العدل وفصل معترك الأفكار عن معترك الأجساد
من Jawdat Said
أيها الناس! إنكم تحبون الوزن بالقسط والعدل ما دمتم مظلومين ومستضعفين، أما حين تصير لكم السيطرة والقوة؛ فسوف ترفضون كلمة السواء وكلمة التوحيد، ولا تقبلون أن يتساوى الناس جميعاً أمام كلمة السواء وميزان واحد.
امتحِنْ ذاتك، وستعرف انك لن تستطيع أن تكون عادلاً؛ إلا إذا فصلت معترك الأفكار عن معترك الأجساد باطمئنان، وقبلت قانون معترك الأفكار، ورفضت إدخال معترك الأجساد في معترك الأفكار.
ينبغي أن تصل إلى إيمان ابن آدم وموقفه، حتى يكون قولك مطابقاً لعملك، وإلا لن تكون صادقاً بادعائك قبول كلمة السواء، وادعائك انك فصلت معترك الأفكار عن معترك لأجساد، ولن نصدّق أنك فهمت الهدف والمغزى من قوله تعالى: (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) البروج: 85/8، كلاّ ولن نصدق أنك فهمت المغزى والهدف الذي جاء من اجله الأنبياء الذين قالوا: (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا) إبراهيم: 14/12، ولا الهدف والمغزى من قوله تعالى: (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ) الأنعام: 6/34.
إنك إن لم تصل إلى إيمان ابن آدم وفهمه، فانك لا تكون دخلت معترك الأفكار ولا ذقت قوانينها.
إن الأمور لازالت ملتبسة، حتى إننا لم نؤمن بعد بفعالية عالم الأفكار، ولم نشعر أننا نستطيع أن نربح معترك الأفكار، ولذلك فنحن منهزمون قبل أن ندخل إلى هذا المعترك، وبموجب هذه العقلية فإننا سنخنق الأفكار في مهدها، وسندفنها حيّة؛ متى صار لنا قوة وسلطان، ولن نصبر على أي فكر يخالفنا.
كم مرّة تكرر هذا في تاريخنا؟!!
ماذا يحدث لدعاة حرية الرأي.
ماذا يحدث لدعاة فكرة (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)؟
تأمل في قوله تعالى: (فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا) الأنعام: 6/34!
إذا كنت لا تصبر على التكذيب والأذية في معترك الأفكار، وتلجأ بدلاً عن ذلك إلى معترك الأجساد، فإنك بدل أن يتعمق دخولك إلى عالم الأفكار وتنحرف عنه.
لا تتحدث عن الأفكار حين تكون في معترك الأجساد، لأن الأفكار عندها لن يكون لها مكان في ميدان تتصارع فيه الأجساد، ولا يوجد أناس يلتزمون بمعترك الأفكار على أساس دائم وثابت واستراتيجي.
إن الذين ينجّرون إلى معارك الأجساد بالتحرشات والايذاءات، هؤلاء لم يتعمقوا في الإيمان بعالم الأفكار ولم يفهموه، لأن بالإمكان إخراجهم منه، هؤلاء الذين ليدهم استعداد للخروج من عالم الأفكار والوقوع في حبائل الغواية والإغواء؛ جدير بهم ألا ينجحوا في معترك الأفكار، وحتى وغن نجحوا في معارك الأجساد؛ فإنهم لن يستطيعوا أن يحيوا قوانين معترك الأفكار، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، هو فَقَدَ معترك الأفكار وانجرَّ إلى حمأة المعارك الجسدية، ولهذا لن يستطيع أن يحمي عالم الأفكار وقوانينه.
ولا يكفي مجرد الانتصار في معترك الأفكار بقانون الأفكار، وبدون إشراك معترك الجسد في الصراع، لأن لالتزام بالأفكار وقوانينها بعد ذلك يكون أصعب، وخاصة إذا كان هذا الأسلوب جديداً في عالم الفكر.
إن عهد دعوة الأنبياء لم يأت بعد، ولا تزال دعوتهم في رحم التاريخ، ولكنها ستولد، وستحيا، وسترى النور، ولكن علينا أن نعلم جيداً في أي وضع نحن الآن، وما هي الأمراض الخطيرة التي نحملها ولا تظهر إلا في حينها.
من هنا كان جواب موسى عليه السلام لبني إسرائيل حين استبطؤوا الفوز، وقد ذكر الله لنا هذا الحوار:
(قَالُوا: أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا، قَالَ: عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) الأعراف: 7/129، وقال الله تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) يونس: 10/14.
مقدمة كتاب كن كابن آدم | الفصل الأول: السلطة والمعرفة | الفصل الثاني: الخوف من المعرفة |
---|---|---|
الاختصاص والمؤسسة • العلم والعمل • اللغة وحفظ التجارب • هل السلطة هي المعرفة • السلطة والمعرفة في ضوء الشعور واللاشعور • السلطة وعلاقتها بقوة الجسد وقوة العلم • مفهوم التغيير كما يطرحه الأنبياء • النزاع الفكري والنزاع الجسدي • رحلة الارتقاء الإنساني • الأنبياء وحرية الفكر • الشعور بالأمن والثقة بالأفكار • إبراهيم وسقوط مرجعية الآباء • العدل وفصل معترك الأفكار عن معترك الأجساد • الإسلام و(لا إكراه في الدين) • لا طاعة في معصية • الإلهي السماوي والسفلي الأرضي • الإيمان والظلم • الإيمان ومذهب ابن آدم الأول |