بعض خصائص الإرادة
من Jawdat Said
محتويات
3- بعض خصائص الإرادة:
أ- الإرادة تنتقل بالوراثة الاجتماعية:
بحثت في موضوع العمل الصالح أو الناجح، وبينت أنه يتولد من زوجي القدرة والإرادة، وعرفنا الإرادة؟ وكيف تتولد؟ ومن أبواها أيضاً؟ .
وهنا نريد أن نعرض لخاصة من خصائص الإرادة، وهي أنها يمكن أن تورّث، ولا أقصد الوراثة العضوية، وإنما الوراثة الاجتماعية، فالفرد يمكن أن يرث المثل الأعلى من مجتمعه، كما يمكن للمجتمع أم يغرسه في الأطفال الذين ينشؤون فيه.
إن المُثُل العليا التي يعتنقها المجتمع، ينقلها بوسائله المباشرة وغير المباشرة، وبطرق الوعي واللاوعي، إلى الأطفال الذين ينشؤون فيه، ولا يمكن لمجتمع أن يصير مجتمعاً إلا بإرادة، ولا إرادة إلا بمثل أعلى كائناً ما كان هذا المثل الأعلى، فهو نجم القطب الذي تتوجه إليه الإرادة. والأطفال ينشؤون وهم يقدسون هذه المثل العليا قبل أن يعرفوا قيمتها وصحتها، وإنما تتعلق إرادتهم بها عن طريق الوراثة الاجتماعية. وكل المجتمعات تلقّن أفرادها مثلها العليا، وإلا لمَا أمكن أن يعيش الأفراد في هذه المجتمعات، ولما شعروا بالغربة حين يبتعدون عنها.
ومع أن الإرادة تنتقل بالوراثة، فإنها قابلة للتغيير، إذ يمكن للمجتمعات والأفراد أن تغير إرادتها، وإن كان هذا التغيير صعباً، ولكن ليس هناك صعب مطلق، وإنما هناك سنن إن سُلكت أنتجت، وهذه السنن هي التي تغير الأفراد كما يشهد بذلك تاريخ البشرية. وعلى البشر أن يعرفوا سنن التغيير، وأن يعرفوا الحق من الباطل فيغيروا وضعهم إلى الحق، أي أن في إمكان البشر أن يجعلوا الإرادة الحقة ميراثاً، وهذا الذي قصدناه من أن الإرادة تنتقل بالوراثة الاجتماعية، أي تصير في مرحلة ما تنتقل عند معظم الناس بالوراثة الاجتماعية، إلا أن الذي يجعل هذه الوراثة إيجابية وليست سلبية وجود العدد الكافي في المجتمع من الذين يعون هذه القضية وعياً دقيقاً بحيث يشرفون على إجراء عمليات التصحيح والمراقبة الدقيقة.
وربما يرجع تخلف المسلمين إلى فقدهم أداء هذه الوظيفة،لأن ما ينتقل بالوراثة الاجتماعية دون وعي ومراقبة قابل لأن يفسد ويضيع بدون وعي أيضاً، كما حدث في العالم الإسلامي.
والوراثة الاجتماعية تكون أوضح في الإرادات منها في القدرات لأن الفرد يرث من المجتمع مقدساته وإرادته، ولا يرث قدرات المجتمع، فإن ابن المهندس لا يصير مهندساً، وابن الطبيب لا يصير طبيباً إلا بالدراسة.
أقول هذا لأنه الأغلب، وإن كانت كل القدرات والإرادات تتدخل فيها عوامل الوراثة الاجتماعية والجهود الواعية الشخصية، إلا أن الوراثة في المثل الأعلى اكثر، والجهد الواعي في القدرات أظهر.
ب- مستوى الإرادة:
وهناك ملحوظة أخرى في مستوى الإرادات: لقد بحثت الإرادة في نشأتها، وكيف أنها وظيفة جهاز التمييز عند الإنسان، فالإنسان يريد الأكل والشرب والنكاح وسائر حاجاته.. فهل تسمى هذه الأشياء إرادات؟ أم الإرادة شيء آخر أسمى من هذه الأشياء؟
قد يكون هذا الموضوع هاماً، ذلك أن الإرادة قد نراها في عمل مثل تناول القلم، فلا أمد يدي إلا إذا أردت شيئاً - فهذا مراد - ولكن هناك مرادات أخرى سامية يجود الإنسان بنفسه في سبيلها، وتكون بمثابة نجم القطب في توجيه كل المرادات الأخرى وفقها. وهذا مكان التوحيد في الإسلام.
فهناك إذاً مستويات للإرادة:
1- الإنسان يريد الغذاء ليبقي ذاته أو جسمه.
2- الإنسان يريد النكاح ليبقي نوعه.
3- الإنسان يريد العقيدة والفهم (المثل الأعلى) ليرتقي بنوعه.
إن إرادة الغذاء والنكاح فطرة في الإنسان، إلا أن إرادة العقيدة ليست بهذا الوضوح … صحيح أن الإنسان حيوان اجتماعي بالطبع وعنده إرادة للعيش في مجتمع … ولكن كما أن للغذاء سنناً ليعطي الجسم السليم، كذلك للنكاح سنن ليعطي النسل السليم، والعقيدة أيضاً سنن لتعطي المجتمع السليم.
فقد يريد الإنسان الطعام والنكاح … ولكن ليس هذا الذي نبحثه هنا في الإرادة، وأن كانت هذه الأمور مرادة أيضاً،
وغنما نبحث إرادة المثل الأعلى، إرادة الدين، إرادة العقيدة التي ارتفعت في الإسلام إلى ابتغاء وجه الله وحده.
(فمن كانت هجرته لدينا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه، ومن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله).
فهنا أنواع من الإرادات المختلفة، ولكن الإرادة المقبولة في الإسلام نوع معين من الإرادة، هي التي تعطي قيمة عليا للإنسان، تخرجه عن إرادات الحيوان الذي يريد الغذاء والنكاح. ولكن الإنسان يخضع هذه الإرادات لإرادته، ابتغاء وجه الله، ولهذا فإن الجهاد والبذل المقبول عند الله هو: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل) ، ولهذا قلت أيضاً إنه يمكن أن يتعلق الإنسان بمثل أعلى سيئ، ونسميه مثلاً أعلى، لأنه أعلى شيء عند صاحبه، وإن لم يكن في حد ذاته أعلى. والإسلام حدد للمسلم مثله الأعلى … فالمسلم يريد الطعام والنكاح، حتى انه لو ترك الطعام حتى يموت لكان منتحراً، ولكن لا يجوز أن يجعل الطعام مثله الأعلى، بل يطلبه طلب وجوب أو طلب استحباب كما أمر الله تعالى. كما انه يمكن اتخاذ أنواع من المثل العليا مثل العشيرة والوطن والقوم … وكلّ هذه حدّ الله لها حدودها، مبيناً كيفية التعامل معها، وأنه من خرج عن هذه الحدود يكون قد خرج عن حدود الله، مثل من خرج من النكاح إلى السفاح.
إذن هناك إرادات فاسدة، كالروائح النتنة، لهذا قال رسول الله (ص) لمّا رأى بعض قومه يدعون بدعوى الجاهلية: يالآل فلان. قال لهم: (دعوها فإنها منتنة).
فالإرادات الصحيحة التي تلائم تقدّم الإنسان وكرامته، هي ما شرعها الله تعالى، وهي دين الفطرة التي إذا عُرضت على الفطرة البشرية السليمة تقبلها وتفضلها على غيرها ما لم تكن الفطرة قد فسدت، وحتى إذا فسدت الفطرة، فيمكن استخلاص كثير منها بعرض الإرادات والمثل العليا الراقية عليها. وبهذا انتشرت الأديان والأفكار الصحيحة بين الناس.
والإرادة المقصودة التي تعطى للمجتمع حتى يتحرك، ليست إرادة الأمور العادية، وإنما إرادة المثل الأعلى، وهو المرجع لتنظيم الحياة وتحديد علاقات الإنسان مع الكون والإنسان، وهو مصدر التشريع وهذا معنى التوحيد في الدين أي ابتغاء وجه الله وحده، أي مصدر الإرادة ومبعثها الله وحده، وهذا مدلول وحدانية الله. وباصطلاح ابن تيمية: أن لا نعبد إلا الله، ولا نعبده إلا بما شرع؛ وهو معنى (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
ومن خصائص الإرادة إنها: تتولد دفعة واحدة، وحين نقول هذا: فقولنا ليس إنكاراً لإمكان الإرادة شيئاً فشيئاً. ولكن لمّا ننظر إلى ما يحدث غالباً، نجد أن الإنسان الذي يحول إرادته من دين إلى دين آخر يحدث عنده انقلاب فجائي في كل جوانب حياته، تتحول إرادته كلها من شيء إلى شيء آخر، ولكن القدرات لا تتحول بهذه السرعة.
قد يغير الإنسان إرادته من دين إلى دين آخر، كما كان يحدث في الجاهلية، يكون الرجل كافراً في الصباح فيؤمن، فيكون من أشد المؤمنين إيماناً في المساء، ولكن القدرات لا تتحول بهذه السرعة. فالطبيب لا يمكن أن يتحول إلى مهندس - كما يتحول الكافر إلى مؤمن وبالعكس - في يوم واحد، وكذلك تحول الإنسان من كافر إلى مؤمن في يوم واحد لا يجعله فقهياً بأحكام هذا الدين، وإنما يتعلمها بعد ذلك بالمعاناة الطويلة. والعالم الإسلامي الآن يعجب بشدة الإيمان الذي يظهر دفعة واحدة، ولا يهتم بالجهود المتصلة التي ينبغي أن يبذلها هذا الإنسان ليكون إيمانه منتجاً، فيُقْصر تقويمه للشخص في جانب الإيمان دون مراعاة جانب الكفاءة.
ج- الإرادة يمكن أن تقوَّم وتقاس
إن مقياس الإرادة، بذل النفس والمال. فإذا صار لدى الإنسان استعداد لبذل نفسه وماله في سبيل قضية ما، فقد بلغ أرقى مستوى في الإرادة:
﴿إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله، ثم لم يرتابوا، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون﴾ (سورة الحجرات: الآية 15)، ﴿إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة﴾ (سورة التوبة: الآية 111).
لهذا فالجبن والبخل عدوا الإرادة، الجبن عن الجهاد بالنفس، والبخل في إنفاق المال، كما أن الشجاعة والكرم هما المظهران الفطريان للإرادة.
ومن هذا المقياس، يتبين لنا أن الإرادة التي نبحثها هي: إرادة المثل الأعلى، وليس بحثنا في الارادات الصغيرة، وإنما في الإرادة العامة الشاملة التي تُبذل النفس والمل لها، وهي فوق النفس والمال، ولا عبرة بالإرادة التي لا يبذل لها المال والنفس، فإذا تحولت الإرادة من شيء يبذله له المال والنفس إلى إرادة النفس والمال، فَقَدَ الإنسان أسمى ما فيه، ومع ذلك قد يفقد الإنسان هذا كثيراً ويصير المال والنفس مثلاً أعلى، فيذل نفسه لإبقاء نفسه: ﴿ولتجدنهم أحرص الناس على حياة﴾ (سورة البقرة: الآية 96)، ويذل نفسه للإبقاء ماله و … ﴿قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم، وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها، ومساكن ترضونها، أحب إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره﴾ (سورة التوبة: الآية 24).
والأمم التي تجعل إرادتها الرفاهية وزيادة الدخل والمحافظة على الحياة الحيوانية فقط، لا يعتبر القرآن إرادتها إرادة صحيحة. فوضع الخطط الخمسية والعشرية لمضاعفة الدخل ليس هو المثل الأعلى عند المسلم طالما أن هذا لا يحقق إنسانية الإنسان.
﴿وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن﴾ (سورة سبأ: الآية 37).
ولا يعني ذلك الحط من قيمة الاقتصاد والتمتع بنعم الله، فالبحث هنا في المكانة التي نعطيها للاقتصاد بالنسبة إلى أثره الأخلاقي، وإن كان هذا العصر عصر بروز أهمية الاقتصاد، إلا أن المبدأ الذي ينظر إلى المستقبل البعيد، لا يجعل محطته عند الاقتصاد، لأن موضوع الاقتصاد يقف بالإنسان عند بقاء نوعه، ولا يتوجه به آلياً إلى رفع قيمة نوعه إذ قد يمكن للتقدم التكنولوجي أن يوصل المجتمع الإنساني إلى الرفاهية، ولكن لا يوصله آلياً إلى رع مستوى إنسانيته. ولذلك فإن الإسلام لا يعتبر للمال قيمة إلا بمقدار ما يحقق من إنسانية الإنسان:
(نعم المال الصالح للمرء الصالح) ، ﴿ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً﴾ (سورة النساء - الآية 5)، ﴿قل من حرَّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة﴾ (سورة الأعراف: الآية 32).
وتتجلى النظرة الواعية إلى المال من خلال دوره في إفساد الأمم وإهلاكها، في قول الرسول (ص):
(فوالله ما الفقر أخشى عليكم … ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم).
