الدين والقانون، عصر الفتن
من Jawdat Said
الأحاديث الواردة تحت هذا العنوان مأخوذة من مختصر سنن أبي داوود للحافظ المنذري ، طبعة السنة المحمدية ( 1369هـ 1949م ، صفحة 142 ج6 بأرقام 4090 - 4091 - 4093 - 4095 ) على التوالي :
1- عن مسلم بن أبي بكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
« قال رسول الله (ص) إنها ستكونُ فتنةٌ يكونُ المضطجعُ فيها خيراً من الجالس والجالسُ خيراً من القائمِ والقائمُ خيراً من الماشي والماشي خيراً من الساعي .
قال : يا رسول الله ما تأمُرُني ؟
قال : من كانت له إبلٌ فليلحق بإبله ، ومن كانت له غَنمٌ فليلحق بغَنَمٍه ، ومن كانت له أرضٌ فليلحقْ بأرضه .
قال : إن لم يكن له شيء من ذلك ؟
قال : ليعمد إلى سيفهِ فليضرب بحدهِ على حرّهٍ ثم لينجُ ما استطاع النَّجاء » .
أخرجه مسلم وأخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي المسيب وأبي سلمة بنحوه .
2- وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي (ص) في هذا الحديث .
قال يا رسول الله أرأيت إن دخل علي بيتي وبسط يده ليقتلني ! فقال رسول الله (ص) : « كن كابن آدم وتلا يزيد - يعني ابن خالد الرملي - ( لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ) ] المائدة : 5/28 [ .
3- وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ص) :
« إن بين يَديَ الساعةِ فِتَناً كقطعِ الليلِ المظلم يصبحُ الرجل فيها مُؤمناً ويُمسي كافراً ويُمسي مؤمناً ويُصبح كافراً ، القاعدُ فيها خيرٌ من القائمِ والماشي فيها خيرٌ من الساعي فاكسِروا قِسِيَّكُم واقطعوا أوتاركُم واضربوا سُيوفكم بالحجارةِ فإن دُخِلَ - يعني على أحد منكم - فليكُن كخيْرِ ابْنَيْ آدم » .
4- وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ص) : « يا أبا ذر قلت : لبيك يا رسول الله وسعديك - وذكر الحديث - وقال فيه :
كيف أنت إذا أصابَ النَّاس موتٌ يكون البيتُ فيه بالوصيف ؟ » قلت : الله ورسوله أعلم أو قال ما خَار اللهُ لي ورسوله ، قال : « عليك بالصَّبرِ » - أو قال تصبر - ثم قال « يا أبا ذر » قلت : لبيك وسعديك قال ما خارَ اللهُ لي ورسولهُ ، قال : « عليك بمن أنتَ منه » قلت يا رسول الله أفلا آخذ سيفي فأضُعهُ على عاتقي ؟ قال : شاركتَ القوم إذن » قلت : فما تأمرني ؟ قال : « تَلزَمُ بيتكَ » قلت : فإن دخَلَ عليّ بيتي ؟ قال فإن خَشيتَ أن يبهركَ شعاعُ السيف فألقِ ثوبكَ على وجهك يَبُؤ بإثمك وإثمه » أخرجه ابن ماجة .
قلت سابقاً إن الثقافة الإسلامية كلها كتبت ماعدا القرآن ، بعد أن فقد المسلمون الرشد ، أي الحكم الراشد ، وفقدوا قبلها المجتمع الراشد أو الأمة الراشدة . وقد سجل القرآن هذا قبل وفاة الرسول ، حين بدأ المجتمع الإسلامي يتوسع ، فدخل الناس فيه ليس إيماناً به وفهماً له وغنما استغلالاً له . فهذه الثقافة الإسلامية المتكيفة مع الغي والطاغوت ، ألغيت شروط حمل السلاح ودخلت إلى مجتمع الطاغوت . ولهذا فهذه الثقافة الإسلامية مع غناها وسعتها ، لم أجد بحسب اطلاعي ، مسلماً واحداً كتب مبيناً الحالة التي يجب فيها على المسلم أن يكسر سلاحه ويتخلص منه ، كما لم أعثر على كتاب واحد أو كاتب واحد استشهد بحديث ( كن كابن آدم أو اكسر سفك أو اكسر قوسك واقطع وتره ) . وكل الباحثين المستشرقين والمتخصصين في الإسلاميات لا يستطيعون أن يفهموا شيئاً خارج هذه الثقافة المتكيفة مع الطاغوت ، ولا يستطيعون أن يكشفوا المنهج الذي جاء به الأنبياء وسجلته الكتب المقدسة .
