حالة الطوارئ والدستور
من Jawdat Said
جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))
المجتمعات لها دساتيرها وتتعرض لحالة الطوارئ ومصطلح حالة الطوارئ والدستور مصطلحات جديدة معروفة إلى حدٍ ما في هذا العصر حيث نسمع أن دولة ما أعلنت حالة الطوارئ العامة أو الجزئية لزمن معين أو لمنطقة معينة كما حدث منذ بضع سنوات حين أعلنت حالة الطوارئ في مدينة ( لوس أنجلوس ) في كاليفورنيا في الولايات المتحدة لما فشلت الشرطة في السيطرة على الوضع في حادثة ضرب الشرطة للسائق الأسود فثار الناس واضطربت الأمور وعجزت الشرطة استدعي الجيش وأعلنت حالة الطوارئ وأيامها شاهدنا كيف فلتت الأمور ونهبت المحلات و رأينا الذين يحملون التلفزيونات المحمولة على ظهور الناهبين من المحلات التجارية.
وربما أنا نفسي لا أعلم بدقة معنى حالة الطوارئ لأننا نعيش في حالة طوارئ مستمرة نحن في العالم الإسلامي وأنا هاجسي العالم الإسلامي عالم القرآن الذين دستورهم القرآن ولكن أعلم أن حالة الطوارئ هي حالة الحرب والفوضى وتعطل القوانين وحالة قد يصل إلى قتل الناس واعتقالهم بدون قوانين لإزالة حالة الطوارئ لهذا الذين عندهم مصطلح حالة الطوارئ يهتمون جداً بزمان ومكان الوضع الذي يقتضي فيه إعلان حالة الطوارئ وربما يعين شخص عسكري مخول لإنهاء حالة الطوارئ باتخاذ الإجراءات غير الدستورية وغير القانونية لإزالة حالة الطوارئ بأقل التكاليف وأقل الأزمنة لرفع و إزالة الحالة التي دعت إلى اتخاذ إعلان الطوارئ وبما أن القرآن دستور المسلمين فكل شيء فيه اعتبره المسلمون دستوراً ولم يفصلوا بين الحالة الدستورية وحالة الطوارئ فلهذا لما اختلطت الحالة الدستورية بحالة الطوارئ واعتبرت حالة الطوارئ دستوراً دائماً لأنه في القرآن فصار حالة العالم الإسلامي حالة طوارئ دائمة دون أن يكون عندهم حالة دستورية واحدة في العالم الإسلامي كله حتى العالم الإسلامي تكيف مع هذا الوضع وهذا الخلط فصار شيئاً طبيعياً في حياتهم وفي الواقع حين اختلطت حالة الطوارئ بالحالة الدستورية لأن حالة الطوارئ كحدث لكل مجتمع ممكن أن يحدث وكل شيء حدث أو جرى في القرآن يعتبر دستوراً فصارت حالات الطوارئ دستوراً لهذا لم يعد للمسلمين حالات دستورية وإنما حالات طوارئ عامة طامة شاملة لم يعد الفرد المسلم يعرف التمييز.
وإن كان البعض يقولون برفع حالة الطوارئ حسب المصطلحات الغربية إلا أننا في أعماقنا لا نعرف معنى الحالة الدستورية وهذا الوضع نتيجة للانعطاف الأخطر الذي حدث بعد عهد الراشدين وبعد معركة صفين وبعد مقتل الخليفة الراشد علي بن أبي طالب لأن هذا الحدث كان زوالاً لعهد الرشد المبني على اللااكراه وعودة للهرقلية المبنية على الإكراه والمعتمدة على العسكر أداة الحرب وأداة حفظ المجتمع من الخارج لا في الداخل لهذا حين قسم الأرض إلى دار الحرب ودار السلام فإن المجتمعات التي تعتمد على الإكراه والقوة العسكرية لحماية المجتمع في الداخل هي دار الحرب بل تحولت المشكلة الخارجية إلى الداخل حيث لم يعد دار الحرب خارج المجتمع بل تحول المجتمع إلى الغي والخوارج حيث الملوك هم الدستور والحكم المطلق فإذا قيدت صلاحيات الملك أو المعتمدين في وجودهم على العسكر أطلق عليهم الملكية الدستورية لأن الملوك لم يكن يقيدهم قانون ولا دستور لأنهم هم القانون والدستور ولهذا الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الملك لما قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال النمرود الذي حاج إبراهيم في ربه أنا أحيي وأميت لهذا المشكلة وحالة الطوارئ كانت مستمرة في أمة الإكراه لأنه جاء بالإكراه وسن قانون الإكراه فهو في خوف دائم من أن يملك أحد قوة أو يمكنه أن يستقطب الناس فيكون هدف التصفية حتى لا يبقى منازع ولكن حين تكون القوة والعسكر هي العمدة في الملك ودستور المجتمع فتتحول السيطرة إلى العسكر تودع حالة الدستور والحالة المدنية إلى العسكرة وحالة الطوارئ المستمرة والمجتمع لا يمكن أن يتحول إلى الحالة المدنية ما لم يعترف الفرقاء جميعاً إلى الاتفاق على عدم اللجوء إلى القوة في حسم شرعية السلطة لأن السلطة التي تأتي بالقوة والعسكر لا يمكن أن تكون شرعية أو أن تتحول إلى شرعية.