ولا يزال هذا العصر محكوماً بالوضع الذي كان الإنسان يخاف فيه من الجوع لعدم كفاءته التسخيرية، ومن أن الإنسان قد رفع من كفاءته التسخيرية بما يخرجه من عر الخوف من الجوع، إلا إنه لا زال محكوماً بمواريثه السابقة، وقد صار معروفاً أن ما يشكو منه الإنسان في هذا العصر من خَصَاصَة، ليس منشأه عدم إمكانية إنتاج الغذاء الكافي، وإنما العجز الأخلاقي في التوزيع العادل، فلهذا مع نجاح الإنسان في الخطط الاقتصادية، فهو لم يخطر في باله إمكانية وضع خطط أخلاقية.
والنقص في الغذاء في العالم لا يرجع إلى القدرات بل إلى الارادات. ولرفع مستوى الارادات حتى تتكافأ مع القدرات أو بالعكس فلابد من تضحيات، لهذا أعطاه الله القدرة على تحقيق فطرة التضحية، أي قبول الاستغناء عن الحياة حينما يُحال بينه وبين المثل الأعلى الذي يرقّي نوعه، أو ينزل بكرامته المستحقة. ومهما كانت قدرة التضحية والفداء مهملة أو غامضة، فإنه يأتي عليها حين من الدهر تشع لتملأ الكون جلالاً وجمالاً. وهذا يعني أن لدى الإنسان ميل بالفطرة إلى المثل الأعلى، كما عنده بالفطرة أيضاً ميل إلى أن يضحي بنفسه وماله في سبيل هذا المثل الأعلى، بل إن الميل إلى التضحية في سبيل المثل الأعلى أمر طري راسخ في الإنسان ومطبوع في أعماقه وجزءٌ من وجوده، وما تعظيم الشجاعة عند البشر إلا تقدير لقيمة القدرة على التضحية وهذا أمر خاص في الإنسان ليس عند سائر الحيوان، وينبغي أن يدقق البحث في فطرة الإنسان التي تحمل خاصية التضحية، وهي خاصية عجيبة بل هي فوق الأشياء التي نعرفها في سائر المخلوقات..
فلِعُلوَّ ما يمكن أن تتعلق به إرادة الإنسان أعطي القدرة على التضحية في سبيل تحقيق المثل الأعلى، وسمي هذا بالجهاد، وبأفضل الأعمال، ولهذا يقدَّس البشر الذين يضحون في سبيل المثل العليا. ولما كان هذا السلاح العجيب مخصصاً لرفع كرامة الإنسان، فلا يجوز استعماله إلا للمثل الأعلى الحق، لهذا من استخدام هذا السلاح في سبيل الدفاع عن مثل أعلى باطل فهو في النار، و (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل) ، وغير ذلك ميتات جاهلية لا يجوز التضحية من أجلها، وما الانتحار إلا كالقتال في سبيل الباطل، لأن الإنسان وإن استخدم إمكانية مقدسة عنده إلا أنه استخدمها في غير طريق الحق حين أهدرها بنفسه، بينما كان من الممكن وضع الثمن في ميزان يثقل فيه الخير، ويقل الشر، وإن المنتحر أحرق هذه القيمة الكبرى خارج الكفاح مع الباطل، لهذا يكون من فقد حياته في غير الحق قد خسر نفسه كما يسميه القرآن الكريم. وهذا موضوع دقيق في حاجة إلى تجلية وتوضيح، ولم يتم لي ما أريده تماماً، وإنما هو فتح لباب من أبواب فهم أسرار سلوك الإنسان وما أعطي من ارادات وإمكانات لتحقيق هذه الارادات، لأن هذه القدرات الكامنة في الإنسان يمكن أن لا تستثار، فتظل راكدة غير متحركة كما في الأمم التي تنزل عليها الذلة والمسكنة حين تفسد فطرتها، فيصير أبناؤها يجبون الحياة كما قال الله تعالى فيهم:
﴿ولتجدنهم أحرص الناس على حياة، ومن الذين أشركوا، يودّ أحدهم لو يعمَّر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمَّر﴾ (سورة البقرة: الآية 96).
وقد تثار فطرة التضحية من أجل مثل أعلى باطل، كما فعلت ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية، وكما فعلت جميع الأمم التي آمنت بفكرة التفوق العنصري، فأثارت روح التضحية في شعوبها من أجل العلوّ والاستكبار في الأرض. وقد لا تستخدم فطرة التضحية فتبقى خامدة كما هو شأن المستضعفين في الأرض اليوم الذين فسدت فطرهم وفقدوا روح التضحية.
ولهذا يدين القرآن هذين الصنفين من الناس، فيسمى الأول بالمستكبرين والآخر بالمستضعفين:
﴿الذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قالوا: فيم كنتم؟ قالوا: كنا مستضعفين في الأرض …﴾ (سورة النساء: الآية 97).
ويعتبر الإسلام ميتة هذين الصنفين جاهلية، بينما يعتبر من ضحّى لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله.
د- لوم فاقد الإرادة
كذلك من خصائص الإرادة أن يلام فاقدها دون أن يلام من يفقد القدرة، إذ يعذر من يفقد القدرة، ولا يعذر من يفقد الإرادة إلا في حالات سنبينها.
إن الكافر والمنافق يفقدان الإرادة - إرادة المثل الأعلى - فالكافر لا يريد الإيمان، ويعلن عدم إرادته. والمنافق يظهر أنه يريد الإيمان وهو لا يريده.
لهذا نجد القرآن الكريم يتهم الذين فقدوا الإرادة، ويعذر الذين فقدوا القدرة، ويذكرهم بخير إذا وجدت الإرادة فيهم، فيقول عن الذين فقدوا الإرادة:
﴿ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عُدة﴾ (سورة التوبة: 46).
فهؤلاء نفى الله عنهم الإرادة بل أدانهم في إرادتهم، كما قال تعالى:
﴿كلا بل تكذبون بالدين﴾ (سورة الانفطار: الآية 9).
وهنا نفى عنهم الإيمان بالدين وهو يتضمن نفي الإرادة عنهم.
ولكن نجد القرآن يعذر أصحاب الارادات الذين يفقدون القدرات:
﴿ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج، إذا نصحوا لله ورسوله، ما على المحسنين من سبيل، والله غفور رحيم﴾ (سورة التوبة: الآية 91).
وقد جاءت هذه الآية الكريمة بعد قوله تعالى:
﴿وجاء المعذَّرون من الأعراب ليؤذَنَ لهم، وقعد الذين كَذَبُوا الله ورسوله، سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم﴾ (سورة التوبة: الآية 90).
