تغيير الحكومات وتغيير الأفكار
من Jawdat Said
إنني لا أطمع بما يطمع به المسلمون من تغيير الحكومات، ولا أريد ذلك، كلاّ ولا أفرح إذا تغيرت الحكومات بهذه الوسائل التي لا نرى غيرها أداة للتغيير، نعم لا أطمع بذلك ولا أفرح لحدوثه، إذ طالما حدث ولم يتغير من أوضاعنا شيء.
لقد صار طمعي متجهاً إلى مكان آخر، إلى مكان بعيد بعيد، ومن جنوني صرت أراه قريباً قريباً، ولا زلت منذ أربعين عاماً أصرح بأن التغيير ممكن، ولكن ليس بالسبل التي يريد المسلمون إحداث التغيير بواسطتها، ليس بالقتل والاغتصاب ولكن بالحب والإقناع، بالعلم والسلم، لا ليس بالإكراه، فالإسلام نسخ الإكراه حين قال: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ) البقرة: 2/256، وصار بإمكاني أن أرى سبيل الرشد وأتخذه سبيلاً، وصار بإمكاني أن أرى سبيل الغي، وأن أهجره وأتبرأ منه ولا أتخذه سبيلاً.
هل لي الحق في أن أزعم أنه لا يوجد في العالم الإسلامي من يمكنه أن يعلن أنه لن يستخدم وسائل الإكراه والاغتصاب، وأن هذه الوسائل منافية لطريق الإسلام؟
إنني لم أر إلى الآن من يعلن ذلك، فهل يمكن أن يحلَّ هذا النوع من الفهم في ديار الإسلام؟ هل يمكن أن يفهموا أن التغيير الذي يحدث بالإكراه ليس تغييراً شرعياً، وأن يعلنوا أنهم تخلصوا من السعي إلى التغيير بواسطة الإكراه والقتل والاغتصاب، وأنهم سوف لا يفرحون بالذي يسعى لتغيير الأوضاع بهذا الأسلوب، فضلاً عن أن يمارسوه بأنفسهم؟ هل يمكنهم أن يعتبروا بالتاريخ، وبما جَرّبه المسلمون خلال تاريخهم من استخدام هذا الأسلوب، وعدم جدواه في تغيير أوضاعهم؟ هل سيقتنعون بأنه لن يغير من أوضاعهم شيئاً؟ ألا تكفي تجربة أربعة عشر قرناً ليعرفوا ويفهموا أن هذا السبيل ليس هو سبيل الرشاد، وليس هو سبيل الاقتصاد في التغيير؟
لماذا لا يستطيع المسلم، ولا يستطيع بشر آخرون غير مسلمين أن يروا سبيل الرشد، وإن رأوه لا يستطيعون أن يسلكوه؟ وأنه لأمر معقد حقاً.
لماذا وجد بشر آخرون غير مسلمين يفهمون هذه الأمور ويبحثون عن السبيل القرب إلى الرشد؟ إنهم بشر، وينطبق عليهم قانون الله الذي يقول فيه: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) الأنفال: 8/53، وهذا القانون السَّماوي لا يميز بعض البشر عن بعض، إنه ينطبق على كل البشر، على كل بني آدم، على المؤمنين والكافرين، على العادلين والظالمين، على اليهود والنصارى، على البوذيين والمسلمين، على المذاهب والطرق، على السُّنَّة والشِّيعة، على كل البشر، لا يستثني أحداً، وتغيير ما بالأنفس ليس وظيفة معهودة إلى المسلمين أو اليهود أو النصارى أو سكان آسية أو أُوربة أو إفريقية، بل هو قانون إنساني بشري: (بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) المائدة: 5/18.