن ليس معنى هذا ، أن مشكلة المسلمين لا تتميز بخصوصية ، من حيث العوارض ، والملابسات الخاصة ، التي ينبغي أن يراعيها المسلم حين يأخذ في معالجة المشكلة ، إلا أن قصدي هنا أن لا يختلط على المسلم القاعدة العامة التي يخضع لها كل الأقوام ، مع الأمر الخاص الذي يخص المسلمين . فمثلاً قد يكون الانخداع بالوهم والتعلق به مما يحول بينهم وبين رؤية طريق الصواب وهذا سنَّة عامة في البشر . ولكن لا يشترط أن يكون الوهم الذي يتعلق به كل قوم ، نوعاً واحداً من الأوهام ، بل يمكن أن تكون أوهاماً متعددة ، ولكن سنَّة التعلق بالوهم واحدة ، وإن كان نوع الوهم مختلفاً . فعلينا أن نراعي هذا في بحث مشكلة المسلمين .
 
في الواقع إن المشكلة عامة ، لأن السنَّة لا تكون سنَّة إلا إذا كانت عامة ، ولكن ليس معنى هذا ، أن مشكلة المسلمين لا تتميز بخصوصية ، من حيث العوارض ، والملابسات الخاصة ، التي ينبغي أن يراعيها المسلم حين يأخذ في معالجة المشكلة ، إلا أن قصدي هنا أن لا يختلط على المسلم القاعدة العامة التي يخضع لها كل الأقوام ، مع الأمر الخاص الذي يخص المسلمين . فمثلاً قد يكون الانخداع بالوهم والتعلق به مما يحول بينهم وبين رؤية طريق الصواب وهذا سنَّة عامة في البشر . ولكن لا يشترط أن يكون الوهم الذي يتعلق به كل قوم ، نوعاً واحداً من الأوهام ، بل يمكن أن تكون أوهاماً متعددة ، ولكن سنَّة التعلق بالوهم واحدة ، وإن كان نوع الوهم مختلفاً . فعلينا أن نراعي هذا في بحث مشكلة المسلمين .
الثاني : حين نقول : إن المشكلة مشكلة إنسان ، لا مشكلة عقيدة ، كذلك في حاجة إلى تفصيل ، وذلك لأن شرعة القرآن ، وإن كانت حقاً ، إلا أن فهم المسلمين لهذه الشرعة ، وهذا المنهاج في جميع نواحيه ، ليبست في أذهان المسلمين على أصالتها ووضوحها ، وأحياناً يكون فهمهم لها على عكس حقيقتها ، فمن هنا تظهر الحاجة إلى تغيير ما بأنفس المسلمين عن الإسلام ، في قليل أو كثير ، ولاسيما بعد هذا الكود الطويل ، الذي جعل كثيراً من الخرافات والنظرات الخاطئة تحمل قوة قداسة الإسلام والقرآن عند المسلمين .
+
 
 +
الثاني : حين نقول : إن المشكلة مشكلة إنسان ، لا مشكلة عقيدة ، كذلك في حاجة إلى تفصيل ، وذلك لأن شرعة القرآن ، وإن كانت حقاً ، إلا أن فهم المسلمين لهذه الشرعة ، وهذا المنهاج في جميع نواحيه ، ليبست في أذهان المسلمين على أصالتها ووضوحها ، وأحياناً يكون فهمهم لها على عكس حقيقتها ، فمن هنا تظهر الحاجة إلى تغيير ما بأنفس المسلمين عن الإسلام ، في قليل أو كثير ، ولاسيما بعد هذا الكود الطويل ، الذي جعل كثيراً من  
 +
الخرافات والنظرات الخاطئة تحمل قوة قداسة الإسلام والقرآن عند المسلمين .
 +
 
 
وهذا الأمر ، يمكن أن يعتبر خصوصية في المسلمين ، من حيث تعلقهم بأوهام وكشف لا صلة لها بالقرآن وكأنها القرآن . وتفصيل هذه الأوهام وكشف النقاب عنها ، شكل عقبات في سبيل الإصلاح ، لأنها تشكل أوزاراً تحملوها وابتدعوها ما كتبها الله عليهم ، فظلت في أعناقهم كأحجار الرحى المدلاة التي تعوق حركتهم وتثقلهم ، وكالغشاوات على الأعين تحول دون رؤية الصواب ، بل صارت كالأقفال على القلوب ، التي تمنع إدراك الصواب ، وتجعل أمام إمكانية قبوله صعوبات مضاعفة .
 