وهذه الآية تتحدث عن الذين فقدوا الإرادة، وكيف يدانون. وتتابع الآية الحديث عن الذين فقدوا القدرات:
﴿ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلتَ: لا أجد ما أحملكم عليه، تولَّوا وأعينُهم تفيضُ من الدمع حَزناً ألا يجدوا ما ينفقون. إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء، رضوا بأن يكونوا مع الخوالف، وطبع الله على قلوبهم، فهم لا يعلمون﴾ (سورة التوبة: الآيتان 92،93).
إن الضعفاء والمرضى والفقراء.. ليس إلى لومهم من سبيل إذ إرادتهم صادقة، أي إذا نصحوا الله ورسوله، فهؤلاء هم محسنون في إرادتهم، ويتمنون الجهاد بأنفسهم، لهذا تجدهم يبكون وتفيض أعينهم من الدمع … إن عبارة ﴿تفيض من الدمع﴾ تدل دلالة واضحة على صدق إرادتهم، إذ يبكون أسفاً لأنهم عاجزون عن الخروج، وإرادتهم صادقة، وكتب لهم الأجر، كأنهم خرجوا مع الرسول (ص)، ولهذا قال عنهم رسول الله (ص): (إن بالمدينة أقواماً ما قطعتم وادياً ولا سرتم سيراً إلا وهم معكم. قالوا: وهم بالمدينة؟ ! قال: نعم، حبسهم العذر).
إذن متى يعذر فاقد الإرادة؟
قلت عندما تحدثت عن أبوي الإرادة: إنهما عقل الإنسان والمثل الأعلى، وقد عرفنا أن العمل ل يوجد إلا إذا وجدت القدرة والإرادة، كذلك لا توجد الإرادة إلا إذا وجد العقل والمثل الأعلى، فإن فُقد أحدهما فُقدتِ الإرادة.
إن الذي فَقَد العقل معذور، وكما يقولون: إذا أخذ ما وهب أسقط ما أوجب. أما المثل الأعلى فهو بالنسبة إلى العقل - حسب الشرح السابق - كالرائحة الزكية بالنسبة للأنف. فإذا وُجد الأنف ولم توجد الرائحة الزكية، لا يحدث الإحساس ولا توجد الإرادة، وكذلك إذا وجدت الرائحة الزكية، ولم توجد حاسة الشم لا يحدث الإحساس ولا تحدث الإرادة.
وكذلك الإنسان إن لم يتيسر له أن يرى المثل الأعلى أو يفهمه، فهو أيضاً غير مؤاخذ لأنه ركناً أصيلاً أو فقد أحد الزوجين اللذين يتسببان في ولادة الإرادة.
﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا﴾ (سورة الإسراء: الآية 15).
لأن عدم رؤية المثل الأعلى، وعدم بلوغ الدين الحق عذر صحيح في فقد الإرادة:
﴿لا يكلف الله نفساً إلا وسعها﴾ (سورة البقرة: الآية 286).
فالذي لم يبلغه المثل الأعلى ليس مطلوباً منه أن يتمكن من إرادته، فكيف يريده.. وهو لم يره؟ !.
وحين أقول لم يره أريد: لم يره بعقله. وهذا قد يكون أمراً دقيقاً في تحديد: أهو لم ير فعلاً؟ أم أن درجة رؤيته غير كافية؟ وهذا كله يرجع إلى الله الذي لا تخفى عليه خافية، ولكننا نعلم أنه لا يعامل كالكافر حتى تقوم عليه الحجة، وحتى نقوم بالبلاغ المبين، وبعد ذلك نعامله على هذا الأساس فإن الله أعلم بما سيفعل به، أما نحن فلا ندري هل أخطأنا في تبليغه، أو بلغناه ما ليس كافياً لهدايته، فحن لا نكلف إلا ما نقدر عليه، وهو لا يكلف إلا ما يقدر عليه. ونحن نؤمن بأن الله ليس بظلام للعبيد:
﴿ونضع الموازين القسط ليوم القيامة، فلا تظلم نفس شيئاً، وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها. وكفى بنا حاسبين﴾ (سورة الأنبياء: الآية 47).
إن حاسة الشم ليس من مهمتها خلق الروائح الزكية، وإنما تنحصر مهمتها في الإحساس بالروائح الزكية إن وجدت. وكذلك العقل ليس مهمته خلق المثل العليا، ولكن مهمته إدراك أفضلية المثل الأعلى الجيد إن عرض عليه.
ولهذا نطمئن إلى اختيار من قال: إن العقل ليس كافياً لإيجاد المثل الأعلى، ولكنه كاف في قدرته على اختيار المثل الأعلى الصحيح إذا عرض عليه، ويكون العرض إما من آيات الكتاب، أو من آيات الآفاق والأنفس؛ وهذا هو ما تدل عليه الشريعة.
إن الله تعالى قال لآدم حين أهبطه:
﴿فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ (سورة البقرة: الآية 38). كما قال: ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا﴾ (سورة الإسراء: الآية 15).
ويوم القيامة يقول الله لصنف من الناس:
ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آياتنا؟ ﴾ (سورة الزمر: الآية 15)، ﴿ألم يأتكم نذير؟ ﴾ (سورة الملك: الآية 8)، ﴿أن تقولوا يوم القيامة ما جاءنا من بشير ولا نذير﴾ (سورة المائدة: الآية 19).
وعلى هذا جاء قوله تعالى أيضاً:
﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق﴾ (سورة فصلت: الآية 53).
وهذا كله من الدلائل على أن العقل ليس مكلفاً أن يكشف قبل أن يرى، ولكن عليه أن يميز إن رأى. وقد نختلف في أنه رأى، أو لم ير، أو هل ما رآه كاف لأن تثبت به الرؤية الملزمة؟ وهذا الاختلاف لا يضر، وليس هذا إهداراً لقيمة العقل، وإنما هو موضع العقل في مكانه الصحيح.
إن الذي يدرك دور النبوة في رقي إنسانية الإنسان هو المؤرخ الذي أدرك سير الأحداث، إذ ليس للعقل البشري أن يخلق الهدى بل يمكنه أن يختار الهدى السليم عندما يعرض عليه.
﴿فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي …﴾ (سورة البقرة: الآية 38).
فالهدى يتنزل من السماء يبلغه الأنبياء للناس، وبه ارتقت البشرية إنسانياً إلى الدرجة التي نراها اليوم، والتي لم تكن مشاهدة عند الإنسان القديم على الرغم من تماثل عقل إنسان اليوم من الناحية الفيزيولوجية مع الإنسان عبر التاريخ.
فعلينا أن ننفذ أمر القرآن فننظر كيف بدأ الخلق، وكيف صار الإنسان يفهم القيم وكيف كان قبل ذلك، بل كيف يعجز العقل عن أن يفهم الأمور التي لم يقترب منها، وكيف كان العقل الإنساني الأول بعيداً عن فهم الكهرباء؟ . ولكن بعد أن فهمها، صار نقل هذا الفهم إلى الأطفال الآن سهلاً، وكذلك الأمر في كشف المثل العليا الحقة.
