بين المعاني والألفاظ
من Jawdat Said
لن تتغير سنن الله مهما تلاعبنا بالألفاظ والكلمات، ومهما غيرنا من معانيها وألبسنا الغي أسماء الرشد والإيمان والإسلام، لن يتغير الغي إلى رشد من أجل خاطر المسلمين، كما لن يتحول رشد الأوربيين إلى غيٍّ من أجل زرقة عيونهم.
إنهم حين تركوا الإكراه دخلوا في الرشد والاقتصاد والتوفير، وخرجوا من التبذير: (من طلب المعاني من الألفاظ ضاع وهلك، وكان كمن استدبر الغرب وهو يطلبه، ومن قرر المعاني أولاً في عقله، ثم أتبع المعاني الألفاظ فقد اهتدى ».
هذه المعاني لمعت في ذهن أبي حامد الغزالي، قبل ألف عام، قبل سوسير وسيرل وتشومسكي، وقبل هيدجر ونيتشه، ولكن كم كان حجمها في ذهن الغزالي؟؟
سيظل اللغويون واللسانيون، من عرفت منهم ومن لم أعرف، هائمين على وجوههم، ما داموا يظنون أن الكلمات، مهما صار لها من إشعاع أو خفوت وانطفاء، ومهما فتحت من أبوابٍ وخيالاتٍ، أو أغلقت من مجالات؛ تحمل الحقيقة.
سيظلون بعيدين عن الحقيقة ما داموا يحسبون أن الكلمات تحتوي الحقيقة، وما لم يصلوا إلى أن الحق في الواقع.
قد تخبر الكلمات عن الواقع، وقد تخبر عن عكسه، ولكن الكلمات لا قدرة لها على تغيير الواقع، بينما الواقع هو الذي يصحح الكلمات، ويصحح المفاهيم عن الله والقرآن، وهو الذي يعطي قيمة حقيقية لكلمات الله، إنه البحث والنظر إلى الوقائع، وإلى التاريخ والأحداث.
لن يتعلم أحد السباحة من كتاب، لأن الله جعل تعلم السباحة في الماء.
إنه تعالى أمرنا بالسير في الأرض والنظر في كيف بدأ الخلق، ولن يستطيع أحدّ أن يعرف كيف بدأ الخلق من كتاب إلا كتاب الخلق.
ثكلتكم أمهاتكم أيها اللغويون واللسانيون والسيميائيون!! أوليس هؤلاء؛ أهل الكتب السماوية، بأيديهم الكتب بجميع اللغات ولا ينتفعون مما فيها بشيء.
إننا، ومهما قال القائلون عن كيفية بدء الخلق؛ لن نعرف ذلك إلا بشهادة الخلق ذاته، ولن ينقضَ قول قولاً إلا إذا كان مرجعه من الواقع، ولن يغير الناس آراءهم وما بأنفسهم إلا بإحصاء العواقب، وبقانون النافع والأنفع، وبقانون الزبد.
قانون الزبد هو الذي صنع السوق الأوربية المشتركة، وهو الذي ذهب ببناء الحياة القائم على الإكراه والغي والطاغوت والبغي جفاءً، وبه مكث عندهم الأنفع والأبقى.
إنه قانون الأنفع، قانون الرشد، قانون الاقتصاد، قانون عدم إهدار الطاقات، به يبنون أوربة الحديثة الموحدة تحت ظل أمن وهداية اللاإكراه، فإنه قد تبين عندهم الرشد من الغي.
إن قوانين الله لا تنظر إلى أسماء الناس، ولكن مقتضاها أن الذين ينظرون إلى أحداث الكون والتاريخ؛ يستطيعون أن يروا الأرشد وإن لم يقبلوه، فإن عجزوا عن قبوله فإن تكاليف عدم قبوله ستعلمهم أن يقبلوا الرشد رغماً عنهم، طوعاً أو كرهاً.