الإنسان والتغيير
من Jawdat Said
لقد بدأ الإنسان بالتعرف إلى الشق الذي انفتح أمامه لمعرفة الكيفية التي خلق بها ما بنفسه، كي يصبح قادراً على تغيير ما بنفسه.
إن التحول من الرؤية القائلة بأن التاريخ من صنع الله فقط إلى الرؤية القائلة بأن التاريخ من صنع الله والإنسان، وأن الأولوية في صنع التاريخ للإنسان، وأن عمل الله في صنع التاريخ تابع ومتأخر عن عمل الإنسان: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) الأنفال: 8/53، إن هذا الفهم جديد وحديث في التاريخ البشري.
إن البشر يصنعون الثقافة، وإن الثقافة تصنع البشر، لكن في هذه الدائرة فرجة يوقف لتاريخ عدم التنبه لها، وهي أن الناس، مهما قل عددهم، قادرون على إضافة شيء جديد، مهما كان هذا الشيء الجديد ضئيلاً، ولكن بتراكمه خلال المدد الطويلة يصبح التغيير كبيراً، وبهذا تكون مساحة سلطان الإنسان واسعة، هذه الفرجة هي التي يمكن إهمالها وتجاوزها كما فعل سكينر بقوله: « حين يَصل ما يملكه الإنسان من حرية إلى درجة الصفر، فإن أشد دعاة الحرية يصبحون دعاة إلى الرفض والإغلاق ». ولهذا فإن سكينر نزل بالإنسان إلى درجة الآلة، وقد نقل قول بعضهم: « إننا كنا نظن الإنسان ملائكة أو فوق الملائكة، وقد تبين لنا أن الإنسان كلب أو مثل الكلب أو هو أدنى منه ».
نعم يمكن لنا أن ننظر إلى الإنسان من زاويتين؛ حين يتراجع عن قدراته يكون كالأنعام بل هو أضل، قد يكون في أسفل سافلين، ويمكن أن يكون في أحسن تقويم بحيث يستحق أن تسجد له الملائكة …
إن مشكلة وعي الإنسان وهدايته مشكلة تاريخية فلسفية، ولكن وعي الإنسان يتقدم بنفسه، مهما كان التقدم بطيئاً ومضنياً ومخيباً للآمال وباعثاً على اليأس، وإذا لم يتحقق علم الله كله؛ إلا أنه بدأ بالظهور، وبدأ يلمحه بعض المؤمنين وبعض الكافرين، والذين يلمحونه بعلم ووعي قلائل جداً من الطرفين، وهذا هو ما يفسر العداء الشديد الذي يواجهه هذا الاتجاه، ولو كان في الناس من يؤمن به بقوة لأمكنه أن يأخذ بأيدي الآخرين، وكما قال عبد القادر الجيلاني، فإن الحلاج وإن عثر، فإنه لم يكن في زمانه من يأخذ بيده، وأنا آخذ بيد كل من عثر. وبسبب هذا المفهوم الذي صار عند عبد القادر الجيلاني خرج اليهود والنصارى في جنازته حين توفي.