وإلى الآن نرى كيف أن البشرية تحبو كالأطفال. وتعجز عن فهم أفضلية الصدق على الكذب، والعدل على الظلم، والقانون على الفوضى. قد يكون هناك قانون بين أفراد الدولة الواحدة، ولكن إلى الآن لم يمكن وضع قانون ملزم بين الأمم، بل لما يدخل في عقول كثير من الناس إمكانية ذلك.
وبحث هذا الموضوع وإعطاؤه حقه أمر هام. فمن عرف كيف بدأ الخلق؟ وكيف مر الإنسان بمنعطفات؟ وما القوانين التي كانت تسيطر على الإنسان حين مروره منها؟ وكيف أننا نعيش في عهد ظهرت لكثير من الناس إمكانية بل ضرورة أن يعيش العالم في ظل قانون واحد ومثل أعلى واحد، وقد توفر ذلك نظرياً منذ نزول قوله تعالى:
﴿اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً﴾ (سورة المائدة: الآية 3).
وكيف أن هذا كان إرهاصاً لعهد عالمي قد يضطر الناس فيه إلى توحيد مثلهم العليا، ولا يتم هذا إلا بنظرات جديدة. وإن على الأمم جميعاً أن تعمل للتكيف وفق آيات الله في الآفاق وفي الأنفس حتى تتمكن من العيش الأفضل الذي يليق بالإنسان ويليق بالإمكانات الكامنة فيه، وكما يقول إقبال:
(وفي الحق إن الطريقة التي استعمل بها القرآن لفظ الوحي، تبين أنه يعتبر الوحي صفة عامة من صفات الوجود، وإن كانت حقيقته وطبيعته تختلفان لاختلاف مراحل التدرج والتطور في الوجود. فالنبات الذي يزكو طليقاً في الفضاء، والحيوان الذي ينشئ به تطوره عضواً جديداً ليمكنه من التكيف مع بيئة جديدة، والإنسان المستلهم للنور من أعماق الوجود، كل أولئك أحوال من الوحي تختلف في طبيعتها وفقاً لحاجات مستقبل الوحي أو لحاجات نوعه الذي ينتمي إليه. وفي طفولة البشرية تتطور القوة الروحانية إلى ما أسميه (الوعي النبوي) وهو وسيلة للاقتصاد في التفكير الفردي والاختيار الشخصي، وذلك بتزويد الناس بأحكام واختيارات وأساليب للعمل أعدت من قبل.
ولكن الحياة أخذت بمولد العقل وظهور ملكة النقد والتمحيص تكبت - رعاية لمصلحتها - التكوين والنمو لأحوال المعرفة التي لا تعتمد على العقل، والتي فاضت القوى الروحانية خلالها في مرحلة مبكرة من مراحل تطور الإنسانية. والإنسان محكوم أساسياً بالعاطفة والغريزة. أما العقل الاستدلالي وهو وحده الذي يجعل الإنسان سيداً لبيئته فأمر كسبي؛ فإذا حصلناه مرة وجب أن نثبت دعائمه ونشد من أزره، وذلك بكبت أساليب المعرفة التي لا تعتمد عليه.. فإذا نظرنا إلى الأمر من هذه الزاوية، وجدنا أن نبي الإسلام يبدو أنه يقوم بين العالم القديم والعالم الحديث. فهو من العالم القديم باعتبار مصدر رسالته، وهو من العالم الحديث باعتبار الروح التي انطوت عليها.
فللحياة في نظره مصادر أخرى للمعرفة تلائم اتجاهها الجديد. ومولد الإسلام.. هو مولد العقل الاستدلالي.
إن النبوة في الإسلام لتبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة إلى إلغاء - ختم - النبوة نفسها. وهو أمر ينطوي على إدراكها العميق لاستحالة بقاء الوجود معتمداً إلى الأبد على مقود يقاد منه وأن الإنسان لكي يحصل كمال معرفته لنفسه ينبغي أن يترك ليعتمد في النهاية على وسائله هو.
إن إبطال الإسلام للرهبنة ووراثة الملك، ومناشدة القرآن للعقل وللتجربة على الدوام، وإصراره على أن النظر في الكون والوقوف على أخبار الأولين من مصادر المعرفة الإنسانية. كل ذلك صور مختلفة لفكرة انتهاء (ختم) النبوة.
والحق أن القرآن يعد الأنفس والآفاق مصادر للمعرفة، فالذات الإلهية ترينا آياتها في أنفسنا وفي العالم الخارجي على سواء. ولهذا وجب على الإنسان أن يحكم على كفاية كل ناحية من نواحي التجربة في إفادة العلم) محمد إقبال - تجديد التفكير الديني في الإسلام - ص 143 - 145 - القاهرة - مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر عام 1955.
ومما نستنتجه من كلام محمد إقبال:
أن الاعتبار بسير الماضين صار جزءاً حقيقياً من تقدم الإنسان.
نعود إلى عذر الإنسان: متى يعذر الإنسان إذا فقد الإرادة؟ لا يعذر الإنسان إذا فقد الإرادة مع وجود العقل والمثل الأعلى.. كما لا يعذر إذا لم يشم مع وجود حاسة الشم ووجود الروائح الزكية في دائرة الشم. وهنا موضوع آخر يحسن الإشارة إليه فالله تعالى يقول:
﴿إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ (سورة البقرة: الآية 62).
وإننا في الواقع نستطيع أن نقول: إن من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً من هؤلاء الطوائف فهو لا خوف عليه ولا هو يحزن، إن لم يتمكن من رؤية المثل الأعلى. فعلى قدر ما وصل إليه من الرائحة نقدر إرادته.
فكما أنّ على العقل أن يبحث، كذلك على الباحث أن يقدم ما وصل إليه الآخرين. ولهذا كان التبليغ من الواجبات المقدسة التي لم تعط الأهمية الكافية عند الناس، مع أن القرآن الكريم قد رفع من شأن البلاغ المبين وجعل كتمان العلم من كبائر الذنوب:
﴿إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب. أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون﴾ (سورة البقرة: الآية 159).
ولن تظهر فائدة الاكتشاف إلا بتعميمها. فالقراءة والكتابة قد كشفهما الناس من آلاف السنين. ولكن محو الأمية لا يزال مشكلة أمام البشر فضلاً عن محو الأمية في الأفكار. فهذه درجة أخرى غير محو أمية القراءة والكتابة؛ لهذا وصف الله الذين يقرؤون ويكتبون دون أن تتسع مداركهم الفكرية بأنهم لا يعلمون الكتاب إلا أماني، أي تلاوة فقط.
