الآمرون بالقسط ورثة الأنبياء
من Jawdat Said
جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))
مهمة الأنبياء أن يقوم الناس بالقسط، يقول الله (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط)، العدل والقسط هو الهدف الأساسي لرسالات الأنبياء جميعاً من دون استثناء، ولهذا كان الأنبياء مستهدفين من المستكبرين في الأرض ومن المترفين الذين هم ملأ المستكبرين، فهذا العدل والقسط و السواء، هو ما رفضه أقوام الأنبياء جميعاً من عهد نوح إلى محمد، يقول نوح لقومه الذين طلبوا منه أن يطرد هؤلاء الذين اتبعوه و امنوا به من الذين يزدريهم المترفون من الناس، يقول نوح (وما أنا بطارد الذين امنوا إنهم ملاقو ربهم و لكني أراكم قوماً تجهلون و يا قوم من ينصرني من الله إن طردتم أفلا تذكرون 000 ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيراً)، و قريش طلبت من محمد أن يطرد أتباعه من المستضعفين من أمثال بلال، حتى يمكنهم أن يستمعوا إلى ما يقوله فيقول الله لمحمد (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شئ وما من حسابك عليهم من شئ فتطردهم فتكون من الظالمين)
ولما كان الهدف الأساسي من رسالة الأنبياء هو أن يقوم الناس بالقسط، من أجل ذلك صار الأنبياء مستهدفين بالقتل والتصفية الجسدية، ولهذا ضم الله إلى هذا الاستهداف الآمرين بالقسط من الناس، فقال الله (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة و مالهم من ناصرين) و يقول الرسول مبيناً سبب هلاك الأمم "إنما أهلك من كان قبلكم أنه إذا سرق الشريف تركوه و إذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد" هذا قانون، و سنة ثابتة في التاريخ البشري السابق و هو لا يزال صحيحاً الآن، و سيظل كذلك في المستقبل.
و لكن القسط الذي هو العدل بين الناس الذي يقول الله فيه (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) بين الناس و ليس بين المؤمنين،رفع من العالم الذي نعيش فيه من أدنى التجمعات البشرية إلى أعلى مؤسسة دولية الأمم المتحدة، التي يسمونها الشرعية الدولية، فكيف يكون فيها القسط و العدل و السواء و هناك حق الفيتو، الذي يستمد شرعيته من القوة و ليس من العدل من أول يوم أسس فيها، فهي مؤسسة على الفساد الذي قبله الجميع، و لا يعترض عليه لا الكبار و لا الصغار، وإنما يوجد من يتمنى أن يصير له هذا الحق، ويخاف الذي له هذا الحق أن يزول عنه، و إن كان لم يعد له قيمة كحق إنجلترا في النقض و كذلك فرنسا لأنها هبة أمريكية لهما، و فقدتها روسيا أيضاً حين تصدعت، و أما الصين و ما أدراك ما الصين ربع العالم كذلك لا قدرة لها على استخدام هذا الحق لا للحق ولا للباطل، فهي لهذا لا تصوت على القرارات لا سلباً و لا إيجاباً، فأمريكا تهدد الصين بانتهاك حقوق الإنسان و لا يخطر في بال الصين أيضاً أن تطرح إعادة الشرعية و العدل و القسط بين الناس في المؤسسة العالمية الأمم المتحدة، فمثلاً لا تقول الصين لأمريكا التي تهدد الصين بأنها تنتهك حقوق الإنسان أن أعظم انتهاك لحقوق الإنسان أن يكون في الأمم المتحدة حق النقض الذي يعيق العالم جميعاً و يقف ضد صلاحه، لم لا تقول الصين إنني سأتنازل عن حق النقض و لنعد بناء مؤسسة الأمم المتحدة على شريعة العدل بين الناس لا أن يطبق القانون على الضعفاء و لا يطبق على الأقوياء، فهذه المؤسسة خرافية لا قيمة لها، إنها كمثقفي العالم الذين يستدعيهم الطواغيت ليشهدوا على هذه المؤسسة أنها شرعية ثم لينصرفوا و ليس لهم غير هذه الوظيفة و هذا الحق.