وهذا الأمر ، يمكن أن يعتبر خصوصية في المسلمين ، من حيث تعلقهم بأوهام وكشف لا صلة لها بالقرآن وكأنها القرآن . وتفصيل هذه الأوهام وكشف النقاب عنها ، شكل عقبات في سبيل الإصلاح ، لأنها تشكل أوزاراً تحملوها وابتدعوها ما كتبها الله عليهم ، فظلت في أعناقهم كأحجار الرحى المدلاة التي تعوق حركتهم وتثقلهم ، وكالغشاوات على الأعين تحول دون رؤية الصواب ، بل صارت كالأقفال على القلوب ، التي تمنع إدراك الصواب ، وتجعل أمام إمكانية قبوله صعوبات مضاعفة .
 +
 
وعلى الرغم من أن هذه الأوهام ، اكتسبت نفس قداسة وقوة آيات الله ، في أنفس المسلمين ، إلا أن المسلم على علاَّته ، عنده من التعلق بالقرآن ما ليس لأحد من أهل الكتاب . فلهذا كانت صعوبة تخلص المسلمين من هذه الأوهام أصعب ، وفي حاجة إلى حذق ورفق ، في تغيير ما بنفسه عن دينه وعقيدته ، من الخطأ إلى الصَّواب .
 
وعلى الرغم من أن هذه الأوهام ، اكتسبت نفس قداسة وقوة آيات الله ، في أنفس المسلمين ، إلا أن المسلم على علاَّته ، عنده من التعلق بالقرآن ما ليس لأحد من أهل الكتاب . فلهذا كانت صعوبة تخلص المسلمين من هذه الأوهام أصعب ، وفي حاجة إلى حذق ورفق ، في تغيير ما بنفسه عن دينه وعقيدته ، من الخطأ إلى الصَّواب .
 
وإن عجز المسلم عن هذا التغيير ، يرجع في كثير منه ، إلى غياب وضوح سنن تغيير ما بالنفس ، ولاسيما حين يحدث هذا التغيير خلال عصور طويلة ، وهنا تظهر أهمية معرفة سنن التغيير لما بالأنفس ، سواء كان هذا التغيير الذي حدث ببطء من قديم ، أو الذي يحدث الآن بسرعة كبيرة .
 
وإن عجز المسلم عن هذا التغيير ، يرجع في كثير منه ، إلى غياب وضوح سنن تغيير ما بالنفس ، ولاسيما حين يحدث هذا التغيير خلال عصور طويلة ، وهنا تظهر أهمية معرفة سنن التغيير لما بالأنفس ، سواء كان هذا التغيير الذي حدث ببطء من قديم ، أو الذي يحدث الآن بسرعة كبيرة .
 
فهذه المعرفة الواضحة ، لما حدث من التغيير البطيء سابقاً ، وما يحدث من التغيير السريع لاحقاً ، أمر ضروري للسيطرة على التغيير الذي نريده نحن .
 
فهذه المعرفة الواضحة ، لما حدث من التغيير البطيء سابقاً ، وما يحدث من التغيير السريع لاحقاً ، أمر ضروري للسيطرة على التغيير الذي نريده نحن .
1- فلا بد من معرفة سنن التغيير لما بالأنفس .
+
 
2- كما لا بد من معرفة ما ينبغي أن نغيره ، من الأوهام ، وما ينبغي أن نثبته من الحقائق .
+
# فلا بد من معرفة سنن التغيير لما بالأنفس .
3- ومعرفة ، مَنْ هؤلاء الذي ينبغي أن نجري على ما بأنفسهم هذا التغيير ، وإن اختلفت معادلتهم الشخصية وبيئتهم ، إذ أنهم مشتركون في أصل البلاء .
+
# كما لا بد من معرفة ما ينبغي أن نغيره ، من الأوهام ، وما ينبغي أن نثبته من الحقائق .
 +
# ومعرفة ، مَنْ هؤلاء الذي ينبغي أن نجري على ما بأنفسهم هذا التغيير ، وإن اختلفت معادلتهم الشخصية وبيئتهم ، إذ أنهم مشتركون في أصل البلاء .
 
