السعي الدؤوب لتحقيق الهدف
من Jawdat Said
لعلك لم تأخذ كلامي مأخذ الجد، ربما ظننت أنني أستخف بك، أو أنني أريد أن أسليك وأداعب خيالك، لا ليس هذا مقصدي، مقصدي شيء كبير، إنني أريد أن أبني عالماً جديداً، وأريد أن أقول لك: إن أدوات البناء كلها صارت جاهزة، ولم يبق إلا أن تلقي السمع وأنت شهيد.
ولكن، كيف نعيد للأسماع والأبصار قدرتها على السماع والرؤية؟ هذه هي المشكلة التي نبهنا القرآن إليها، حين أخبر أن الإنسان قد يصل إلى حالة لا قدرة له معها على الإبصار والإدراك والفهم.
لا تيأس، هذا حق وواقع، لكن هذه الحالة ليست دائمة، ولا أبدية، كما أن حدوثها ليس حتمياً، قد أعجز أنا، وقد يعجز الآخر عن تقديم ما يكفي من المكافآت والعذابات، من البينات والمثلات، ولكن الله غالب على أمره، ونحن سنبذل الجهد، ونمهد الطريق لإعادة الحياة إلى العيون، وإزالة الصمم من الآذان، هو واقع، ولكنه قابل للزوال: ما أنزل الله من داء إلا وانزل له دواء عرفه من عرفه، وجهله من جهله، وشفاء العي السؤال، ودواء الجهل العلم، فلا تحقرن من جهدك شيئاً.
إنني أكتب هذه الكلمات وأنا انظر من النافذة إلى السماء الزرقاء، أنا الآن وحدي، أخاطبك وأنا غائب عنك، وأجالسك وأنا بعيد عنك، ولكننا سنتعاون للاقتراب من فهم أفضل، وسأبثك ما أحمل في نفسي من قلق، لا أريد لمشاعري أن تُدفن معي، أريدها أن تبقى بعدي …
كم تعب الناس ممن كان قبلك لترتاح؟! كم علينا أن نتعب كي يرتاح مَنْ بعدنا؟!
علينا أن نشتاق إلى الذين سيأتون بعدنا، وعلينا أن نعيش معهم أيضاً، علينا أن نحمل هم العالم على ظهرنا، وأن نفعل ذلك ونحن نشعر بالقبول والرضا والسرور بالجهود الصغيرة، البالغة الصغر، التي نبذلها فيما بيننا، مع أهلنا في البيت، ومع جيراننا في الحي، ومع كل الذين نستطيع أن نسمعهم صوتنا، والذين يمكن لهم أن يقرؤوا كتاباتنا.
ينبغي أن نبذل جميعاً جهوداً لتضاف إلى الجهود التي بذلت من قبل، والجهود التي يبذلها الآن أناس لا نعرفهم، ولا نعلم عنهم شيئاً، ولا يعلمون شيئاً عنا، ولكن جهودنا ستلتقي، ستلتقي هناك، وستصنع عالماً جديداً.
كان جلال الدين الرومي شاعراً، وكان صاحب رؤية للنفس الإنسانية وللعالم، كان يريد من كتاباته تأدية أمانة يراها، فكتب المثنوي، كتبه وهو يريد أن يقلب به رؤية العالم كله، كتبه شعراً وقصة وتحليلاً ونكتة وخواطر وتيهاً ولفاً ودوراناً، كان يكثر من الاستطراد، لكنه كان ليناً وخفيفاً وماهراً في اللمس، اقرأه، وستعلم أن أناساً كثيرين عاشوا قبلنا، وعملوا كثيراً، لا تظنن أن الرّومي لا يؤثر فيك، لأنك لم تقرأه ولو تعش معه، ولم تسمع به، إنك تعيش محمولاً على المركب الذي ساهموا في بنائه، أنت يا أُخيّ ويا بُني محمول: (عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ، تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا، جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) القمر: 54/13-14.
أنت لا تعلم مقدار التأثير الذي أحدثه محمد إقبال في هذا العالم الذي نعيش فيه، ومقدار التأثير الذي سيحدثه في المستقبل.
إنك لا تعلم مقدار الجهد الذي بذله حتى شق أنينه عنان السماء.
أنا ألف وأدور، أزمزم وأدمدم، وحالي أشبه ما يكون بحال ذاك الأعرابي الذي قال: «أنا لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ»، ولكنني مع ذلك سألف وأدور، سأدندن وأُأَذَّن حولك، سأزعجك وأوقظ ليلك بأذاني، مهما كان صوتي منفراً ونشازاً.