الفصل الثاني: الخوف من المعرفة
من Jawdat Said
الخوف من المعرفة
بدايات التفكير بـ (كن كابن آدم):
منذ زمن بعيد كان يخطر لي أن أكتب لكتاب (مذهب ابن آدم الأول) جزءاً ثانياً، ولعل الموضوع لم يكن لينتهي لو أنني كتبت جزءاً ثانياً في ذلك الوقت، ولشعرت الآن أن علي أن أكتب جزءاً ثالثاً.
حين كتبت كتاب (مذهب ابن آدم الأول) قبل ثلاثين سنة؛ كنت أشعر أنني لم أتمكن من إيضاح الموضوع، وأن ذلك بعيد المنال، ومع ذلك شعرت في حينها بضرورة أن أسجل الأفكار المتوافرة وأنشرها بسرعة، ولعل الهاجس الذي كان يحثني على نشرها على الرغم من علاّتها، هو خوفي من أن أضيع تحت أرجل الفتن دون أن أسجل رأيي في هذا الموضوع، ولأجل هذا عَقَدْتُ فصلاً في الكتاب بعنوان: (للإعلان وليس للإقناع)، وفي عام 1990 دعيت إلى إمارة الشارقة في الخليج لأتحدث عن مذهب ابن آدم الأول، وهناك قال لي محمد سالم القاسمي، وهو الشخص الذي دعاني: لقد آن الأوان كي تكتب من جديد كتاباً لا يهدف إلى الإعلان فقط، بل للإقناع أيضاً.
ومع أن نفسي كانت تراودني لأكتب، ولكن لم أكن لأبدأ في التنفيذ، وقد كتبت بعض الأفكار، ولكنها لم تصل إلى حد إخراج كتاب كامل في هذا الموضوع.
لقد طالبني الكثيرون ممن يعرفونني، ويعرفون هاجسي، بالكتابة في هذا الموضوع وبتنفيذ هذا الهاجس، وكان منهم الكاتب عبد الحليم أبو شقة، وأختي ليلى، وغيرهما كثير، وكنت أشعر بصحة طلبهم، ولكن لم يكن الأمر ليصل إلى درجة التنفيذ، وذلك لعوائق التطلع إلى النضج والتكامل.
وفي عام 1995 ألحت عليَّ أختي ليلى أن أزورهم في كندا، وكنت قبل ذلك قد رفضت طلبها مراراً، ولكنني في هذه المرّة وافقت كي لا أصدمها برفض طلبها وإلحاحها الشديد وغير العادي، وكأنها أشعرتني أن الأمر سيبقى في قلبها إن رفضت الزيارة، فقبلت وأنا غير مقتنع بجدوى هذه الزيارة.
كانت ترى أن الفرصة مواتية، وأنها قد لا تتوافر بسهولة مرّة أخرى، إذ لا توجد موانع ملحة ومعقولة تحول دون تحقيق الزيارة، وكانت تقول لي: ربما تتمكن هناك من كتابة الجزء الثاني لكتاب (مذهب ابن آدم الأول)، الذي طال عليه الأمد ولم يتحقق بعد.
وفي النهاية غادرت دمشق إلى كندا برفقتها، ومررنا بعمّان وأقمنا فيها خمسة أيام كانت حافلة بالحديث عن مذهب ابن آدم، ثم أخذنا طريقنا إلى كندا التي بقيت فيها من تاريخ 4/7 إلى 17/8/1995م، والتقينا الناس هناك، وزرنا الولايات المتحدة خلال هذه المدة وعدنا منها، وفي يوم الثلاثاء جمعت لي الأوراق وقالت: ينبغي أن تكتب، فوعدتها أن أبدأ في صباح اليوم التالي، ولكنني لم أكن أدري كيف سأبدأ الكتابة.
استيقظت في الساعة الثالثة صباحاً وأنا أفكر في هذا الموضوع الإنساني الكبير، محاولاً إبراز أهمية موقف ابن آدم الذي رفض الدخول في مغامرة العنف.