الخير اللحظي والخير الأدوم
من Jawdat Said
حين يسرق اللص فإنه يبغي لنفسه الخير والأبقى، ولكن الخير والأبقى الذي يعمل له لا يتجاوز الخير اللحظي والمتعة القريبة، وهو لا يستطيع أن يحسب النتائج الأبعد والعواقب المؤجلة، إنه يستبعد من حساباته العواقب البعيدة ويتناساها، وكل الأفراد والجماعات والحضارات والأديان التي لا تفكر في الخير والأبقى، ولا تفتش عنه، ستهلك، ولا زالت البشرية في تاريخها الذي عاشته وتعيشه، محكومة بظن النجاة من العواقب، ولا زال الناس لا يحسبون حساب التاريخ، أو أن تفكيرهم لا زال على طريقة القائل: ليبق الملك ما بقيت، وبعدي فليكن الطوفان.
إننا لم نهتم بالتاريخ، ولم ندرس الكيفية التي يصرع بها الناس ويضع الموازين القسط ليوم العقاب.
ما أسهل، وما أصعب تأمل التاريخ والاستفادة منه، والقرآن حين يلح على التاريخ والعواقب، فإنه يريد أن يبصّر الناس، ليصبروا على المعززات المؤجلة البعيدة، والتي ربما لا تكشف خلال عمر الفرد الواحد، قد تهلك المجتمعات، ولكن القرآن ينظر إلى الأمة التي تعيش القرون كفرد واحد في العقوبة والثواب، إلا أن الناس لا ينتبهون إلى العقوبات المؤجلة في مستوى الأمة، ولا يتأملون العواقب التي يحصدها الأبناء من نظرات الآباء والأجداد الخاطئة، ولهذا فإن التاريخ في ظاهره، حسب ابن خلدون، لا يزيد على أخبار عن الأديان والدول … وفي باطنه نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومبادئها، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها، فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق. بينما التاريخ عند نيتشة أكاذيب دنيئة وقبيحة. ولهذا يقول توينبي عن ابن خلدون وفهمه للتاريخ أنه: « أعظم عمل من نوعه أمكن أن يبتكره عقل من العقول في أي عصر من العصور، في ناحية من أرجاء الأرض ».
إن الذين يتذوقون التاريخ يسجدون خاشعين على عتبة هذا المعبد الذي هو مرجع القرآن وحجة الأنبياء ووسيلة رفع مستوى الإنسان، وفي أيامنا هذه، ومنذ سنة، حدثت أحداث متعددة في العالم: الانفجار الذي حصل في المركز التجاري في نيويورك، والانفجار الذي حدث في أوكلاهوما وأفزع العالم وأمريكا، والغاز السام الذي وضع في أنفاق طوكيو، والانفجار الذي حصل في مسجد الإمام الرضافي مشهد، وما حدث في عواصم أخرى من العالم، وأكثره يحدث في البلاد الإسلامية الآن، في الجزائر والقاهرة وبيروت والبحرين، وقد ينتقل إلى عواصم ومدن أخرى، وليس بعيداً عنا الحدث الذي دُشّن به القرن الخامس عشر الهجري في المسجد الحرام في مكة.