ولما كان من فطرة العقل قبول المثل الأعلى إذا عرض عليه فقد منع الإسلام الإكراه في الدين:
﴿إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي..﴾ (سورة البقرة: الآية 256).
ولتدارك ما يمكن أن يعرض لهذا الموضوع من شبهات أقول:
إن أكثر المعرضين يعرضون لعدم رؤية المثل الأعلى أصلاً أو لعدم رؤيته بوضوح كاف: ﴿بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون﴾ (سورة الأنبياء: الآية 24).
وهذا يتصل بآخر سورة الفاتحة في تقسيم الناس إلى: المنعم عليهم، والمغضوب عليهم، والضالين. وهم بالتتالي: الذين تبين لهم الحق واتبعوه، والذين تبين لهم الحق ورفضوه، والذين لم تبين لهم الحق.
فإذا استطاع الذي عرف الطريق أن يبين للضالين الطريق الصحيح، فإن أكثرهم سيمشون مع الحق، بل قد تستغرب أن يتخلف منهم أحد، ولكن من إكرام الله للإنسان أنه أعطاه قدرة على ترك الحق أيضاً بعد أن تبين له حتى لا يكون مجبراً لا اختيار له في قبول الحق أيضاً.
لهذا أرى أن البلاغ المبين هو أول وأقوى دعائم قيام الحق على الأرض. فإذا رفعنا الكتمان، وأقمنا البلاغ المبين، صار لأكثر الناس القدرة على ترجيح ميزان الحق. وبمقدار ما يؤكد الله على نشر الحق يقف أهل الباطل في وجه نشر الحق وبيانه للناس. كما أرى ضرورة قيام أهل الحق بعملية مسح للبشرية لا يصال المثل الأعلى الحق إليهم:
﴿ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حيّ عن بينة ص (سورة الأنفال: الآية 42).
إن عدم وضوح هذه القضية بما تستحق من أهمية، جعل المسلم يزهد في واجب البلاغ ولا يصبر في معركته وينسحب من هذه المعركة ليهيئ نفسه لمعركة أخرى (كتغيير الأوضاع بالعنف). وهذه هي النقطة التي يبدأ فيها المسلم بدخول التيه وهو يقصد اختصار الطريق، فيترك طريقاً بينة موصلة، ليسلك طريقاً لا تعلم نتائجها. وهذا هو ترك السبيل السهلة القليلة التكاليف الكثيرة النتائج والبركات إلى سبيل وعرة كثيرة العقبات قليلة النتائج.
إن الثبات في معركة البلاغ المبين لا يسبب خسائر. وحتى خسائره مرابح، بينما الطريق التي يظنها الإنسان سهلة قريبة فإنها تؤدي إلى البعد والتيه.
أليس من العجب أن نزعم أن هذا الذي استصعب السير على الطريق السوية السهلة (طريق البلاغ المبين) وانسحب منها استصعاباً لها، سوف يقدر على السير في الطريق الوعرة المظلمة!! هذا خداع النفس.. إلا أن الموضوع لا يزال غامضاً لم ينل ما يكفي من الوضوح والبيان. فكيف يُصدق من استصعب السير في السهل أنه سوف ينجح في السير في الوعر؟ !
إن معرفة فطرة الإنسان ودين الفطرة وإزالة الحواجز بينهما تجعل الإنسان الفطري يقبل دين الفطرة.
قد يقول المسلم الذي لم ير هذه الحقيقة جيداً: إنه لا يمكنه رفع الحواجز بين فطرة الإنسان ودين الفطرة أو لا يُمكَّن من ذلك، فلابد من بذل جهد كبير لكشف هذه النظرات المعيقة لسلوك طريق الحق ولبيان سهولته. هنا نحن في حاجة إلى شيء من التأني لتنبيه المسلم إلى فكرة أخرى في هذا الموضوع وهي قانون من قوانين الله في الكون. ومضمون هذا القانون (عمل المستطاع الآن، يجعل ما ليس مستطاعاً الآن مستطاعاً في المستقبل).
ويحتج بعض الناس بقوله تعالى: ﴿لا يكلف الله نفساً إلا وسعها﴾ (سورة البقرة: الآية 286)، ويجدون فيها مبرراً للتهرب من المسؤولية، ولا يفطنون إلى مضمونها من التكليف. فالإنسان إذا ملأ يومه بالعمل بما في وسعه فإن غده سيعطيه وسعاً جديداً وهذا أوضح ما يكون في طلب العلم. إن تعلمك اليوم ما تستطيع تعلمه يمكّنك غداً من فهم ما لم تستطع فهمه اليوم، لأن العلم درجت لا يكن الوصول إلى فهم فكرة ما إلا بتحصيل التي قبلها. وكما يقال: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فكذلك ما لا يتم العلم إلا به فواجب تعلمه قبل ذلك.
والإنسان يستطيع اليوم أن يفهم العتبة الأولى من العلم، وهذا يمكنه من طلب العتبة الثانية والثانية تمكن من الثالثة … وهكذا … فما هو مستحيل اليوم ينبغي أن لا يبقى مستحيلاً، وإنما ينبغي أن يصير مستطاعاً وأن تتجاوزه الاستطاعة، وهذه القاعدة ينبغي أن نفهمها، فإذا فهمناها فهمنا مشكلة العالم الإسلامي القاعد وعليه الآصار والأغلال، يردد أغنية العجز الخالدة (ما يطلع بأيدينا شيء). وهذا حاجز سحري شل المسلم ومنعه من تأدية واجبه المستطاع، وإن رفع هذا الحاجز يجعله إنساناً سوياً يمارس عمله بشكل ينميه. والذين يقرؤون لمالك بن نبي، يعرفون مصطلح (القابلية للاستعمار) الذي ضمنه في كثير من بحوثه، وهو حينما يبحث مشكلة العالم الإسلامي يذكر الاستعمار والقابلية للاستعمار ويعطي الثقل للقابلية للاستعمار حين يفسر سبب تخلف العالم الإسلامي.
وحين يقول: (ما يطلع بيدي شيء) فهو صادق وكاذب فلي آن واحد، فهو صادق لأنه يرى عجزه عن أمور لا قدرة له عليها. فهو فعلاً لا يستطيع ما يريده، ولكن الذي يكذب فيه ليس كذباً في الواقع، لأنه جهل الارتباط الموجود بين مت يستطيع اليوم يصير غداً مستطيعاً لما لم يكن يستطيعه …
والآن.. أقول: يعذر فاقد الإرادة إن لم يحدث لديه اتصال بين العقل والمثل الأعلى، وبما أن المثل الأعلى والعقل موجودان فينبغي أن نقوم بعملية الوصل أو رفع الحاجز بين الزوجين اللذين يلدان الإرادة، ويتم ذلك بالبلاغ المبين وعدم كتمان الحق وهو ما يستطيعه كل أحد في مستواه، ولا يكون الجمع بين العقل والمثل الأعلى بالإكراه، لأنه لا إكراه في الدين، كما لا إكراه في الزواج، كذلك لا إكراه في الحكم. وإن جهلنا لطبيعة هذه العلاقة أدى بنا إلى التطلع إلى علاقات غير سوية وغير مشروعة مثل الاغتصاب والاغتصاب سفاح وليس نكاحاً.