وقد خف عجبي أيضاً حين رأيت عجز الثقافة الغربية في التكيف مع دعوة المسيح ، وفهمت عند ذلك قول النبي محمد (ص) . من أن الناس إذا فقدوا العلم وقراءة أحداث التاريخ ، فلا ينتفعون بشيء مما في الكتب ، فيضيع معنى الرموز الكتابية حين نعجز عن قراءة الأحداث التاريخية ، وتتبخر كل دعاوى الديمقراطية وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير للشعوب ، حين نتوهم أننا نستطيع أن نحتفظ بمكانتنا في العالم ، بالرعب وليس بالمعرفة ، بالقهر وليس بالرحمة .
قول الرسول في القصاص : « إن قَتَلهُ فهو مثلُه »
قال صحابي : إني لقاعد مع النبي (ص) إذ جاء رجل يقود آخر بِنَسْعةٍ فقال : يا رسول الله هذا قَتَلَ أخي ، فقال رسول (ص) : « أَقَتَلْتَهُ » ؟ فقال إنه لو لم يعترف أقمتُ عليه البَيِّنة . قال : نعم قَتَلْتُه ، قال : « كيف قَتَلْتَهُ » ، قال كنت أنا وهو نَخْتِبِطُ من شجرةٍ فَسَبَّني فأغضبني فضربتهُ بالفأسِ على قَرْنِه فقتلتُهُ ، فقال له النبي (ص) « هل لك من شيء تُؤدِّه عن نفسك » ؟ قال : مالي مالٌ إلا كسائي وفأسي ، قال : « فترى قومكَ يشترونكَ » . قال أنا أهَوَنُ على قومي من ذاك فرمى إليه بِنَسْعتِه ، وقال : « دونَك صاحبك » ، فانطلقَ به الرجلُ فلما ولى ، قال رسول الله (ص) : « إن قَتَلَهُ فهو مثلُه » ، فرجعَ فقال : يا رسول الله ، إنه بلغني أنك قلت : عن قَتَلَهُ فهو مِثْله ، وأخذتُه بأمركَ فقال رسول الله (ص) « أما تريدُ أن يبوءَ بإثمكَ ولإثمِ صاحبكَ » ؟ قال : يا بنيَّ الله ، لعله قال : بلى قان ذاكَ كذاكَ ، قال فرمى بِنَسْعتِه وخلَّى سبيلهُ ، رواه مسلم في كتاب القسامة والقصاص والدِّيّاتِ .
وكذلك حديث « ما زاد اللهُ عبداً بعفوٍ إلا عزاً » مسلم في كتاب البِّرِ والصِّلة .
فهذا الحديث يجعل القصاص أيضاً مرحلياً ؛ إذا ارتفع وعي الناس ينسخ القصاص تلقائياً . والذي أريد أن أنبه إليه الآن في هذه المقالة ، ليس أن أدافع عن ثقافة معينة وغنما أن نتلمس مشكلة الإنسان ، ومشكلة تحصيل المعرفة ، والخروج من العنف ، والخروج من وهم أن العنف يمكن أن يحل المشكلات ، لقد وصلنا إلى الطريق المسدود ، رجعنا إلى لحظة ابني آدم القاتل والمقتول ؛ إلى لحظة بزوغ الإنسان في الوجود ، إلى ارتفاع مكان الدماغ على العضلات ووظيفة الدماغ على وظيفة العضلات ، وحتى لا تقوم العضلات بإسكات الدماغ وحتى يتحرر الدماغ من هيمنة العضلات . ولن يتحرر الدماغ ، إن لم يكتسب ويكتشف معرفة تاريخية ، يفهم منها كيف بدأ وكيف تعمقت المعرفة الإنسانية ، وكيف يمكن أن تتعمق أكثر ..
( فَلْيَنظُرْ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ ) ] الطارق : 86/5 [ .
( سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ ) ] العنكبوت : 29/20 [ .
فإذا عرفنا كيف بدأ سنعرف صيرورته وما سينتهي إليه .
