المنعطف الأخطر في تاريخ المسلمين

من Jawdat Said

مراجعة ١٣:٣٥، ٢٥ يوليو ٢٠٠٧ بواسطة Ziwar (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح, ابحث

جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))

هناك في تاريخ البشر منعطفات كبيرة، سواء كان ذلك سلباً أو إيجاباً يظل أثرها فعالاً لقرون طويلة، من هذه المنعطفات في تاريخ المسلمين الانقطاع عن عهد الراشدين والعودة إلى عالم آخر، يتحكم هذا الحدث في تاريخنا إلى هذا اليوم الذي نعيش فيه، ولإلقاء أضواء على هذا التحول وهذا الامتداد الطويل الأثر لهذا التحول، ينبغي أن نلاحظ الصدمة الكبيرة التي حدثت للمسلمين بهذا التحول، فهم قد عرفوا أنه حدث تحول كبير في مسيرتهم، وأنهم أعادوا الهرقلية -إذا ذهب هرقل جاء هرقل- وأحسوا أن هذا الرشد الذي كانوا يعيشونه وفقدوه ليس ما يعيشه عالمهم المعاصر لهم المعروفين في ذلك الوقت على الأقل.

نستطيع أن نعطي ثلاث ملامح كبيرة. وَدّعوها إلى غير رجعة إلى يومنا هذا، هذه الملامح هي :

  1. مجيء الحكم بغير إكراه
  2. و أنه ليس وراثة
  3. الحكم بالعدل بين الناس

و يمكن أن نلاحظ على هذا الحدث الذي حول العالم الإسلامي إلى ما يمكن تسميته بالغّي إن المسلمين قاطبة لم يسموا أحداً من حكام المسلمين من تاريخ ذاك التحول إلى يومنا هذا أنه من الحكام الراشدين، و ما راود المسلمين من محاولة تسميته بخامس الخلفاء الراشدين لما اجتهد فيه الرجل بالحكم بالعدل، وذهب ولم يتمكن أن يغير أسلوب المجيء ولا وراثة الحكم، وميزة الخلفاء الراشدين الأربعة أنهم لم يأتوا بالإكراه والسيف، ولم يجعلوا الملك وراثة في أولادهم، وهذا شيء واضح المعالم لا يقبل الاشتباه فيه، وهذا الاسم الذي خصوا به هؤلاء الراشدين لعله من قوله تعالى (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها) فالدين الذي يأتي بالإكراه لا يكون ديناً، والحكم الذي يأتي بالإكراه لا يكون حكماً راشداً، وإنما غياً وبغياً وقبولاً بالطاغوت وشريعة الغاب، هذا الذي قلناه إلى الآن كان واضحاً لدى السابقين واللاحقين إلى يومنا هذا، ولكن الذي بقي خفياً هو كيف يعيدون الرشد بعد أن فقدوه بالإكراه وصار الشعار "الخليفة هذا وإن هلك هذا فالخليفة هذا ويشيرون إلى ابنه ومن رفض هذا فله هذا ويرفعون السيف" وسواء صدق هذا القول وقيل ذلك فعلاً أو لم يحدث قول ذلك، فإن التاريخ سجل أن هذا المضمون ظل ساري المفعول من غير خروج عنه ولو شذوذاً، بل أطبق الجميع على هذا الأسلوب الجديد الذي أطلق عليه بعضهم "الهرقلية"، ولما كان إمكان إعادته صار خفياً والواقع صار مربكاً واُتُخذ قرارٌ خطير جداً بإجماعٍ سُكوتي غير معلن، ولكن استبطنه الجميع بشكل أقوى من أي عقد أو عهد تعاهد عليه قوم من الأقوام، على أن من استطاع أن يعيد الرشد بالقوة وقصر في ذلك فقد بخع المسلمين، وأن هذا القرار أُودع في سويداء القلوب للأمة بأكملها، فانغرس في جيناتهم الثقافية، وربما القول السياسي الذي أطلق على مشكلة فلسطين من أنه لا يمكن أن يستعاد ما أخذ بالقوة بغير القوة، كان هذا القول استمراراً لتلك المعاهدة الضمنية التي عاهد الناس فيها أنفسهم.

