ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً
من Jawdat Said
إن المثل الذي أتناوله مراراً، واكثر من اللف والدوران حوله هو مثل الشمس: (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) الفرقان: 25/45. الشمس دليل على إمكان حدوث الاشتباه في أوضح الواضحات، فإذا كان يشتبه علينا حركة حافلتين متجاورتين؛ فإن الاشتباه في حركة الشمس في التاريخ كان عجيباً، فالشمس التي يضرب بها المثل في الوضوح والظهور؛ كانت حركتها ملتبسة التباساً شديداً على جميع الناس من أيام بدء الخلق الإنسان إلى أيام قريبة حين كشف الناس أن الشمس تدور حولهم، وأنهم هم الذين يدورون حولها.
كم كان ما اعتقده الناس من أن الشمس تدور حول الأرض، وقد بلغ هذا الرسوخ في الاعتقاد بهذه الظاهرة درجة أنهم كانوا مستعدين لأن يموتوا وينزلوا الموت بالآخرين في سبيل بقاء هذه البدهية الواضحة الجلية، ولكنها في الحقيقة كانت خفية أشد الخفاء.
أليس عبرة عظيمة أن تكون الشمس الساطعة التي تمد الأرض بالنور والضياء والدفء موضع اشتباه وخطأ في التفسير من الناس جميعاً؟ أليست الشمس الدليل الأسطع على الخطأ في تفسير الحركة؟
لقد سجل التاريخ أحداث كشف هذا الخطأ العظيم بأسلوب أحدث ضجة في العالم كله، وذلك منذ عهد ليس بالبعيد، فالأحداث كلها سجلت بدقة في محاكمات ودفاعات وردود وتهجمات وإدانات وسخريات.
(أَلَمْ تَرَى إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) الفرقان: 25/45، لقد جعل الشمس دليلاً على هذا الامتداد والتقلص، دليلاً على خفاء حركة الأفلاك.
كم كان صعباً أن يقلب الناس تصوراتهم عن هذه الحركة ويغيروا ظنهم أو يقينهم إلى العكس تماماً؟ فإذا كانت الشمس التي هي مضرب المثل في الوضوح والظهور بهذه الدرجة من الخفاء والاشتباه؛ فما هي الأمور التي يمكن أن تكون أوضح منها حتى ندعي أننا لا يمكن أن نقع في الخطأ في فهمها وتفسيرها؟
ألا يمكن أن تعتبر من هذه الحادثة الكونية فنؤمن بقوله تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (في التفسير) فلا نبيح الإكراه في فرض التفاسير والآراء والفهوم مهما كانت واضحة وجلية، لأنها مهما كانت واضحة وجلية؛ فلن تكون في وضوح وجلاء ظاهرة الشمس؟
إن من رحمة الله بالناس، ورحمتهم ببعض؛ أن تفاهموا أو تفاهم بعضهم على أنه لا مانع من بقاء التفاسير المختلفة، ولا يحمل البشر بالقوة والإكراه على قبول تفسير معين، لأن الشمس دليل على الوقوع في التفسير الخاطئ، واتفقوا على أن يكون للتفسير الخاطئ الحماية والحق في الحياة، لأن عدم حماية التفسير الخاطئ، يفقد الحماية للتفسير الصحيح أيضاً، فحين تقبل حماية الخطأ تكون جعلت لنفسك الحماية والحق في الحياة؛ لأن الآخر ينظر إليك على انك مخطئ أيضاً.
كم من الزمن سنحتاج لفهم هذا الموضوع؟ وهو أنك لن تكون محمياً إلا إذا حميت الآخر وأعطيت له نفس الحق الذي تعطيه لنفسك.