فهذه المعرفة المفصلة أمر لا بد منه للبدء في أية عملية تغيير جاد .
 
فهذه المعرفة المفصلة أمر لا بد منه للبدء في أية عملية تغيير جاد .
  
  
 
[[تصنيف:حتى يغيروا ما بأنفسهم]]
 
[[تصنيف:حتى يغيروا ما بأنفسهم]]

مراجعة ١٥:٥٩، ١٤ يوليو ٢٠٠٧

من كتاب ((حتى يغيروا ما بأنفسهم))

إن السنة الموجودة في الآية ، سنة عامة تنطبق على كل البشر ، وليست خاصة بالمسلمين ولا بغيرهم وإنما هي عامة .

ولكن المسلم عادةً ، بشعور منه أو لا شعور ، وبمقدار متفاوتٍ في الوضوح ، يريد أن ينظر إلى الأمور بشيء من الخصوصية .

ولقد صادفني مراراً حين كنت أحاول أن أتناول مشكلة المسلمين أن أواجهَ بقولهم : إن هذا الأسلوب الذي تحاول أن تبحث به الموضوع ينطبق على غير المسلمين أيضاً . فأقول نعم . وبناء على هذه الخبرة ، أشعر بحاجة لأن أوضح هنا ، أن القاعدة الموجودة في هذه الآية تشمل كل الناس ، بدليل أن كلمة (قوم) في الآية لم تأت مخصصة بقوم معينين ، وإنما هي لكل قوم ، ومجيئها نكرة في الآية يدل على ذلك .

فمضمون هذه الآية ينطبق على كل البشر أجناساً وأدياناً ، الأبيض والأسود ، والمسلم والكافر . لكن حين يسأل المسلم ويقول : إن هذا الأسلوب في معالجة المشكلة يعم غير المسلمين . إن هذا السؤال ليس سؤلاً فارغاً ، بل يحمل وراءه نظراً وعقيدة وفكرة ، فكأن المسلم بهذا السؤال يبصر جانباً لم يكن يبصره من قبل ، ويبرز عنده احتمالُ لم يكن وارداً لديه سابقاً ، فيخرج بهذا من نظر الخصوصية إلى قاعدة عامة تشمل كل البشر ، ومن ضمنهم المسلمون .

ولكن المسلم لا ينظر عادة ، إلى مشكلة المسلمين بهذا المنظار الذي يجعل المشكلة الإسلامية خاضعة لسننٍ عامة تشمل البشر جميعاً . فهو يرى أنه ينبغي أن تكون مشكلة المسلمين غير خاضعة لما يخضع له سائر البشر في مشكلاتهم ، ويفعل المسلم هذا حين يفعل ، بروح من التسامي والتقديس . ذلك أنه يظن أن رفع شأن المسلمين إنما يكون بعدم خضوعهم للسنن التي يخضع لها سائر البشر .

وينبغي أن يُوضَّحَ هذا الأمر بدقة ، وبصورة كافية ومقنعة ، ولا بد أن أتناوله ، وإن لم أبلغ به الدرجة التي أريد لها من الوضوح والبيان ، لأن وضوح هذا يكون له أثر في نظر المسلم وموقفه من المشكلة . إذ حين يرى المسلم المشكلة خاضعة لسنة عامة تنطبق على سائر البشر ، يدرك أنه يمن أن يستفيد من الوقائع التاريخية البشرية التي حدثت للأقوام قديماً وحديثاً ، والتي لا تزال تحدث الآن .

والذي يؤكد عمومية الموضوع أن الله يقول للرسول صلى الله عليه وسلم : « قل بدعاً من الرسل » الأحقاف - 9 - .

ويصور الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الموضوع بصورة من يرى المستقبل من خلال السنن حين قول : (لتتبعن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة …) حتى إنه يصل في المشابهة إلى أن يحشرهم في جُحرِ الضَّبِّ .