أما النازية و الفاشية فلو انتصرتا في الحرب هل كان في إمكانهم صنع مؤسسة أسواء من الأمم المتحدة، ماذا كان سيفل هتلر و موسوليني إلا أن يعطوا لأنسفهم حق النقض، و يكون ثالثهم اليابان، و ما أدري إن كان يخطر أن يضيفوا إليهم آخر أو آخرين، و اليوم نسمع همسات خجولة لأمكان التفكير على مهل في إعطاء مقعد دائم في مجلس الأمن لمن يثقون بهم في أفريقيا أو أمريكا الجنوبية أو الهند المهم لا بواكي لمؤسسة عالمية، و إن كانت التقنيات تفرض رفع مستوى هذه المؤسسة لتصل مفهوم الديمقراطية إليها، و يا عالم الكبار لستم على شيء حتى تقبلوا أن تصير الأمم المتحدة تجمعاً بشرياً لها سلطاتها الثلاث على الأقل كما في أي بلد ديمقراطي، و عند ذلك ربما يمكن أن نقول إن مفهوم الشرعية بدأت يلوح في الأفق و عند ذلك ستسقط القواعد القديمة التي وضعها المستكبرون، مثل عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول التي تغتصب إرادة شعوبها، وكذلك لابد من مراجعة قواعد حتى مثل حق الشعوب في تقرير مصيرها التي سقطت في نظر الكبار لأن الكبار هم الذين كانوا و ضعوا هذا في سابق الأيام من أن الشعوب لها حق تقرير مصيرها بكل الوسائل للتخلص من المستبدين المتسلطين الداخليين أو الغزاة من بعيد، الأمن كان له أذنان للسمع فليسمع، لابد من تجديد العالم و تجديد مبادئه، لأن المبادئ و الأسس التي و ضعها العسكر المنتصرون في الحرب ليست هي القوانين التي تصلح للعالم الآن0 إن التاريخ يتقدم رغماً عن الأقوياء و الضعفاء رغماً عن المستكبرين و المستضعفين. لقد تصدع العالم و لا يمكن رأبه بالوسائل القديمة بالتخويف بالحبال و العصي لقد بطل السحر. و نحن نجد عوناً كبيراً من تجربة الأنبياء و دعوتهم لأن التاريخ بدأ يكشف أوراق الاختبار و نتائج الأعمال و لكن علينا أن نعيد عرض هذه الأفكار التي استطاع الناس أن يتجاهلوها طويلاً باللف و الدوران و التلاعب بالألفاظ مثل الهاوي الذي يلعب الألعاب السحرية.
إن الذين يذكرون أيام الله التي يداولها بين الناس سيدركون هذا. فكما العالم الغربي قام بعملية تحرير داخلية كبيرة و بمعانة شديدة مستفيداً من ثقافة العالم جميعاً، على العالم الإسلامي أن يخرج من النرجسية و أن لا يعجب بقارون و زينته و يكف عن إعادة ما قال الذين رأوا قارون حين خرج على قومه في زينته كالذين يتمنون حق الفيتو
(إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم و آتيناه من الكنوز ما إن مفاتيحه لتنوء بالعصبة أولى القوة إذا قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين و ابتغى في ما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك و لا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة و أكثر جمعا و لا يسأل عن ذنوبهم المجرمون، فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم، و قال الذين أتوا العلم و يلكم ثواب الله خير لمن أمن و عمل صالحاً و لا يلقاها إلا الصابرون، فخسفنا به و بداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين، و أصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون و يكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده و يقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا و يكأنه لا يفلح الكافرون، تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض و لا فساداً، والعاقبة للمتقين)
من جاء بالحسنة فله خير منها و من جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون.