الإنسان بين التزكية والتدسية
من Jawdat Said
كيف يصير الإنسان في حالة لا يعتبر معها ولا يستفيد مما يراه أمامه؟ كيف يصير أعمى عنها؟
إنها مشكلة الإنسان الذي يملك وجهين وإمكانيتين، يملك أن يكون في أسفل سافلين، وأن يتحول إلى كائن شبيه بالأنعام: (أُوْلَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ) الأعراف: 7/179، ويملك أن يكون في أحسن تقويم: (فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) المؤمنون: 23/14، وأن يرتقي إلى أن يسجد لهذا المخلوق الواعي كل شيء، ومن لم يقبل فليخرج من دار الكرامة إلى دار الخزي والعار.
كيف نجعل هذا الإنسان في أحسن تقويم؟ كيف نحول فجور نفسه إلى تقوى؟ كيف نحول النفوس التي مرّغتها أوحال وأقذار الفجور والطغيان، فنجعلها في أحسن تقويم، وفي مقعد صدق عند مليك مقتدر؟
هذه هي الوظيفة التي تركها لنا الأنبياء: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) الشمس: 91/9-10.
نعم إنها وظيفتنا أنا وأنت أيها القارئ، فلنفهم أولاً أن هذا يرجع إلينا، وأن بإمكاننا أن ننقذ أنفسنا ومن حولنا. لا تيأس، وليكن لك في بلال أسوة وقدوة، فقد ضرب لك المثل حتى لا تحقر نفسك، وعلّمنا كيف نزكي أنفسنا، وإن كانت لكبيرة، وكبيرة جداً، لكنها سهلة وميسرة على الخاشعين، والخشوع ضد الكبر، وضد البغي.
كيف ننزع الكبر والبغي من أنفسنا؟ كيف صرنا مرضى بالكبر والبغي؟ كيف نصل إلى الخشوع دون أن نُستعبد؟ كيف نتخلص من الكبر من غير أن نذل ونخزى؟
لا تظنّن أيها القارئ أنها هبة إلهية، إنها بمقدار ما هي هبة إلهية، فإنها صناعة إنسانية، نحن الذين نغير ما بأنفسنا، والله هو الذي أعطانا كل الأدوات وكل الوسائل، وضرب لنا الأمثال، وقدم لنا النماذج، وأرسل الرسل، فقاموا بالتغيير ونجحت التجربة، ما علينا إلا أن نعيد الكرّة، فالعالم مُهيأ، والسبل مُيسّرة، ولم يبق إلا أن يأتي ورثة الأنبياء، ليُعيدوا التجربة، ويكشفوا آليات النفوس كما هي تتدفق فتيَّة لا ترى فيها جدعاء ولا شوهاء، سوية جديدة كل الجدة، طازجة تتدفق يومياً من الأرحام، لم يبق إلا أن يفهم وارث النبوة التركيبة الأولى فتعود سوية لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً.
لقد بلغت بالفكر والنظر حد اليقين، إلى أن نجحت التجربة، وصار بالإمكان إعادتها، وإذا لم نبلغ في البيان والوضوح درجة البلاغ المبين، ولم نبلغ في العمل والممارسة عين اليقين؛ فإننا نطمح أن ننجح في البيان والتطبيق إلى درجة أقرب إلى الرشد، فنمهد الطريق لمن يأتي بعدنا ليصير عليهم أسهل وأيسر.