ومثل هذا النظر إلى الموضوع ، هو الذي نفتقده الآن ، وعلينا أن نكتسبه ، لأن هذه النظرة القرآنية هي التي تجعل المسلم قادراً على الاعتبار الذي يلح عليه القرآن .

فأمامنا تجارب القرون الماضية ، تجارب كثيرة تظهر فيها سنن التغيير الأقوام ، التي يخضع لها المسلمون أيضاً ، كأي قوم من الأقوام .

وفي الواقع ، إن هذا النظر القرآني يجرد الإنسان ملابساته ، ويرجعه إلى أصله المجرد الذي يخضع للسنن . فإذا حصَّلنا هذا النظر نكون قد أخرجنا المشكلة من مجال الغموض والتكهنات ، إلى مجال الرؤية الواضحة ، التي يُمكن النظرُ إليها كمشكلةٍ إنسانية ، لا على أنها مشكلة مبادئ ، بمعنى أن ننظر إلى الموضوع كمشكلة مجتمع ، لا كمشكلة دين وعقيدة . وبعبارة أخرى كمشكلة بشرٍ مسلمين لا مشكلة إسلام . وهذا أيضاً في حاجة إلى شرح أيضاً .

فحين أقول : مشكلة مجتمع ، لا مشكلة دين ، لا أريد أن أنزع المسلم من دينه وعقيدته ، بل حرصي عليه أن يبقى على دينه كحرصه بل أشد . ولكن ما أريده هنا : أن أفرق بين السنن التي تجعل الإنسان عاجزاً ، والسنن التي تجعل الإنسان مجتهداً عاملاً .

وليس قصدي أن أجعل العقيدة والإسلام موضع تشريح وبحث ، فإن الإسلام ليس مجال البحث في صدقه وحقيقته وصحته ، فالإسلام حقيقة من حقائق الكون ، كالشمس والقمر في مجال المادة . فإن الإسلام في مجال سير المجتمع البشري ، والأمة الواحدة العالمية ، كالشمس والقمر في مجال المادة .

فلندع الآن هذه الحقيقة ، ولنرجع إلى الإنسان المسلم الذي ينطبق عليه ما ينطبق على البشر ، من غفلة وجهل ، وعنهجية وغرور ، وطيبة ووداعة ، وسذاجة وحماقة .. فالبشر قد أودعوا نفوسهم أفكاراً عن الشمس والقمر في قديم الزمان ولكن هذه الأفكار مهما كانت خاطئة لم تكن لتؤثر في حقيقة سير الشمس والقمر ، ولم يتغير شيء من نظام الكون من أجل تلك الأفكار ، وبقيت سنن سير الشمس والقمر كما هي لم تتغير . ولم يكن الذي كان في حاجة إلى تغيير حينذاك ، سنة الشمس والقمر ، ولكن الذي كان حاجة إلى المزيد من البحث والعناية ، هو الإنسان ، الذي حشى نفسه بالظنون والأوهام ، وارتفع بها إلى مستوى القداسة ، وكان عنده استعداد أن يزهق الأرواح التي تحمل أفكاراً تخالف ما يحمله هو .

فإذا رجعنا إلى الإنسان المسلم ، نجد أن نظرته ومفهومه عن الإسلام ، كمضمون ، وكطريقة لحل المشكلات ، كمثل نظر أولئك إلى الشمس والقمر ، من حيث البعد عن الحقيقة . فالمنهج القرآني مثلاً في بحثه لمشكلات التقدم والتخلف المادي عند الناس ، يواجهها كمشكلة عامة ، وكمشكلة أقوام ، لا كمشكلة دين وعقيدة ، وإنما مشكلة صلة بدين .