ومن لم يصدق هذا فليسر في الأرض ولينظر ماذا حدث في تاريخ المسلمين من بعد الراشدين فقد فقدوا الشرعية حتى في التصور أي مجرد تصور إمكانية إعادة الرشد والمنطق والقانون والحالة المدنية المقابلة للحالة العسكرية أداة الحرب فهم أي المجتمع الإسلامي يحنون بغموض إلى عودة الرشد وعودة الخلافة وإن كانوا لا يعرفون كيف يمكن صنع الخلافة الراشدة لهذا استخدمت كلمة الخلافة بدون كلمة الرشد لأن الرشد في الخلافة لا يمكن أن يكون بالإكراه بل باللاإكراه ولكن تصور صنع أو إعادة الخلافة الراشدة غاب عن ذهن المسلمين إلا بالإكراه فمن هنا دخلنا إلى الغي والبغي والطغيان بدون قدرة على تصور إمكان صنع الرشد بدون إكراه ونسينا أو تناسينا أو عجزنا عن الحدث الأكبر في حياة المسلمين حين هاجروا إلى المدينة وصنعوا مجتمعهم اللاإكراهي بدون إكراه وبالإقناع فقط وبدون أن يقتل شخص واحد حتى في بادرة نزعة جاهلية حيث كانوا مضبوطين ضبطا محكما لم يشذ منه فرد في ممارسة عنف يؤدي إلى قتل أي إنسان من غير المسلمين من قبل المسلمين حيث ظهر لأول مرة في التاريخ المجتمع المدني والمجتمع الراشد والأمة الراشدة وأمة اللاإكراه وأمة الدستور حيث عقد الرسول (ص) معاهدة المدينة ودستور المدينة على تكامل كل المتعاهدين على حماية المجتمع وعدم الخروج على القانون وهذا الدستور الذي كان يحمي كل المنتمين إلى هذا المجتمع مع اختلاف أديانهم -من بنود دستور المدينة - (وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم أو أثم فإنه لا يُوقِعُ إلا نفسه وأهل بيته وأن المؤمنين المتقين على كل من بغى منهم أو ابتغى دسيمة ظلم أو إثما أو عدوان أو فساداً بين المؤمنين وأن أيديهم عليه جميعاً ولو كان وَلَدَ أحدهم) وحالة الحرب وحدوث الهرج القتل والنهب هو الذي يجعل الحرب شرعية ولكن الذي يمارس الحرب الشرعية هو الذي يمثل الأمة الراشدة أمة اللاإكراه التي تفرز الحكم الشرعي اللاإكراهي وكل الحروب بدون هذا الشرط حروب غير شرعية حروب شريعة الغاب أمرنا المنهج الإسلامي أن لا نشرك فيها لأنها حروب بغي وحروب طغيان المشاركون فيه من صنف واحد إنتصار أحدهم لايزيل حالة البغي إلى حالة الرشد ومن لم يقنع فلينظر في تاريخ المسلمين من بعد الراشدين كم مرة حدث تغير بالبغي على باغٍ آخر ولكن لم يتحول البغي إلى يومنا هذا إلى رشد وإنما بغي يتبع بغياً وطاغوت يخلُف طاغوتاً لهذا أدعو إلى الكف عن هذه اللعبة التي استمرت من بعد صفين إلى يومنا هذا تكفي هذه التجارب التي شهد لها التاريخ بأنها لاتؤدي إلى رشد ولا حالة رشد لأن الرشد في الأمة وليس في الحكم والحاكم فإذا فقدت الأمة الرشد لم ينفعها الحاكم الراشد لهذا لما فقدت الأمة الرشد وانشقت وعادت إلى المغالبة بالقوة لم تنتفع بالخليفة الراشد بإجماع المذاهب أنه كان راشداً ولكن المعاصرين له لم يروه راشداً بل كافراً وضالاً فلم يطيعوه في المعركة التي كانت المعركة الشرعية الوحيدة التي ودع المسلمون فيها شرعية الحرب ولم يكتفوا بعصيانه وخذلانه في المعركة بل إغتاله الخوارج الذي يحقر أنقى المسلمين صلاتهم مع صلاته وصيامهم مع صيامه إن هذا الحدث الذي حدث في العالم الإسلامي بعد الراشدين أفسد وضع المجتمع الإسلامي إلى أن وصل الآن إلى ما وصل إليه من أنهم يمكن أن يعملوا سلام مع من قاتلهم في الدين وأخرجوهم من ديارهم ولا يمكنهم أن يعملوا بينهم سلاماً ولا تطبيعاً للعلاقات بينهم ليس فقط أنهم لا يعملون سلاماً بل لا قدرة لهم على الدعوة إليه لأنهم لا يمكنهم أن يفعلوا ذلك إلا إذا خرجوا من الإكراه إلى اللاإكراه ومن الغي والبغي إلى الرشد ومن الخيانة التي تستيقظ كالمارد مع توفر القوة وعدم وجود المانع من إستخدامه ولكن العالم يتوجه إلى جعل استخدام القوة غير ممكن أنا لست اختصاصيا كأساطين علمائنا في الدستور والشرعية واللاشرعية ولكن فقط آمنت أن الشرعية لا تأتي بالإكراه ومن كان يظن أن الشرعية لا تأتي بغير إكراه فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع ولينظر هل يذهبن كيده مايغيظ