شرعية الدولة

من Jawdat Said

مراجعة ١٠:٠٨، ٢٨ مارس ٢٠٠٩ بواسطة Admin (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح, ابحث
مقالات ذات صلة
......................
انقر هنا لتحميل المقالات (Doc)

جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))

كيف تكون بحسب الأنبياء

في كل الدوريات التي يكتب فيها أشخاص متعددون ترصع هذه الدورية في مكان بارز (آراء الكتاب لا تعبر بالضرورة عن اتجاهات تتبناها هذه الدورية).

هذا تقليد شائع ولكن هل لهذه الملاحظة معنى، وهل معنى هذا أن الكتاب لهم الحق فيما يشاءون، أم أن هناك خطوطا يسمونها حمراء لا يجوز لأحد أن يتجاوزها مهما كان؟ هل كل شخص له حق أن يتحدث في أي موضوع شاء أم أن هناك موضوعات لا يجوز لأحد أن يتناولها أو أن يقترب منه؟ من هذه المواضيع الحساسة جدا شرعية الدولة.

وبحسب تصوري للموضوع أن العلم ليس عنده محرمات غير قابلة للتناول. العلم يتناول كل شيء لكن ما هو هذا العلم الذي له حق في تناول أي موضوع لتحليله وبحثه بحيث لا يبقى عليه جانب أو زاوية في الأرض ولا في السماء لا يجوز تناولها؟ إني أحسب أن البحث العلمي له حصانة في تناول كل شيء حتى الأمراض الخطيرة مثل وباء نقص المناعة.

إن العلماء احتاروا في هذا المرض أول ما ظهر منذ عقدين من الزمن ثم تناول العلماء هذا المرض وكشفوا كيف ينتقل هذا المرض وكيف يحمي الإنسان نفسه. فالعلماء لم يكتشفوا بعد العلاج الناجع لهذا المرض ولا كيف يعطون المناعة للإنسان بحيث لا يتمكن هذا الفيروس من إمراض هذا الشخص. ولما تكلم العلماء عن مسار هذا المرض قالوا في حينه نحن لا نريد أن ندعم لا دينا ولا أخلاقا ولا عنصرا معينا إنما نقول فقط بكل دقة كيف ينتقل هذا المرض وهذا ليس من عندنا وإنما هذا هو الذي نشاهده في واقع هذا المرض.

كأن هؤلاء العلماء يقولون نحن لا نتحمل تبعة قانون هذا المرض وإنما نحن فقط نصف هذا المرض، لماذا كان هذا الحرج في تناول هذا الموضوع، ولماذا هذه الحيادية في وصف هذا المرض فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. ولكن معرفة الذي وصل إليه العلماء في هذا المرض يساعد كثيرا على تجنب الإصابة بهذا المرض والجهلة الذين ليس عندهم علم بهذا هم المعرضون للإصابة. لهذا فإن أفريقيا تعاني، والإحصاءات مرعبة. وأسوق هذا كله لأدخل إلى مشكلة شرعية الدولة. وكما أن العلماء قالوا في وصف مرض نقص المناعة أنهم لا دخل لهم في مشكلة نقص المناعة وإنما يصفون سنة وقانون انتقال هذا المرض فكأنهم ينقلون للناس هذا الواقع من غير تدخل من عندهم ليبرؤوا ذمتهم.

وفي الواقع إن موقف الأنبياء من وباء المجتمعات التي تصاب بمرض عدم شرعية الدولة يشبه موقف علماء وباء نقص المناعة. فالأنبياء يقولون إن مرض فساد المجتمعات لا دخل لنا نحن فيه وإنما نصف نحن هذا المرض ومسيرة هذا المرض وكيفية استمراره. لهذا الأنبياء لا يدعون أنهم هم الذين صنعوا سنة وقانون هذا الوباء وإنما قالوا هذا الذي أتينا به من عند الله خالق سنن وقوانين السماوات والأرض ونحن لا دخل لنا في صنع هذه السنن فمن شاء فليصدق ومن شاء فليكذب ونحن علينا فقط البلاغ وهل على الرسل إلا البلاغ المبين. هل لنا أن نكشف فيروس نقص المناعة في نظام حكم المجتمعات كما جاء الأنبياء لا يدعون أنهم هم الذين كشفوا وإنما هم يقولون أوحي إلينا أن مرض نقص المناعة في المجتمعات البشرية في الشرك وعدم التوحيد.

