الدين والقانون، انتقال السلطة من الجهاز العضلي إلى الجهاز العصبي

من Jawdat Said

اذهب إلى: تصفح, ابحث
كتب جودت سعيد

الدين والقانون


Aldeenwalkanon.gif
تحميل الكتاب
المقدمة
أسس الدين والقانون من رؤية قرآنية
الإنسان في الدين والقرآن
وحدة النبوات
الرسل الذين لم يقصصهم الله علينا
العلماء ورثة الأنبياء
ختم النبوة
الخروج من الخوارق إلى السننية
ارتباط آيات الآفاق والأنفس بآيات الكتاب
كلمة السواء
لا إكراه في الدين
قانون النسخ
السلطة للجهاز العصبي
قصة آدم وزوجه
قصة ابني آدم
ما الدين وما القانون؟
السلام العالمي
شروط القتال في الإسلام
عصر الفتن



إن تطور الجهاز العصبي عند الإنسان أوجد قدرة جديدة وسلطة جديدة ، « أنا الفهم لي القدرة » وفي الإنجيل : « تعرفون الحق والحق يحرركم » يوحنا ( 8 : 32 ) .

سلطة الإنسان انتقلت من الجهاز العضلي إلى الجهاز العصبي ، أي جهاز خزن المعلومات والخبرات . أنا المثقف أنا القوة ، أنا السلطة ، « أنا الفهم لي القدرة » أمثال ( 8 : 14 ) .

ولكن إلى الآن لم نفهم بعدُ هذه النقلة الكبيرة ، إن التطور البيولوجي في الجهاز العصبي أدى إلى تحول القدرة إلى هناك ، حيث صارت السلطة ، ولكن ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يوصل إلى فهم هذا الانتقال . يمكن أن نفهم قول عيسى عليه السلام حين يقول : « ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة » أي إلى الفهم والإدراك وانتقال السلطة من العضلات إلى الجهاز العصبي ، حتى إن مشكلة ( المرأة ) في العالم لا تزال مرتبطة بعدم إدراك هذا التطور البيولوجي العصبي ، وكذلك كل علاقات القوة في العالم : بين الكبار والصغار ( الأطفال والبالغين ) الرجال والنساء ، عالم الكبار وعالم الصغار ، مالكي القنابل النووية والمحرومين منها ، مالكي حق ( الفيتو ) والممنوعين منه . نعم أن يكون فهمُ انتقال السلطة من العضلات من الأنياب والأظافر إلى وعي الإنسان صعباً ومكرباً ، يمكن فهمه في زمن عيسى عليه السلام ، أما أم يظل هذا اجهل والوهم والسحر مسيطراً على العالم المعاصر أيضاً ، فإنه شيءٌ يدعو إلى الحيرة والعجب ، بل حين نفهم ذلك تصيبنا صدمة ، وقليلون هم الذين يستفيقون من الصدمة ، بل يشعر الإنسان أنه يفقد إمكانية الحوار ، حيث لا يوجد حوار وغنما مناجاة الإنسان لنفسه ، حوار بينه وبين التاريخ ( الأحداث ) أما الحوار بينه وبين الناس فمنقطعٌ ، وأنا أشعر بذلك منذ أكثر من ثلث قرن ، والآن سنحت لي الفرصة لأذكر أحلامي ومناجاتي الذاتية في ( مجلة القانون والدين في أمريكا ) بلد الحرية ، حرية فِرْعَوْن حين كان يقول للعالم كما يعرضه القرآن فيقول :

( قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ ) ] غافر : 40/29 [ .

ويقول فرعون أيضاً لملئه عن موسى ودعوته :

( وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ) ] غافر : 40/26 [ .

إن طريق فرعون هو طريق الرشاد حسب فهمه ، وأن موسى ينبغي أن يُقتل ويُخشى من موسى أن يبدل دينكم وعالمكم ، وإن في الأرض الفساد ، حيث أن طريقتنا هي الصلاح وهي الطريقة المثلى ، والمساواة من دون مساواة .

وفي القرآن حوار طويل بين موسى وهارون ، وفرعون وملئه ، يقول الله لموسى بعد تمهيد وتدريب على اللقاء مع فرعون ، لموسى وأخيه هارون :

( اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي . اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى . فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى . قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى . قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى . فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى . إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى . قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى . قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى . قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى . قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى . ….. قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى . فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى … ) ] طه : 20/42-52 و 57-58 [ .

فتشاور فرعون مع ملئه في شأن موسى :

( فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى . قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمْ الْمُثْلَى . فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنْ اسْتَعْلَى ) ] طه : 20/62-64 [ .

إننا لا نريد أن نحقر ونضع من قيمة ( أمريكا ) بلد الحرية والقانون ، بالمقارنة التي نجريها هنا بين حضارة ( أمريكا ) وحضارة مصر القديمة ، فقط نريد التنبيه إلى شيء واحد وهو أن السلطة لا تزال للقوة ، وأن الثقة لقوة العضلات ، والأظافر ، والأنياب ، والقنابل ، وأن العالم الذي نعيش فيه لا يزال غير قادر على الثقة بالأفكار ، إلى الآن ليس للقانون رصيد ومرجع غير القوة العُنفية . إلى الآن لم تتصدر قوة الفكر والقانون ، ولم تخرج من قانون العنف وشريعة الغاب ، ولم نستطع أن نضع ثقتنا بقوة الجهاز العصبي ، بقوة الأفكار ، لا تزال ثقتنا بالعضلات وتطوراتها ، لا بالدماغ والقوة الفكرية وتطوراتها ، إننا لا نريد أن ندين مجتمعاً معيناً ، ولا حضارة من الحضارات ، إننا نريد أن نضع أقدامنا على أرض صلبة لنخرج من الأزمة الإنسانية لنضع عالماً ينطلق من احترام وتقديس الجهاز العصبي القادر على التعامل مع هذا الجهاز العصبي وتغيير محتواه دون كسر وتحطيم هذا الجهاز بالحديد والنار . هذا الجهاز رقيق وناع ، إنه قادر على أن يحل المشكلات دون تحطيمها ودون إراقة الدم الذي يغذي هذا الجهاز المقدس ، لأن هذا الجهاز يمكنه أن يحل المشكلات بخشوع ورحمة ، وليس بغضب وقسوة وتحطيم ، يحل المشكلات بالحب والفهم ، لأن الفهم يؤدي إلى الحب .