إبراهيم وسقوط مرجعية الآباء
من Jawdat Said
إبراهيم هو الذي سمانا المسلمين (هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ) الحج: 22/78، وهو الذي تحدث بالقانون الكوني، قانون الزبد، فكانت الحجة الإبراهيمية: (قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ، ويَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ) الشعراء: 26/72-73.
هذا هو قانون التاريخ، وليس هذا فحسب؛ بل هو قانون الحلال والحرام: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ: فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ، وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ) البقرة: 2/219، لأن إثمهما أكبر من نفعهما تحولا إلى رجس: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة: 5/90، وأما الحلال فهو الطيب النافع: (يُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ) الأعراف: 7/57، ومن هنا كانت القاعدة الفقهية الشاملة: « الواجب هو ما كان نافعاً أو غالباً، والحرام هو ما كان ضاراً دائماً أو غالباً ».
هذا هو القانون، وهذه هي المرجعية التي نعرف بها الحق من الباطل، والصحة من الخطأ، وهذا ما انتهى إليه محمد إقبال حين درس الحضارات والثقافات، وقرر أن الحكم لأي من الحضارات أو الثقافات يكون لها أو عليها، بالنظر إلى نموذج الإنسان الذي تنتجه، وهذا ما ذكره الإنجيل للتفريق بين الأنبياء ومدعي النبوة حين قال: « من ثمارهم تعرفونهم، هل يمكن أن تجني من الحسك تيناً، ومن الشوك عنباً ».
إن المرجعية لا تكون في الآباء، وإلا كان تفكيرنا مثل تفكير قوم إبراهيم، بل المرجعية هي مصير ما كان عليه الآباء خلال التاريخ.
إنها ليست في الانتساب إلى الله وملائكته وكتبه ورسله،: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ، مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) النساء: 4/123.
ما قصة معترك الأفكار في التاريخ؟ كيف تعامل الناس مع مشكلة الفهم خلال التاريخ؟ كيف تعاملوا مع معترك الأفكار والأجساد؟
هل استطاعوا أن يفصلوا معترك الأفكار عن معترك الأجساد؟ هل استطاعوا أن ينادوا بهذا الفصل أو يعملوا له؟
لقد قام المؤرخ ينبي برصد التاريخ خلال ثلاثة آلاف من السنين، وذكر نحو ستة شخصيات لا تزال تؤثر في العالم أكثر من غيرها، منهم كونفوشيوس، وبوذا والمسيح ومحمد (ص)، وذكر أن القاسم المشترك الأعظم الذي يميز هذه الثلة عن غيرها أنهم كانوا يدعون إلى الخروج من عبادة المجتمع (الآباء)، وأن أكثرهم كانوا يؤمنون بحياة أخرى.
إن التمكن من الخروج من مرجعية الآباء؛ يُعد تطوراً في حياة الإنسان وتاريخه، وإن كانت فكرة التوحيد الإبراهيمي التي تجعل المرجعية في النفع والضرر؛ لم تصر مرجعاً موحداً بين الناس، ولم يتطور البشر بعد ليتخذوا من ميزان النفع والضرر أساساً في تحديد المرجعية.
إن كل جماعة ترى في آبائها مرجعاً، ولكن سقوط مرجعية الآباء أحدثت بلبلة في العالم الفلسفي في العصر الحديث، ولّما يبدأ الفلاسفة بعد بإقامة القانون الموحد بين الناس جميعاً، ولازالت روح الاستكبار تحول دون تعميم القاعدة، وتوحيد المرجعية.
إن مجلس الأمن الذي مح لبعض أعضائه حق النقض (الفيتو)؛ ليس خاضعاً للقانون العام الموحد، بل يتحكم فيه قانون: (أَنَا رَبُّكُمْ الأعْلَى) النازعات: 79/24، القانون الذي يقول: أنا قوي جسدياً، ولا يشترط أن أكون قوياً فكرياً، ولا يجب علي أن أوحد القانون وأطبّقه على الجميع، ولذلك لا أقبل كلمة السواء ولا كلمة التقوى، ولا أرضى أن تكون كلمة توحيد الناس أمام القانون هي الأعلى، ولن أتنازل عن أن أكون أنا الأعلى!!..
هل نستطيع أن نصحح هذا الميزان ونوجد الوزن بالقسط؟