أي أن نعتقد أن نظام المجتمعات البشرية يمكن أن يسلم من آلام وتدمير هذه السنن والقوانين ونحن لا نمارس الحماية لأنفسنا ومجتمعاتنا. هذه المقارنة ينبغي أن تصبح واضحة وجلية ليدخل الموضوع إلى عالم العلم الذي لا يخضع لنزعات وأهواء العلماء، فإن للعلم استقلاله الخاص. الأمر ليس أمنيات ولا محسوبيات فكما أن مرض نقص المناعة لا يفرق بين الناس كذلك فإن مرض نقص المناعة في شرعية الدولة لا يفرق بين الناس والمجتمعات.

يصاب الجميع كل على حسب علمه واحتياطات الأمن التي يتخذها وأساس كل هذا الوعي بالسنن والقوانين ونشر المعرفة بوضوح مهما كانت هذه المعرفة مؤلمة فإن الجهل بها أشد ألما ويكون أكبر تدميرا. إن المعرفة هي التي تحل المشكلات ومن يكتمها فإنه آثم قلبه لا يكون قلبه سليما وإنما مريض مرضا خطيرا. كأن الصدق ملازم للعلم وكأن الكذب ملازم للجهل. إن العلماء الذين تحدثوا عن نقص المناعة كانوا حياديين صادقين وأمناء لا يكتمون جانبا من جوانب الحقيقة. وكذلك كان الأنبياء في تشخيصهم لنقص مناعة شرعية الدولة أو شرعية النظام الإجتماعي في المجتمعات البشرية. إن من يتصف بصفة العلم من الصدق والأمانة يمكن أن يوثق به، فأطباء الجسد بلغوا من المعرفة والعلم إلى درجة أن الناس يثقون بهم ويسلمون أنفسهم للعمليات الخطيرة للأمانة والصدق الذي يتصف به الأطباء.

فهل وصل علماء الطب الإجتماعي إلى درجة الصدق والأمانة حتى يسلم لهم الناس أنفسهم عن علم وهم واعون تماما لما يقومون به؟ نعم سيحدث ذلك لما تزول الإلتباسات وتتضح الأمور بجلاء تام. والأنبياء جاءوا بالبلاغ المبين في صنع الشرعية، ومكان الالتباس في الموضوع هو ظن الناس أن استخراج أفضل ما بالإنسان يكون بإكراهه والأنبياء أعتبروا الإكراه الإنساني ليس هو الذي يخرج أفضل ما في الإنسان وإنما بالإكراه لا يعطي الإنسان إلا أقل ما يمكن أن يعطي. في مبادئ الانبياء:

  1. الشرعية لا تأتي بالإكراه وإنما بالعلم والإقناع والإيمان وهذا شرط أساسي لا محيد عنه.
  2. اللاشرعية لا تزال باللاشرعية ومن لم يصدق هذا فليكرر أخطاء العالم الإسلامي حين ظنوا إمكان تغيير اللاشرعية باللاشرعية وهذا هو ما يعيق نمو العالم الإسلامي وهذا الذي يجعلنا نخطئ ونقع في الوهم فكل الفتن نتجت عن هذا الالتباس.
  3. وحتى النظام اللاشرعي ينبغي أن يثق بالمؤمنين أكثر من ثقة اللاشرعي بأقرب المقربين إليه لأن الشرعية لا تأتي بالإكراه.

فهذه الثقة هي الانتصار الأول والأرضية للإنطلاق إلى الإصلاح وهذا ما جاء به الأنبياء وأوضح ما يكون في سيرة الرسول (ص) حيث منعهم حتى من الدفاع عن النفس لأنهم يريدون أن يصنعوا مجتمعا يحمي الأفراد الذين ينتمون إليه من العدوان عليهم لأن الفرد في المجتمع الشرعي يحميه المجتمع ومؤسسات المجتمع. أما إذا كان كل فرد سيحمي نفسه فهذه هي شريعة الغاب. فالمجتمع الشرعي هو المجتمع الذي ليس فيه امتيازات لأحد أمام القانون وأمام المعرفة والعلم بل إن الذي يتفهم معنى الشرعية لا يغير موقفه من الذي يأتي بطريق إكراهي غير شرعي لأن الذي ذهب مثل الذي جاء وهكذا نؤسس للمجتمع الشرعي بالإنسان الذي يتفهم الشرعية والذي هو الرصيد الدائم والأبدي وعلينا أن نوضح هذا الفرد الذي هو هدف الأنبياء.