بل أنتم بشر
من Jawdat Said
إن القوميات والمذاهب الفكرية عاجزة عن رؤية نفسها؛ فلابد من تقديم أمثلة كثيرة لمساعدتها على الرؤية بأن الآخرين بشر أيضاً.
لقد تفاخر إبليس، واعتبر نفسه عالياً، لأنه خلق من نار، ولم يخلق من طين، ورأى أن فهمه هذا من اكبر وأحسن وأعظم المذاهب الفكرية، ولا زال البشر يتمتعون بحظ وافر من هذين الافتخارين الإبليسيين، ولديهم كامل الاستعداد لبذل الأموال والأنفس في سبيل العِرق والمذهب، وحين أقول المذهب أعني كل الانتماءات الرؤيوية، بما فيها مختلف الأديان والأيديولوجيات، فجميعها مذاهب فكرية.
وحين يتحدث القرآن عن الناس الذين قالوا: (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ)؛ يقول لهم: (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ؟ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) المائدة: 5/18، هل يعذب المحب حبيبه؟ أليس ما ينزل بالمسلمين الآن عذاب مهين؟ ومع ذلك فنحن أبناؤه وأحباؤه رضي أم لم يرضَ، وليس المهم أن ينزل علينا العذاب وفق قانون الله وسنته في خلقه؛ بل المهم عو أن نبقى أبناءه الوحيدين، ولذلك رد عليهم الله بأن بنوة الله ومحبته ليست بالادعاء:
والدعاوى إنْ لم تقيموا عليها بيّنات؛ أبناؤها أدعياء
(بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ)، هذا هو الرد على الذين ادعوا بنوّة الله ومحبته لأنفسهم، حين قالوا: (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، قُلْ: فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ؟ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ).
من الذي سيكتب تحت هذا العنوان: (بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ)؟ من الذي سيبين للناس أن السُّنة البشرية والقانون الإنساني لا يحابي احداً منهم، وان الكلمات التي يتسمى بها الناس ما انزل الله بها من سلطان: (إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ) النجم: 53/23.
إننا لا نزال ندَّعي أن غيرنا لا يمكن أن يدخل الجنة، وأنّ الآخرين ليسوا على شيء، ونبيع الجنة ونتوازعها فيما بيننا فقط، وإن كنا نسخر من الذين باعوها من قبلنا، فمن ذا الذي سيكتب في معنى: (بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ)؟ ومن ذا الذي سيفهم معنى (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) النساء: 4/123.
لقد فرّغت هذه الكلمات من معناها، فكيف تُملأ بالمعنى من جديد؟ وكيف تم تفريغها من قبل؟ من الذي سيدرس هذا الموضوع؟
إننا نفرغ الكلمات من معناها ونملؤها بمعانٍ نريدها ونهواها، وكشف هذا مفيد جداً، ومن غير كشفه ستظل الكلمات تخدعنا، ولكن خداع الكلمات وتفريغها وتحريفها وملأها وتوجيهها لا يغير قوانين الوجود، ومهما قلنا: إن الله معنا، سنجده يتخلى عنه ويذيقنا بأس بعضنا بعضاً، ولن يتغير قانون الله: (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) فاطر: 35/43، ولكن نحن الذين سنتغير، سيتغير مفهومنا عن الله وقوانينه وسننه، ولن يمل الله حتى نملّ، وسنقوم بالحروب حتى نملَّ ونشعر ونؤمن بأنها لا تخدم أصحابها، بل تطلب منهم أثماناً باهظة، وتطلب المزيد: (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) ق: 50/30.