اللاعنف هو اللاإكراه

من Jawdat Said

اذهب إلى: تصفح, ابحث

جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))

اللاعنف هو اللاإكراه وهو الرشد وهو الديمقراطية.

كلمة الـ"لاإكراه" كلمة قرآنية وكذلك الرشد كلمة قرآنية مهما كان متألقاً أو باهتاً في المعنى المراد بدقة ولكن كلمة اللاعنف وكلمة الديمقراطية كلمات حضارية أو عصرية معاصرة مهما كان موغلاً في القدم إلا أن كلمة الديمقراطية كأي معنى يرمز له برمز فإن المعنى قابل للزيادة لأن نظام الكون كله يزداد يتوسع ويتعمق وإلى الأحسن والأنفع لأن الكون كله يحكمه قانون (الزبد يذهب جفاءً وما ينفع الناس يمكث في الأرض) والنسخ دائماً يكون للأكثر نفعاً والأدوم زمناً والأقل كلفة لأن قانون الزبد يمكن التعبير عنه بأسلوب آخر حسب المصطلحات القرآنية "الخير والأبقى" ما دام هو أكثر نفعاً أو أكثر خيراً وأدوم زمناً فهو الذي سيبقى ويمكث في الأرض والأخر يذهب وهو جفاء وينسخ لأن قانون (ما ننسخ من آية أو ننسها نأتي بخير منها أو مثلها) إذا كان الأكثر خيراً فهو حتماً سينسخ الأقل خيراً ونفعاً ولكن المماثل له حق البقاء.

والخيار بينهما يرجع إلى الأذواق وإذا كانت كلمة الديمقراطية يتطور معناها رسوخاً في العمق وامتداداً في السعة فإنها كذلك زيادة في النفع والخير ويمكن أن تساعدنا الكلمات الثلاثة الأخرى في إضاءة معنى الديمقراطية كيف ولدت وتطورت وكيف لا يزال لها مستقبل في التطور في النفع الأعم والأوسع والأعمق فإذا كانت كلمتا الـ"لاإكراه" و"الرشد" كلمات قرآنية راسخة إلا أن كلمة العنف واللاعنف لها رسوخ في ما نقل عن الرسول (ص) من "أن العنف ما كان في شيء إلا شانه ومن أن الرفق ما كان في شيء إلا زانه وإن الله ليعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف" وبهذا الاستخدام للعنف وتعميم أنه شائن في كل شيء وأن عكسه الرفق مزن لكل شيء يتصل به فعلى هذا الأساس نفى العنف ونفى الإكراه وإثبات الرشد معاني قرآنية وإسلامية وراسخة كالطود يتحدى الزمان والمكان التاريخ والجغرافيا.

وهذا الربط بين هذه الكلمات وربط معانيها بالإنسان وطبيعة الإنسان ومن أن استخراج أفضل ما بالإنسان يكون باللاإكراه باللاعنف وبالرشد لهذا يمكن أن نربط إلى هذه الكلمات الأربع الكلمة الخامسة التي عبر عنها ابن آدم في موقفه من أخيه الذي لجأ الى العنف بموقفه الرافض للدخول الى مواجهة العنف بالعنف فكأن لسان حاله يقول أنا خلق آخر أنا قابل للفهم والتفهيم وقابل للرؤية عواقب السلوك فإنه لما قال لأخيه العنيف (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي لأقتلك) كأنه بموقفه هذا يرد على تهمة الملائكة بان الانسان ليس مستأهلاً لأن يستخلف في الأرض لأنه مفسد فيها وسافك للدماء فهو رفض الفساد وسفك الدماء فكأنه رفض المواجه بالعضلات وما ناب عنها مهما صغر أو كبر إنه يقول أنا خرجت من ملة شريعة الغاب التي تحل فيها المشكلات بالعنف ودخلت إلى شريعة الإنسان التي يختار بها الإنسان الأسلوب الأنفع والحل بدون خسائر وكأنه يقول أبن آدم لأخيه: يمكن أن تقتلني ولكن لا يمكن أن تجعل مني قاتلاً.

وينبغي أن نفهم منه شيئاً أعمق أيضاً وهو يريد أن يجعل موته الذي هو لا محال قادم موتاً يساعد أخاه على أن يخرج من العنف ويكشف أنه ما كان في شيء إلا شانه وهو ما حدث فعلاً لأن خرافة الدفاع عن النفس لا يجعل العنيف نادماً وخاسراً بل يشعر انه أفهم وأقوى وأولى بالبقاء هذا حين يدافع عن نفسه أما حين لا يدخل في هذه اللعبة فسيشعر القاتل أو العنيف أنه وحده في الميدان وأنه ليس هناك منافس على له على العنف وهذا غامض في ثقافتنا وبعيد إدراكه وهذا الذي جعل الأنبياء في موقف الجنون واللاعقل والسحر ولكن تطور جنون العنف جعل جنون الرفق المرفوض قابلاً للفهم في هذا العصر الذي لم يعد يستطيع فيه الكبار الدخول إلى تبادل العنف وإذا دخل الصغار إلى العنف يحوله الكبار غير الراشدين الذين لا يتعاونون على الخير وإنما يتعاونون على الإثم فهذا اللامفكر فيه واللامعلن صار واقعاً عملياً وإن كان الناس لا يتحدثون عنه إلا لماماً وبشكل خجول وكأنه كشف الإنسان خطيئته ولكن ليست له الجرأة الكافية للاعتراف علنناً به ولكن لماذا نحن لا نعلن عن وفاة العنف وكيف أنه تفسخ وصار منتناً وقبيحاً ومرفوضاً رفضاً كلياً إن اللاإكراه والرشد واللاعنف بدأت تضرب أطنابها يتحقق علم الله في الإنسان الذي لم تستطع الملائكة أن تعلم مستقبل الإنسان ولا الجن أمكنهم أن يدركوا ذلك بل ترددوا وقالوا (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا) نعم باللاإكراه وباللاعنف "تبين الرشد من الغي" هذه هي كلمات القرآن ومثلهم في الإنجيل "من كان له أذنان للسمع فليسمع".