فلهذا -حسب قانون ابن خلدون- لما مضى أربعة أجيال على حُكم الأمويين جاء العباسيون بالرايات السوداء ليرفعوا السيف، حتى لا يبقى على ظهرها أموياً، وهكذا توالت الأحداث كلما جاءت أمة لعنة أختها إلى يومنا هذا، ولا قدرة لنا على الخروج من هذا الخروج، كأنه يمكن أن يقضى على الخوارج بالخوارج، ويمكن أن نقول أن السابقين الذي حدث في عهدهم هذا الانفصال والتحول عن الرشد إلى الغي، يمكن أن نعذرهم حيث كان العالم جميعاً على أساس شريعة الغاب الحق هو القوة، من ملك القوة صار حقاً، و ليس عجيباً أن يخفى عليهم هذا وخاصة أنهم فسروا الحدث النبوي تفسيراً خوارقياً و ليس تغييراً سُننياً، وهذا منعطف آخر لم نستطع أن نتخلص منه إلى الآن أيضاً، إذن التفسير الخوارقي حسب نظر الذين فقدوا الرشد و الذين لا يعرفون إلى يومنا هذا طريقاً للعودة إلى الرشد هو الذي سيطر علينا، ولم يعد يمكن تصور ما جاء به الأنبياء من الخروج من شريعة الغاب أو من عبادة القوة، إن هؤلاء الذين كانوا يشعرون أنهم ابتعثوا لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد تحولوا إلى عبادة العباد فرجعوا إلى ما كان عليه العالم جميعاً في ذلك الوقت حيث كان الناس أمة واحدة، الناس جميعاً مستكبرين ومستضعفين، فجاء الأنبياء للقضاء على الاستكبار و الاستضعاف معاً ليكون الناس أمام كلمة سواء، ولكن البشرية إلى الآن ترفض كلمة السواء بما فيه العالم الذي يمثل الحداثة، وحتى المسلمون لن يقبلوا أن يفيضوا من حيث أفاض الناس، إنهم ينبغي أن يعطوا لأنفسهم خصوصية، وهذا ربما منعطف ثالث للانهيار الذي ننحدر إليه، ولكن آيات الآفاق والأنفس أرغمت بعض المجتمعات أن يكتشفوا الرشد بشكل سنني لا خوار قي، في هذا العصر الذي نعيش فيه نرى مجتمعات هم الذين يؤتون الملك من يشاؤون وينزعون الملك ممن يشاؤون، وليس ربهم الذي يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، وهذا بحاجة إلى تأويل وتوضيح، لعلنا نحاول أن نفعل ذلك مستقبلاً.

حتى المسلمون المعاصرون لما شاهدوا بأم أعينهم عودة الحكم الراشد أي الحكم الذي يأتي بغير إكراه ولا يصير ملكاً وراثياً في أبنائهم أو أسرهم بل حتى أنهم تمكنوا من إبقاء ملوكهم بعد أن تحولوا إلى رموز للتاريخ و هياكل للماضي وليس لهم الحكم وتحول مصدر الحكم إلى الناس حتى بعد أن رأى المسلمون هذه المشاهد التاريخية، لم يخطر في بالهم أن هذا هو الشيء الذي فقدوه ولم يعرفوا كيف يمكن إعادته فقد استعاده بعض الناس في التاريخ، وهذا من نور الله الذي يريد أن يطفئه الناس ولكن الله يأبى إلا أن يتم نوره، فإن علم الله في الإنسان من أنه سيتغلب على الفساد في الأرض وسفك الدماء الآن بدأ الإنسان يلمح شيئاً من هذا ويسير إليه مسوقاً ومضطراً بسوط العذاب الذي يؤدب به التاريخ الذين يتنكبون طريق العدل بين الناس، ليتحقق كرامة بني آدم حيث ينتسبون إلى آدم الذي تعلم من خطئه وتاب منه، فاستأهل أن يستخلف في الأرض ليتحقق علم الله في هذا الإنسان الذي يمكن أن يكشف السنن ويسخر ما في السماوات وما في الأرض جميعاً، إننا نعلم نقائص هؤلاء الذين تولد على أيديهم زوال الهرقلية، ولكن زوال الهرقلية بمعرفة سنن التاريخ وتعلم الإنسان من التاريخ، ومع كل عيوبهم فهم الذين يتحكمون في العالم غير الراشد، بل وصل بهم الأمر أن يصنعوا الآن الوحدة الأوربية بغير القوة و إنما بالإقناع وليس بالإكراه، وما يفعله هؤلاء أقرب إلى الله ورسوله وإلى العقلاء من الناس أكثر مما نفعله نحن ونعيشه من الخوف من بعضنا من خلال القرار الخطير الذي اتخذناه يوم فقدنا الرشد من أن ما أخذ بالقوة لا يمكن أن يستعاد إلا بالقوة، وإن اهتز هذا القول فأقر الجميع أن يستعيدوا ما أخذ بالقوة بغير القوة، ولكن علينا أن نتعلم أننا علينا أن نتغلب على خوفنا من بعضنا وهذا أشد من خوفنا من إسرائيل ومن أمريكا، بل إن هذين العدوين صارا مصدر أمن للعرب حتى لا يأكل بل يزدر بعضهم بعضاً، وهذا الوضع الذي لا يمكن أن ينكره أحد بل هو في أعماق سويداء القلوب، لأن من صارت له القوة ولم يوحد العرب والمسلمين يشعر بأنه خان الأمة أشد الخيانة، ولا مانع أن نستعيد هذه الوحدة ولو بالخيانة والغدر، هذا الذي تغلغل في نفوس العرب والمسلمين من ذاك اليوم الذي اتخذ فيه القرار الضمني من أن من أمكنه أن يستعيد الرشد بأي أسلوب كان ولم يفعل فقد خرج من الأمة، ولهذا نخاف من أن يصير أي بلد عربي أو مسلم قوياً لأن قوته أخطر علينا من أي قوةٍ على الأرض، وهم بالغريزة التي صُنعت بعد المنعطف الأخطر يفهمون هذا بكل الحس المرهف، ولهذا لا خوف من السلاح النووي الإسرائيلي ولا الأمريكي، وإن الخوف كل الخوف من أن يملكه أحد من العرب، إن هذا الخوف يعادل تمني الجميع أن يصلوا إليه، بل إن خوف أمريكا من إمكان اتحاد العرب بأي أسلوب كان سواء بالرشد أو بالغي يعتبرونه محك أمن مكانتهم في العالم، كيف يخرج العرب من هذه المعقدات؟ هذا ما نحاول أن نقتلعه بإبرة جلال الدين الرومي.