والذين يمارسون هذا الأسلوب هم الذين لا يسيرون في الطريق السوية وهم المرفوضون كشركاء في العقد الاجتماعي، وإنه لمخجل حقاً أن نقع في مثل هذا.
وإذا طبقنا هذا على قاعدتنا التي تقول: (عمل ما نستطيعه الآن يوصلنا إلى ما لم نكن نستطيعه) فإننا نقول: إننا لم نقبل أن نعمل ما نستطيع عمله. لما رفضنا عمل ما نستطيعه رفض أن يدخلا بيتنا ما لا نستطيعه، وإن كنا نريده. وكان الطريق الصحيح لجعل غير الممكن ممكناً، هو عمل الممكن اليوم ليدخل إلى دائرة إمكانياتنا غير الممكن، وهو لا يدخل إلا إذا أنجز الممكن الذي لم نفعله بعد.
بحثنا أهمية البلاغ المبين في عملية الزواج بين العقل والمثل الأعلى لنحصل على مولود الإرادة التي سنحتاج إليها في عملية زواج أخرى مع القدرة لولادة العمل الصالح الناجح والمقبول.
فإذا عرفنا العلاقة الفطرية بين العقل والمثل الأعلى تبرز أهمية البلاغ المبين؛ فنعرف لماذا: ﴿أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً﴾ (سورة آل عمران: الآية 187).
إن عدم قيامنا بمهمة البلاغ المبين يمثل تماماً زهدنا وعدم تقديرنا لقيمة البيان وعدم الكتمان، وأننا لا نقومه إلا بثمن قليل نبيعه ونتنازل عنه بأتفه الأثمان!! وكم نحن عاجزون أن نرفع من أهمية البلاغ إلى المقام الجليل الذي وضعه الله فيه حين قال:
﴿بلَّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس﴾ (سورة المائدة: الآية 67).
وليست العصمة للمبلغ فقط، وإنما هي عصمة للدعوة وللجماعة.
فالتزام التبليغ حماية للدعوة وعصمة لها من الانحراف والمطاردات والتهم، وما أشد واقعية كلمة ﴿يعصمك من الناس﴾ (سورة المائدة: الآية 67).
إن البلاغ فيه عصمة المبلغ أيضاً إذا فطنا إليه.. لكننا زهدنا فيه، وتطلعنا إلى شيء آخر رفعناه إلى مقام أعلى من مقام البلاغ. وهذا ما سبق أن بينته في كتاب (مذهب ابن آدم الأول. أو: مشكلة العنف في العمل الإسلامي).
إن سفينة النجاة عند الغرق في طوفان الفوضى هي البلاغ المبين …
﴿قل إني لن يجيرني من الله أحد، ولن أجد من دونه ملتحداً إلا بلاغاً من الله ورسالاته..﴾ (سورة الجن: الآية 23).
ولن تجد إلا البلاغ ملجأ تلجأ إليه ويعصمك من الناس، ويجعل لك القوة والمناعة والقدرة على شق الصخر بهذا الطرف اللين الذي تحمله على رأس جذورك كما تفعل جذور النباتات في شقها الصخر. وإن كلماتك ستتغلغل في الأعماق، ولن تجد من دونه ملتحداً إلا بلاغ كلمات الله ورسالاته.. وفي هذا كلمة عمر بن الخطاب لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما: (الزم العدل.. فإنه وإن رؤي ليناً أقمع للباطل).
وشرط نجاح البلاغ المبين أن لا يلجأ صاحبه إلى امتشاق الحسام لفرضه بالقوة.
أما ما يهدد الله به كاتمي ما أنزل من البينات، فلا نجد تهديداً مثله حتى ولا لتارك الصلاة …
﴿إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا، فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم﴾ (سورة البقرة: الآيتان 159،160)، … ﴿إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً. أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار. ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار! ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق …﴾ (سورة البقرة: الآيات 174 - 176).
والكتمان هو: عدم إيصال الخبر، والثمن القليل: أن لا نقدر أهمية هذا الشيء، والنتيجة نار في البطون في اليوم الآخر، وشراء الضلالة بالهدى في الدنيا. وإنه لعجب من صبرهم على النتائج النارية في الدنيا والآخرة من جراء الكتمان.
وبمقدار ما يُحذِّر الله من الكتمان، ويهول من نتائجه في الدنيا والآخرة، يمكن أن نرى نتائج البلاغ المبين..
إن هذا الموضوع ينتظر من يوضحه من الذين كشفوا فطرة الإنسان والمثل الأعلى وعرفوا ما سينتج من ذرية - نتائج - طيبة من العمل الصالح. وإن الذين يفهمون تاريخ البشرية يعرفون أن الأعمال العظيمة كانت نتيجة التزاوج الكريم بين العقل والمثل الأعلى بوساطة البلاغ المبين؛ إن هؤلاء سيقرؤون الآيات السابقة ويفهمونها فهماً جديداً.
وهنا أرجو أن يتأمل المسلم حواليه ليرى نتائج الأحداث المؤلمة من جراء سلوك الطرق الملتوية، وكيف أن هذه النتائج تدعو إلى الغثيان والتقزز. والذي أرجوه أيضاً أن يتمكن المسلم من فهم أن سلوكه هذه الطرق غير السوية سوف لا ينتج له إلا ما أنتجه الذين سلكوا قبله هذه الطرق. والمثل الأكثر صدقاً: أن من لا يعتبر، يقع في ما وقع فيه من قبله … وأرجو الله أن يحمي المسلمين من الزلل.
بحثنا فيما سبق عن أبوي الإرادة، وقلنا: إنهما المثل الأعلى والعقل، ولكن من أين يأتي المثل الأعلى والعقل؟ .
يمكن القول: إن العقل مرتبط بالمادة بطريقة لم يتوصل العلم إليها بعد، وهذا ليس أمراً مهماً، بل المهم أن نجعل العقل يؤدي وظيفته على أتم شكل.. فنحن لا نعلم كيف؟ ولا متى بدأ نفخ الفكر في المادة؟
﴿ثم سواه ونفخ فيه من روحه. وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة..﴾ (سورة السجدة: الآية 9).