وينبغي أن أنبه هنا إلى أمرين أيضاً : الأول : حين نقول مشكلة عامة . في الواقع إن المشكلة عامة ، لأن السنَّة لا تكون سنَّة إلا إذا كانت عامة ، ولكن ليس معنى هذا ، أن مشكلة المسلمين لا تتميز بخصوصية ، من حيث العوارض ، والملابسات الخاصة ، التي ينبغي أن يراعيها المسلم حين يأخذ في معالجة المشكلة ، إلا أن قصدي هنا أن لا يختلط على المسلم القاعدة العامة التي يخضع لها كل الأقوام ، مع الأمر الخاص الذي يخص المسلمين . فمثلاً قد يكون الانخداع بالوهم والتعلق به مما يحول بينهم وبين رؤية طريق الصواب وهذا سنَّة عامة في البشر . ولكن لا يشترط أن يكون الوهم الذي يتعلق به كل قوم ، نوعاً واحداً من الأوهام ، بل يمكن أن تكون أوهاماً متعددة ، ولكن سنَّة التعلق بالوهم واحدة ، وإن كان نوع الوهم مختلفاً . فعلينا أن نراعي هذا في بحث مشكلة المسلمين .

الثاني : حين نقول : إن المشكلة مشكلة إنسان ، لا مشكلة عقيدة ، كذلك في حاجة إلى تفصيل ، وذلك لأن شرعة القرآن ، وإن كانت حقاً ، إلا أن فهم المسلمين لهذه الشرعة ، وهذا المنهاج في جميع نواحيه ، ليبست في أذهان المسلمين على أصالتها ووضوحها ، وأحياناً يكون فهمهم لها على عكس حقيقتها ، فمن هنا تظهر الحاجة إلى تغيير ما بأنفس المسلمين عن الإسلام ، في قليل أو كثير ، ولاسيما بعد هذا الكود الطويل ، الذي جعل كثيراً من الخرافات والنظرات الخاطئة تحمل قوة قداسة الإسلام والقرآن عند المسلمين .

وهذا الأمر ، يمكن أن يعتبر خصوصية في المسلمين ، من حيث تعلقهم بأوهام وكشف لا صلة لها بالقرآن وكأنها القرآن . وتفصيل هذه الأوهام وكشف النقاب عنها ، شكل عقبات في سبيل الإصلاح ، لأنها تشكل أوزاراً تحملوها وابتدعوها ما كتبها الله عليهم ، فظلت في أعناقهم كأحجار الرحى المدلاة التي تعوق حركتهم وتثقلهم ، وكالغشاوات على الأعين تحول دون رؤية الصواب ، بل صارت كالأقفال على القلوب ، التي تمنع إدراك الصواب ، وتجعل أمام إمكانية قبوله صعوبات مضاعفة .

وعلى الرغم من أن هذه الأوهام ، اكتسبت نفس قداسة وقوة آيات الله ، في أنفس المسلمين ، إلا أن المسلم على علاَّته ، عنده من التعلق بالقرآن ما ليس لأحد من أهل الكتاب . فلهذا كانت صعوبة تخلص المسلمين من هذه الأوهام أصعب ، وفي حاجة إلى حذق ورفق ، في تغيير ما بنفسه عن دينه وعقيدته ، من الخطأ إلى الصَّواب . وإن عجز المسلم عن هذا التغيير ، يرجع في كثير منه ، إلى غياب وضوح سنن تغيير ما بالنفس ، ولاسيما حين يحدث هذا التغيير خلال عصور طويلة ، وهنا تظهر أهمية معرفة سنن التغيير لما بالأنفس ، سواء كان هذا التغيير الذي حدث ببطء من قديم ، أو الذي يحدث الآن بسرعة كبيرة . فهذه المعرفة الواضحة ، لما حدث من التغيير البطيء سابقاً ، وما يحدث من التغيير السريع لاحقاً ، أمر ضروري للسيطرة على التغيير الذي نريده نحن .

  1. فلا بد من معرفة سنن التغيير لما بالأنفس .
  2. كما لا بد من معرفة ما ينبغي أن نغيره ، من الأوهام ، وما ينبغي أن نثبته من الحقائق .
  3. ومعرفة ، مَنْ هؤلاء الذي ينبغي أن نجري على ما بأنفسهم هذا التغيير ، وإن اختلفت معادلتهم الشخصية وبيئتهم ، إذ أنهم مشتركون في أصل البلاء .

فهذه المعرفة المفصلة أمر لا بد منه للبدء في أية عملية تغيير جاد .