منظمة الصحة العالمية أصدرت كتاباً صغيراً بعنوان ( حقائق عن الحياة ) شارك في وضعه منظمات واختصاصيون عديدون . موضوع الكتاب ، كل أسبوع يموت ربع مليون طفل في العالم ، وهؤلاء الاختصاصيون لما حللوا المشكلة ، وجدوا أن أسباب الوفاة يمكن حصرها في عشرة أمراض ، صارت معروفة وكلفة المعالجة ليست غير محتملة . ولكن المشكلة التي واجهها الاختصاصيون هي كيفية إيصال المعلومات إلى الأمهات اللاتي يشرفن على الأطفال ، وهن يجهلن هذه المعلومات . وقالوا في مقدمة الكتاب : إن حل هذه المشكلة يتوقف كما في سائر مشكلات التوعية ، على وصول هذه المعلومات بطرق مبسطة ، ومن مصادر متعددة ومكررة ، فكأن المشكلة مشكلة غرس القناعة عند الناس ليتغير سلوكهم ، متى سيضع الاختصاصيون كتاباً من هذا النوع ، في تحديد عدد الأمراض التي تؤدي إلى سفك الدماء ، وتهجير الناس بالملايين في العالم ؟ ومتى وكيف يمكن إيصال هذه المعلومات إلى الأمهات ، اللاتي يغرسن في نفوس الأطفال القيم التي يعيش بها الناس في حياتهم ؟ وما نوع وكمية الجهد الذي ينبغي أن أبذله فيما يخصني أنا في هذا الموضوع ، الذي يُتْرك للتطور التلقائي بدل أن يخضع للتسريع ، الذي يمكن أن يقوم به تدخل الوعي . وأنا حاولت في بحثي هذا أن أسلط الضوء على مرضٍ واحدٍ ، أجمع الأنبياء على اعتباره نجاة للبشرية إن أمكنها السيطرة عليه ، وبقية الأمراض قابلة للغفران ، ولكن الذنب الذي لا يغتفر هو الخطأ في تفسير الإنسان ؛ بأن السلوك الاقتصادي معه في قهره وإكراهه والتسلط عليه ، وليس بالعدل والإحسان إليه . والخطأ في التفسير ناتجٌ عن الخطأ في فهم العدل ، والظن أن العدل خسارة أو أن المساواة خسارة ، وهذا الفهم والتفسير الشيطاني وليس الإنساني ، الذي هو الكبرياء والتعالي .
« قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح . تواضع الروح مع الودعاء خير من قَسْمِ الغنيمة مع المتكبرين » أمثال ( 16 :18 - 19 ) .
( يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) ] الشعراء : 26/88 - 89 [ .
ولن يسلم القلب ، إلا إذا خرجت منه الكبرياء والامتيازات وغلا إذا قبل أن المسألة مسألة رياضيات ومعادلة حسابية ، وأن المعادلة لن تحل إلا إذا تساوى الأطراف ، وهل يمكن إزالة الخوف من فقدان الامتيازات ، هذا الخوف يأكل قلبه ، كما يأكل قلب فاقد الامتيازات التطلع إلى الحصول عليها لا إلغائها ؟ .
ومن لم يصدق فليستمر في التجربة ، ولن يثمر الشوك عنباً ولا الحسك تيناً ، هذا ليس موعظة ، وإنما هو تعامل واقعي أرضي ملموس ، وبفهم هذا تتعانق الأرض مع السماء ، وتتحول المعرفة إلى الإيمان ، والإيمان إلى معرفة ، ولن يشعر الإنسان بالراحة غلا إذا فهم هذا فهماً علمياً فتحصل الطمأنينة في القلب ، ولا يعرف هذا من لم يصل إليه بالعلم والفهم ، ومن لم يفهم الآن فستقنعه الأيام ، وهناك سيشعر رغماً عنه كم كان في شقاء الوهم ، وكم هي المعرفة صحة نفسية ، وكم هي المعرفة كلما زادت اتسعت وفتحت آفاقاً أرحب ، وكم هي ثمرة شجرة المعرفة حياة للنفس .
« ولَهيبِ سيفٍ مُتقلبٍ لحراسةِ طريقِ شجرةِ الحياة » تكوين ( 3 : 24 ) .
( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الألْبَابِ ) ] الزمر : 39/9 [ .
10/1/1997م مونتريال
جودت سعيد