ولكننا نعلم أن من فطرة العقل إدراك العلاقة بين شيئين، (يمكن استخدام كلمة (الفطرة) لصفات الإنسان، واستخدام كلمة (طبيعة) لصفات لمادة) وحينما نخرج من المادة والفكر لا يبقى عندنا - على اعتبار أننا مسلمون - إلا (الله) الذي ليس كمثله شيء، الواحد الأحد الذي ﴿لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد﴾ (سورة الإخلاص: الآيتان 3،4)
لهذا يتوجه الفكر إلى المخلوق لأن له نظائر وأمثالاً، وبإدراك العلائق بينهما يكشف العقل سنن الأشياء ويتوجه الذكر للخالق، لأن الفكر لا يعمل فيما لا مثيل له، إذ الفكر كله مقارنات الأشباه بالنظائر وهذا لا يتم إلا في المخلوق. أما الذكر فهو شكر وحمد على النعم، وتقديس وتنزيه للخالق، بينما المخلوقات مسخرات على سنن يعمل الفكر فيها.
وهنا نعرض للخصائص التي نكشفها ولا نخلقها، سواء خصائص المادة أو خصائص العقل، فمن خصائص العقل: الفكر والذِّكر. الفكر في المخلوقات لتسخيرها والذكر للخالق لشكره. وهذه الخصائص لم نصنعها نحن، ولكن نكشفها، والإنسان العاقل لا يستوي أمره إلا إذا وضع الكون موضع التسخير، ووقف من الله موقف العبادة وتعامل مع الناس بالعدل والإحسان. فلا يجوز أن نضع الكون مكان الله ولا أن ننزل بالله إلى مرتبة الكائنات.. ولا أن يظلم بعضنا بعضاً. وما معنى لا يجوز؟
معناه: لا يتم ولا يضيء مصباح الإنسان إلا إذا عبد الله وسخر الكون، وعدل مع الناس. فلا يتكبر على الله، ولا يتعبد للكون، ولا يتظالم مع البشر … وإلا نزل به العقاب الصارم.
ويتحدث الكسيس كارل عن هذا في كتابه (تأملات في سلوك الإنسان) أو (الحضارة الحديثة في الميزان).
مع ملاحظة أنه يضع قانون الطبيعة بدل مصطلح سنة الله ويقول...
(القوانين الطبيعية عامة وصارمة.. لا يستطيع أحد أن يعصيها ثم ينجو من العقاب في أي بلد كان وهي لا تنذر من يخالفها. والعقاب هنا صامت صمت الأمر نفسه) الكسيس كارل، ترجمة محمد القصاص، تأملات في سلوك الإنسان، ص 23، القاهرة، مكتبة مصر.
(والأخلاق الدينية تفرض قواعد لا تختلف في شيء عن القواعد التي أرادتها الحياة نفسها. لذلك يجب اعتبار التحرر من كل نظام أخلاقي مساوياً لعصيان القوانين الطبيعية، وقد ردت الحياة - كما نعرف - على هذا العصيان بابتعادها عنا، وكان ردها صامتاً وقاسياً في آن واحد وقد شعر ذوو البصيرة بالخطر).
(والأمم والأجناس التي لم تعرف كيف تميز بن الحلال والحرام تتحطم في الكوارث والتحلل والموت. وهذا عقاب آلي بحت، فإن الفناء مصير أولئك الذين ينتهكون القوانين الطبيعية..
وهذا الرد المحتوم من جانب الحياة على أخطاء الإنسان يفسر ما نحن فيه من ضروب الشقاء: فمرض الحضارة ومرض الحرب العالمية نتيجتان حتميتان لانتهاك حرمة القوانين الطبيعية، إذ لا يستطيع كائن ما أن يمنع الحياة من متابعة اتجاهاتها الجوهرية دون أن يحل به العقاب)، كما يقول: (… وحب الأم قصير الأجل لدى الكلاب، وأطول منه بكثير لدى القردة، أما عند الإنسان فإنه لا ينقطع قط، وذلك لأن صغير الإنسان في حاجة إلى أن يُحَبَّ. والأم في حاجة إلى أن يُحبَّ.. ولاشك في أن الأبوين اللذين ينجحان في تربية أطفال صالحين، يشعران في نهاية حياتهما أنهما أدّيا رسالتهما على الوجه الأكمل مهما كانت مدة حياتهما وصغر شأنهما. وهما يشعران في مرض شيخوختهما أنهما قد كوفئا بالبهجة والهدوء اللذين تكافئ بهما الطبيعة كل من أطاعها تمام الطاعة).
(الأمومة رسالة المرأة الطبيعية، وهي رسالة لا تستطيع التخلي عنها دون الوقوع في خطر.. إذ أن الخلل العصبي والعقلي هو الثمن الذي يتحتم عليها دفعه إذا حالت ظروف الحياة أو إرادتها الخاصة بينها وبين أدائها لوظيفة الأمومة …).
إن قوانين الإيمان وأوامر الشريعة ونواهيها مثل قوانين الفيزياء والكيمياء، ليس لنا من الحرية أن نخالفها إلا كما لنا من الحرية أن نقذف بأنفسنا من علو مئة متر … متحدين القوانين الفيزيائية، أو شرب السم متحدين القوانين الكيميائية …
نحن نستطيع أن نفعل هذا , وتستطيع الأم منع نفسها من أداء وظيفة الأمومة، ويستطيع الولد عقوق الوالدين، وانتهاك سائر حرمات الله. ولكن بعد ذلك لا يبقى لنا من الحرية في منع نتائج هذه المخالفات، إلا كما يبقى لنا من الحرية في منع نتائج السقوط بعد أن نقذف بأنفسنا من علو شاهق. وهذا ما جعل كارل يقول عن صرامة قانون الحياة: (إذ لا يستطيع كائن ما أن يمنع الحياة من متابعة اتجاهاتها الجوهرية دون أن يحل به العقاب).
ولكل الذين يريدون أن يروا هذه الآيات في الآفاق والأنفس القدرة على رؤيتها بالقوة نفسها وبالتفاوت نفسه في رؤية قوانين الفيزياء والكيمياء.. فلقد كانت قوانين الكيمياء غامضة كالسحر عند الناس يوماً ما. ولكنها صارت دقيقة وواضحة.
إن قوانين الأخلاق قد تبدو غامضة لنا اليوم في بعض أجزائها ولكنها قوانين ثابتة وصحيحة. فقانون: (أن يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه) وقانون (الامتناع عن الغيبة والنميمة والحسد) قوانين أخلاقية اجتماعية، كقانون (تأكسد الحديد وفساده) في مجال الطبيعة.