النسبية في الحياة الإنسانية
من Jawdat Said
ينبغي الانطلاق من أرضية بدهية، من درجة حرارة مناسبة، فالماء الدافئ في البلاد الباردة حق عند الجميع، والماء البارد حق ونافع عند الجميع في البلاد الحارة، ولا يمكن أن تستمر حياة الناس إلا ضمن درجة معينة من الحرارة، فهل نستطيع أن نفهم بقية مشكلات الإنسان ضمن درجات معينة؟
لا يمكن أن يعيش مجتمع بدون قوانين، ولكن ما هي الدرجة المناسبة للقوانين؟ وكيف يتم تكيف المجتمع مع درجة حرارة أو برودة القوانين؟
نعم يوجد حق وإن حصل اشتباه في بعض اللحظات، ولا يستوي الماء البارد تحت (الدش) مع الماء الدافئ، ومن أنكر هذا ينقطع الحديث معه مهما تفلسف، ولكن المشكلة هي أن الناس لا يتمكنون من إيجاد الماء الدافئ، والرسول (ص) يقول: « اللهم اجعل حبك أحب إلى من الماء البارد » (1)، ولكن الإنسان الذي يعيش في البلاد الباردة يقول: اللهم اجعل ذكرك أحب إليَّ من الماء الساخن، ولكن لكل منهما حدود، ودرجة بدء، ودرجة نهاية، وعتبة عليا وعتبة دنيا، لا يمكن العيش خارج هذه الحدود: (وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ، وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ، وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ) فاطر: 35/21، (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ) فصلت: 41/34، ولا النافع ولا الضار، والناس يتحملون بعض الأضرار والمشقات للحصول على المنافع الكثيرة، والقانون الكوني لصالح الأكثر دواماً في الوجود، لصالح الخير والأبقى.
لا بد من كشف ذلك في الوجود، وإلا سيعيش الإنسان العبث والقرف واللامبالاة، وسيتحول إلى الهدم والانفجار الذي لا سيطرة عليه.
انظروا إلى الماضي، وانتظروا المستقبل، فالوجود ليس عبثاً، والعبث لا يدفع إلى الحركة ولا إلى النماء، والتاريخ والوجود يسير بذاته، ولكن تدخل الإنسان يساهم في تعجيله، ويعمل على عدم تكرار الخطأ السابق.
نعم، يمكن أن نرى العالم كذباً ودجلاً وغدراً وخيانة ونذالة وحقارة، ولكن نستطيع أن نشاهد فيه أيضاً الصدق والوفاء والتعالي.