العالم وعقيدة التشاؤم
من Jawdat Said
إن عقيدة الشؤم والتشاؤم واليأس تستولي على العالم هذه الإيمان، وأصبحت ثقافة الناس مبنية على الرؤية الظلامية، ولم يعد في الناس من يتبين الرشد الذي يتقدم شيئاً فشيئاً، والمنارات والعلامات التي تسطع في الليالي الحالكة، حتى لا ييأس الناس، وحتى يظلوا يحثون الخطأ سيراً نحو النور والرشاد.
لو قام قائم ووضع استبانة دقيقة لكشف مقدار من يعيش حالة اليأس والتشاؤم، ومقدار من يعيش حالة الأمل وعقيدة الإيمان ورؤية أن الكون يسير نحو الأنفع والأصلح والأرشد، لكان هذا الإحصاء دليلاً يوضح سبب عدم مشاركة كثير من الناس في السعي إلى الإصلاح، وسبب قعودهم حيارى يائسين متبلدين، يسخرون من الذين يسعون إلى الإصلاح.
كم هي مهمة هذه الدراسات في تسريع حركة التاريخ، وإيقاظ الناس ليكونوا من بناة العالم الأرشد بدأب ويقين.
ربنا أرنا مناسكنا، واهدنا سبلنا، وألهمنا رشدنا، لنُنشد أناشيد التسبيح، ولنحقق بسعينا علمك فينا، ونكون كالبنيان المرصوص، ولنطلع على عالم نورك الذي أخذت على نفسك عهد إتمامه، لنكون باعثي الأمل في القلوب ومطلعي النور في النفوس، ولنكون من الذين يسعى نورهم بين أيديهم.
ألا لنعد إلى بحث الرشاد.. من هو الكاتب الذي سيكتب عن الرشد والرشاد؟ من هو الذي سيزين في أعين الناس حال المجتمع والحكم الراشد؟ من ذا الذي سيكشف من جديد أن العالم مدفوع إلى الرشد، وأنه يتلمس الرشد؟
هل نستطيع أن نحمل نور الرشد؟ هل نستطيع أن نرى ملامح رشد إبراهيم عليه السلام؟
هل سيظهر سبيل الرشاد الذي دعا إليه ذلك الرجل الذي آمن ودعا قومه وقال لهم: (يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِي أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ) غافر: 40/38.
تُرى كيف ضاع الرشاد، وكيف نستعيده، وما الذي يصرفنا عن أن نتخذه سبيلاً.
لماذا وكيف ومتى ضيعنا الرشد، وكيف نستعيده، وكيف نرجع إليه؟
لقد سجل تاريخ العالم الإسلامي ضياع الرشد بكل دقة ووضوح، إنهم فقدوه في الفتن، فقدوه حين استيقظ الغي وبدأ يتلبس بالرشد، حين بدأ الإكراه في السياسة والحكم، عندها انسحب الرشد مأسوفاً عليه والقلوب تتسمر وتقول: مات الرشد، بل قتل واغتيل مأسوفاً عليه، ثم دفنوه سراً، وودعوه حسرة.
ومع الأسف الشديد فإن المسلمين لم يبحثوا هذا الموضوع بحثاً سننياً ونفسياً بشرياً، وبدلاً من ذلك بحثوه وفسروه غيبياً وخوارقياً، وجعلوه شاناً إلهياً، ولم يفهموه فهماً وجهدٍ من الناس، وحسبوه شاناً فوقياً، فوق سعي البشر وجهدهم.
كم هي كثيرة المشكلات التي نحن بحاجة إلى إصلاحها وحلها وإيضاحها، ومن المشكلات التي تراكمت ردُّ الأمور إلى الله وتحييد جهد البشر، هذه مشكلة إسلامية، وهي قبل ذلك مشكلة بشرية.