السلطة وعلاقتها بقوة الجسد وقوة العلم
من Jawdat Said
هل أستطيع أن أشكك بالعلم الذي نملكه؟ وهل يمكن أن يكون الكشف عن هذا العلم إلى هذه الدرجة من الصعوبة؟
إنكم أيها العلماء لم تستطيعوا أن تكشفوا قانون العلم، وقوة العلم، ولم تعتزوا به، ولم تعرفوا القوانين التي تحكم معركة العلم والفهم، ولم تتمكنوا من فصل قانون العلم وقوته، ولا زلتم تربطون قوة العلم بقوة الجسد.
هل يمكن لكم أن تمتلكوا قوة العلم حتى تحّلوا سلطان العلم؟
إنكم تخافون من قوة الجسد، ولذلك فجدير أن تُحرموا من السلطان حين تريدون أن تدخلوا في صراع مع الجسد وليس مع العلم وبقوانينه.
إن الخوف من قوة الجسد يملككم أيها العلماء، ولم تأخذ قوة الفهم والعلم مكانتها في أنفسكم، بل لم يوجد إلى الآن من يتوقف منكم، ولو للحظة واحدة، ليفكر بالقوة والسلطان القاهر الذي تملكه المعرفة: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ: إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) الممتحنة: 60/4، (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ، قَال: أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ، وَقَدْ هَدَانِ، وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا، وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً، أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ، وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً، فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ، وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ، نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ، إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) ثم ذكر أسماء سبعة عشر نبياً، وبعد ذلك يقول: (وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ، وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ، فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ، قُلْ: لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً، إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) الأنعام: 6/80-90.
كيف نعيد الحياة إلى الحوار الإبراهيمي؟ كيف نعيد الحياة إلى المنهج النبوي؟ كيف يمكن أن نَقْلب الوجود البشري في الفكر رأساً على عقب؟ وكيف نستطيع إحداث نقلة انقلابية في الحياة الاجتماعية مثل الانقلابات التي حدثت في علم الفلك، وعلم الحياة العضوية؟
كيف نستطيع أن نجعل فهم التاريخ الماضي الذي حدث للفلك، وهو انقلاب الأمور رأساً على عقب حين نُقضت نظرية مركزية الأرض للكون، وكانت الشمس دليلاً على صدق الله؟ (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) الفرقان: 25/45، دليلاً على إمكانية انقلاب الفهم في الشيء الذي نراه واضحاً، إذ ربما يكون خادعاً لقضية الشمس وعلاقتها بالأرض. كيف نقلب حركة القوة والعلم؟ فنحن لا نزال نظن أن العلم يدور حول القوة! كيف سنقلب هذا الوهم؟ لنفهم أن القوة هي التي تدور حول العلم، وكيف نَجعل الأمراء على أبواب العلماء لا العكس؟
ولكن إلى أي مدى يمكننا أن نثق بالمعرفة بموجب هذه الأفكار؟
إن الدماغ البشري قابل للخطأ وقابل للانخداع، ومن الممكن أن يحصل إجماع تام على صحة أمر خادع، ولكن الواقع يظل يتحدى، لأنه لا يسير وفق أهواء الناس، ومن أجل هذا قلت ولا أزال أقول: إن الذهن البشري ليس هو المرجع، بل الواقع هو المرجع، الواقع هو الذي سيصحح أوهامنا، التاريخ هو المرجع، الأحداث الماضية والعواقب، حتى إن الله تعالى يقول لنا: (انْظُروا) الأنعام: 6/11 إلى التاريخ لتتمكنوا من فهم ما أقوله لكم.
لقد وثقوا بأذهانهم، ولكنهم لم يكشفوا ضعف الذهن وهشاشته وإمكان انخداعه، وانه ليس معصوماً، لقد ألَّهوا الإنسان، ولكن تبين لهم أنه لا يوثق به، وأنه ينخدع بالسراب؛ فأعلنوا موت الإنسان أيضاً، ولم يهتدوا إلى نجم القطب، إلى سير التاريخ منذ قبل وصول البشرية إلى حالة الوعي، ولم يعرفوا أن الوعي البشري أيضاً مرحلة من مراحل إبداع الخالق جلَّ جلاله.
انظروا إلى المجال الذي يتجلى فيه ذو الجلال، انظروا إلى الكيفية التي بدأ بها الخلق والإبداع الإلهي في الوجود المادي، لأننا كلما تأملنا الإبداع كلما علمنا عظمة المبدع.
لقد كان ما يسمى: عصر النوار؛ انتقالاً من التصور الوثني له في العصور السابقة؛ إلى تصور وثني آخر، وذلك حين جعلوا الإنسان هو المرجع، فسّجدوا بذلك المرجعية مرّة أخرى، ولم يتمكنوا من تنزيه الله عن خلقه: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) الإخلاص: 112/4، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) الشورى: 42/11.
مقدمة كتاب كن كابن آدم | الفصل الأول: السلطة والمعرفة | الفصل الثاني: الخوف من المعرفة |
---|---|---|
الاختصاص والمؤسسة • العلم والعمل • اللغة وحفظ التجارب • هل السلطة هي المعرفة • السلطة والمعرفة في ضوء الشعور واللاشعور • السلطة وعلاقتها بقوة الجسد وقوة العلم • مفهوم التغيير كما يطرحه الأنبياء • النزاع الفكري والنزاع الجسدي • رحلة الارتقاء الإنساني • الأنبياء وحرية الفكر • الشعور بالأمن والثقة بالأفكار • إبراهيم وسقوط مرجعية الآباء • العدل وفصل معترك الأفكار عن معترك الأجساد • الإسلام و(لا إكراه في الدين) • لا طاعة في معصية • الإلهي السماوي والسفلي الأرضي • الإيمان والظلم • الإيمان ومذهب ابن آدم الأول |