الجنون والسحر والرحمة والعذاب
من Jawdat Said
كان جلال الدين الرومي في كتابه المثنوي يناجي نفسه، وكذلك كان محمد إقبال بن نبي، حين كانوا يبحثون قضية ما، وأنا أيضاً أناجي نفسي. هل أجرؤ على مناجاة الذات؟ هل يمكن أن أرفع صوتي؟ هل أجرؤ على الجهر بالجنون؟ متى نصير واثقين بحيث لا نخاف ولا نستحي من إعلان الجنون؟ متى نفهم الجنون؟ متى نفهم بأينا الجنون وبأينا المفتون؟ كيف سنحول الجنون إلى سحر؟ لماذا كان الأنبياء يوصفون بالجنون والسحر، وما العلاقة بين الجنون والسحر، وما هو الشيء الخارج عن الجنون والسحر؟ ما معنى الجنون، وما معنى السحر؟ وإذا لم يكن الأنبياء مجانين أو سحرة، فماذا يكونون؟!.
أقصى الجنون يصل إلى التدمير، وأقصى السحر يصل إلى الاستلاب الكامل والسيطرة، والنبوة ليست تدميراً، وليست استلاباً، بل هي رحمة، قال (ص): « أنا رحمة مهداة »(1)، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء: 21/107، رحمة حتى للذين لا يؤمنون بك، ولكن ما هي الرحمة؟ إنها التنمية، إنها توفير الجهد والزمن، وزيادة المردود، هذه هي الرحمة، والكون كله مخلوق على قانون الرحمة، وكلما عرفنا قانون الكون اقتربنا من الرحمة، من هدف النبوة التي دعت إلى الإيمان بالله الرحمن الرحيم، الذي سبقت رحمته غضبه.
هل نستطيع أن نرى الرحمة في الكون، أم أن علينا نرى العذاب دائماً؟؟!.
أليس من الجنون أن ترى الرحمة في الكون عذاباً، أو أن نعمى عن طريق الرجمة ولا نبصر إلا طريق العذاب؟
إن قانون الكون مخلوق على الرحمة، وقانون الحياة يسير على الرحمة أيضاً، وحتى الحيوانات فإن نموها وتناسلها يسير على الرحمة، الأمومة رحمة وحنان وشفافية، لا فظاظة وغلظة.
كيف يمكن لنا أن نفهم أن النبوة رحمة؟ كيف كشف الأنبياء؟ كيف نكون ورثة الأنبياء، وكيف نكون رحماء؟ كيف نعرف الشقاء والعذاب عن الناس، وكيف نرحمهم ونزيل عنهم الآصار والأغلال؟
لم يأت الأنبياء بالآصار والأغلال، بل جاؤوا بالرحمة، جاؤوا ليرفعوا الآصار (الأثقال)، والأغلال، والسلاسل التي تقيد أعناق الناس وأيديهم وأرجلهم، جاؤوا لتعم الرحمة الجميع، وليرفع العذاب عن الجميع، وليكسب الجميع دون أن يخسر أحد شيئاً.