ولكن ما شأن الديمقراطية وهل لها صلة باللاعنف واللاإكراه والرشد وموقف ابن آدم في رفض الدخول في العنف وأنا هنا أشعر بامتعاض القارئ الذي لا يرى حلاً للمشكلات إلا بالعنف وانسداد الطرق الأخرى والحلول الأخرى التي لا يمكن أن يتصورها ولكن سأظل أقول له إن انحصار فهم العرب و المسلمين في البقاء في الحالة المنسوخة وعدم قدرتهم على فهم الوسائل والسبل الأخرى الأقرب والأسهل والأربح أنا لا أتحدث عن اللاعنف واللاإكراه والرشد والديمقراطية التي عند الآخرين ولكن حديثي كله أن يكون بين العرب لاعنف ولاإكراه ورشد وديمقراطية أريد فقط أن نولي وجوهنا الى واقعنا العربي الإسلامي والمستضعفين في الأرض أن نصنع السلام فيما بيننا قبل أن نفكر في صنع السلام مع الذين نسميهم أعدائنا لماذا لا نتحدث بجدية عن هذا الموضوع المشكلة ليست عند الاستعمار ولا الشيطان ولا إسرائيل ولا أمريكة المشكلة عندنا لا بل المشكلة عندي أنا بالذات الذي ينبغي أن أعلن كما أعلن القرآن (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) (وقل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد) (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل بما تصفون) وكما أعلن يحيى عليه السلام في الإنجيل "صوت صارخ في البرية ملكوت الله قادم هيئوا دروب الرب اجعلوا سبله مستقيمة لقد وضع الفأس في جذع الشجرة فكل شجرة لا تعطي ثمراً تقطع وتقذف بها في النار" والله حين يقول في القرآن (أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون) أتى علم الله في الإنسان فمن لم يصدق فليستخدم القنبلة النووية لن يتمكن أحد من استخدامها لقد استخدمت مرة واحدة ثم ماتت ومهما كانت جثته منتفخة يخيل إليهم أنها حية وباكستان والهند يمثلان خرشوف وكنيدي في كوبا كيف تراجعوا وكذلك ما يحدث الآن في كشمير على كل حال فمن لم يصدق ما أقوله فليستخدم القنبلة الذرية أو الهيدروجينية أوالنترونية أو أو… إلخ أو فليعد حرب الخليج الأولى التي استمرت ثماني سنوات عجاف لم يستفد إلا الذين نقول عنهم أعداؤنا وكان كيسنجر يقول: لمن قال ينبغي أن لا تكسب إيران الحرب يقول لا بل ينبغي أن يخسر الطرفان ولا يكون فيهم منتصر وقد كان. وإن كان في هذه الحرب من فائدة واعتبار فهي أن لا نعيدها ومن لم يكتفي بالحرب العالمية الإسلامية الأولى التي هي حرب الخليج الأولى فيعد الحرب العالمية العربية الثانية الحرب الخليجية الثانية ومن لم يصدق ويستفد من أن الحروب لا تفعل شيء إلا الخسران للأطراف جميعاً ومن لم يصدق فل يفعل مثلما يفعل الجزائر وكما يفعل الأفغان. يا ناس يا عالم يا بشر الله لا يريد ذبائح لا تفتروا على الله.

اصنع السلام مع أخيك. مَن مِن العرب سيقول لأخيه لإن بسط إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك وبذلك يكون قد قطع تسلسل العنف لأن الذي يمتنع عن الدفاع عن نفسه بالعنف سوف لن يكون أداة لأحد لا للقديم المغزو ولا للجديد الغازي فحين نكون مثل ابن آدم نكون قد حللنا المشكلة العربية وأخيراً ولن يكون أخيراً إذ سأعيد أتشبث بالسلام بين العرب أولاً وليس مع إسرائيل المنديل الأحمر الذي يحمله مصارع الثيران وهل أستطيع أن أختم مقالي هذا بالكشف أو البوح بسر أن الديمقراطية هو اللاعنف وهو اللاإكراه حيث لن تدخل الديمقراطية إلى قوم يؤمنون بأن العنف يحل المشكلات السياسية لا بد من دخول جميع الفرقاء في البلد الذي يمكن أن تولد فيه الديمقراطية إلى مذهب اللاعنف و اللاإكراه من كان له أذنان للسمع فليسمع إن في ذلك ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.