اللغة وحفظ التجارب

من Jawdat Said

اذهب إلى: تصفح, ابحث
كتب جودت سعيد

كن كابن آدم


Kunkabkadm.cover.gif
انقر هنا لتحميل الكتاب
مقدمة وتمهيد
المقدمة
تمهيد
الفصول
الفصل الأول: السلطة والمعرفة
الفصل الثاني: الخوف من المعرفة
الفصل الثالث: قراءتان للقرآن
الفصل الرابع: الغيرية والجنون الأعظم
الفصل الخامس: الإنسان والتاريخ
الفصل السادس: في دلالات آية الوحدة الأوروبية
الفصل السابع: مذهب الرشد، مذهب ابن آدم والأنبياء


لقد ضاعت التجارب حين لم يكن هناك وسائل لحفظها، ولم يكن الناس يستخدمون الضوء والصوت لحفظ هذه التجارب، ولم يكونوا يستخدمون أي وسيلة لذلك سوى دماغ الإنسان، والإنسان ينسى ويخطئ ويموت، ولذلك كانت التجارب تُنسى وتموت، ولكن حين استخدم الإنسان الكلام، ووضع الأسماء اللفظية ثم الكتابية صنع ذاكرة غير قابلة للموت، وإن كانت الوسيلتان (الصوت السمعي، والصورة البصرية) قابلتين للخطأ، ولكنهما في الوقت ذاته قابلتان للتصحيح وإكمال النقص، ومن هنا صار الكلام والكتابة وكل وسائل حفظ الصور الذهنية داخلة في مشكاة المعرفة، وكل أنواع الخطاب أصبحت محل دراسة في علم اللسانيات وعلم الدلالة والرمز.

كل هذه الأمور متصلة بعالم الأسماء وتطورها، إلى أن صار العلم منقولاً بالصوت والصورة، أي تمكن الناس من الاتصال مباشرة بدون واسطة عبر الصوت والصورة ن والصوت والصورة وإن كانا غير حقيقيين إلاّ أنهما قابلان للتصحيح بالنظر إلى العواقب النافعة.

نعود إلى العلاقة بين السلطة والمعرفة، بين العلم والعمل، وأيهما كان أولاً؟

في البدء كان العمل أولاً، ومنه نتج العلم وتراكمت المعرفة، ولأنه لابد من التعرف على العلوم والمعارف المتراكمة صار العلم أولاً، ولكن لازالت الأولوية للأعمال حين نريد أن نكسب علماً جديداً، لأن العمل هو مصدر زيادة العلم، ومن هنا كان قوله تعالى: (انظُرُوا) الأنعام: 6/11 إلى الماضي، و(انتَظِرُوا) هود 11/122 المستقبل، لأن علوم المستقبل إنما تثبت وتقبل بعد تطبيقها في الواقع والنظر إلى عواقب هذا التطبيق، وظهور العواقب قد يحتاج إلى زمن طويل.

أشعر أننا قد حددنا جدل وزوجية العلاقة بين العلم والعمل، وعرفنا سلطة العلم وسلطة العمل: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) الذاريات: 51/49، ولكن الزوجين خلقا من نفس واحدة، من العمل خلق العلم، والعلم بتراكمه حاز المرتبة الأولى، لأن معرفة الأعمال السابقة هي التي سميت علماً، أما معرفة المستقبل الذي لم يتحقق بعد ولم تر عواقبه فتسمى توقعاً أو فرضية أو خيالاً علمياً، ولا تسمى علماً.

ولتحديد العلاقة بين العلم والعمل يمكننا أن نستشهد بكلمة الرسول (ص): «المؤمن لا يلدغ من حجر واحد مرتين». هذه الجملة أو العبارة أو الخطاب أو الحديث، تقرر أسبقية التجربة على المعرفة، لأن الخطأ الذي يقع في تجربة لم تحدث من قبل لا ينفي الإيمان، ولا ينفي العلم، ولكن تكرار الخطأ الذي حدث سابقاً في عمل لاحق هو الذي ينفي العلم، وينفي الاستفادة من التجربة السابقة، أي أن هذه التجربة لم تصر علماً أو ذكراً، وقد حدثت في حين غفلة أو نسيان، ولكن ينبغي ألاّ يدفع ثمن التجربة مرتين، وهذا هو العلم والإيمان.

العلم أولاً في التجارب التي تحققت سابقاً، والعمل أولاً في التجارب التي لم تتحقق بعد، ومن هنا يمكننا أن نقول: العلم له أولوية باعتبار، والعمل له أولوية باعتبار آخر، والبحث في العلم، وإن كان متأخراً في الولادة، إلا أن له الأولوية للاستفادة من التجارب، وهكذا فالعلم له السلطان في الاستفادة من التجارب السابقة، والعمل له الأولوية والسلطان والحجة والبرهان في ولادة العلوم والمعارف الجديدة.

ومن هنا فإن الإنسان حين لا ينتبه إلى بدء الخلق؛ يعطي الأولوية للعلم على العمل، لأن العلم بما سبق صار ضرورياً، ومن هنا جاء الحث على العلم، وأخذ المرتبة الأولى، وقد صار له تاريخ ينبغي أن يحفظ ولا ينسى، ولذلك نجد أن البخاري مثلاً، عقد باباً في صحيحه فال: بابٌ: العلم قبل العمل.

ولكننا نجد أيضاً حثاً كبراً على العمل، فالعلم والإيمان في القرآن مقرونان دائماً بالعمل الصالح: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) مريم: 19/96.

حين يستقر العمل، وتستقر عواقبه يصير علماً، ويصير العمل تابعاً للعلم، وحين نفقد العلم نضطر إلى القيام بعمل يحتمل الخطأ والصواب، فإذا شهدت له الأحداث على المدة الطويلة فأعطى نتيجة (خير وأبقى) تحوّل إلى علم أيضاً.

العمل أولاً في بدء الخلق، والعلم أولاً في نقل نتيجة العمل، فهما زوجان، إلا أن العلم يخلق من العمل: (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا) الأعراف: 7/189، خلق العلم من العمل، فصارا زوجين ينتجان العمل الصالح.

مقدمة كتاب كن كابن آدم الفصل الأول: السلطة والمعرفة الفصل الثاني: الخوف من المعرفة
الاختصاص والمؤسسةالعلم والعملاللغة وحفظ التجاربهل السلطة هي المعرفةالسلطة والمعرفة في ضوء الشعور واللاشعورالسلطة وعلاقتها بقوة الجسد وقوة العلممفهوم التغيير كما يطرحه الأنبياءالنزاع الفكري والنزاع الجسديرحلة الارتقاء الإنسانيالأنبياء وحرية الفكرالشعور بالأمن والثقة بالأفكارإبراهيم وسقوط مرجعية الآباءالعدل وفصل معترك الأفكار عن معترك الأجسادالإسلام و(لا إكراه في الدين)لا طاعة في معصيةالإلهي السماوي والسفلي الأرضيالإيمان والظلمالإيمان ومذهب ابن آدم الأول