الدين والقانون، قانون النسخ

من Jawdat Said

مراجعة ١٠:٤٢، ١٨ أغسطس ٢٠٠٩ بواسطة Admin (نقاش | مساهمات)

(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح, ابحث
كتب جودت سعيد

الدين والقانون


Aldeenwalkanon.gif
تحميل الكتاب
المقدمة
أسس الدين والقانون من رؤية قرآنية
الإنسان في الدين والقرآن
وحدة النبوات
الرسل الذين لم يقصصهم الله علينا
العلماء ورثة الأنبياء
ختم النبوة
الخروج من الخوارق إلى السننية
ارتباط آيات الآفاق والأنفس بآيات الكتاب
كلمة السواء
لا إكراه في الدين
قانون النسخ
السلطة للجهاز العصبي
قصة آدم وزوجه
قصة ابني آدم
ما الدين وما القانون؟
السلام العالمي
شروط القتال في الإسلام
عصر الفتن


التاريخ يفرض الهدف والمعنى ، لأن الشيء بدون تاريخ يمكن أن يكون منقطعاً وعبثاً ، ولكن التاريخ هو رؤية الحاضر مع الماضي والمستقبل ، وكل من أمكن أن يرى هذا بوضوح فهو في صلاة وقداسة ، ومنغمس في الوجود ومنجذب ومدفوع ليحقق الأفضل .

إن الإنسان عنده استعداد أن يبذل نفسه وماله في سبيل تحقيق ذاته ، وشوقه إلى تحقيق ذاته لهيب لا ينطفئ . يمكن أن يخطئ الإنسان في فهم حركة الشمس ، ولكنه متمكن من أن يصحح خطأه ، ومكن أن لا يكرر الخطأ ، ويتجاوز الخطأ ، والتاريخ يعلمنا هذا . إنه أستاذ صبور ، والأنبياء أيضاً تلميذٌ نجيبٌ ، وكفءٌ لأن يفهم درس التاريخ وتعاليمه ، وهو في النهاية يستجيب لنداء التاريخ ويتقدم إلى الأفضل ، إلى الاقتصاد والاستثمار ، والأنبياء يكشف قدرته خلال التاريخ .

ويمكن أن نلمح في الإنسان أن استخراج أفضل ما فيه ليس بقهره وإكراهه ، إنه يملك شوق المعرفة ، وعلينا أن نكون حاذقين في استثمار هذا الشوق ، والتاريخ يقدم لنا نماذج من هذا الاستثمار . التاريخ ضد التبذير وضد تضييع الوقت ولا يضيع التاريخ هذا الهدف وهو دائماً في تقدم إليه . ينبغي أن نفهم هذا من تاريخ الوجود ، هذا الذي اقتبسنا تسميته من القرآن حين قال :

( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ) ] فصلت : 41/53 [ .

آيات الآفاق والإنسان تفصح عن الحق الكامن فيه ، تراود ذكاء الإنسان وتغري الإنسان أن يقوم بدوره في اختصار الزمن والوصول إلى أفضل مردود بأقل زمن وجهد ، إنه قانون كبير في القرآن : إن ما يميز الحق من الباطل هو :

( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ) ] الرعد : 13/17 [ .

هذا هو قانون التاريخ وهدفه الذي لم يتوقف خلال التاريخ كله ، وهو أن الأنفع للناس وليس لبعضهم فقط ، هو الذي سيبقى في الأرض ، وهذا القانون هو المرجع الفاصل القاطع الذي لا يرحم المتخلف عنه ؛ إنه سينسخه ويحوله إلى جفاء .

والأنفع للناس ينسخ الأقل نفعاً ، سواء في التقنيات أو الصور الذهنية ، وهذا القانون يكرره القرآن ويقول :

( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) ] البقرة : 2/106 [ .

ويؤكد القرآن هذا القانون في الحوار الذي جرى بين إبراهيم وقومه :

( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ . إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ . قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ . قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ . أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ . قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ) ] الشعراء : 26/69-74 [ .

إن إبراهيم في حواره هذا يطالب بالمردود ، بالنفع الذي يحصلون عليه من هذا الاعتقاد أو السلوك ، وبهذا يمكن أن نعتبر إبراهيم هو (البراجماتي) الأول ، على أساس النفع العام وليس النفع الخاص فقط ، بينما قومه لا ينظرون إلى الموضوع على هذا الأساس بل ينظرون على أساس أن آباءهم هكذا كانوا يفعلون ، والقرآن يبني أحكامه على أساس العواقب النافعة في الحرام والحلال ، فقد ذكر في سبب تحريم الخمر أن ضرره أكبر من نفعه فقال :

( يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ) ] البقرة : 2/219 [ .

ويذكر هذا السبب بالذات في موضوع التحليل والتحريم فيقول :

( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) ] الأعراف : 7/157 [ .

والقرآن حين يعتبر التوحيد رسالة جميع الأنبياء وجميع أولي العلم وجميع الآمرين بالقسط من الناس ، يقول على لسان الأنبياء جميعاً :

( يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ ) ] الأعراف : 7/73 [ .

( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) ] النحل : 16/36 [ .

( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ) ] آل عمران : 3/64 [ .

(شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ ) ] آل عمران : 3/18 [ .

هنا نجد أن رسالة الأنبياء ، تحول المسألة اللاهوتية الميتافيزيكية إلى مسألة اجتماعية سياسية في الصميم . وينبغي أن ننتبه إلى هذا الانتقال والتحول باهتمام حتى لا يكون انفصال بين المقدس والدنيوي ، بين الإلهي والبشري ، بين الدنيا والآخرة .

فكيف نفهم ونؤكد أن المسألة الدينية هي المسألة الدنيوية ؟ . إن الأنبياء ربطوا المسألة الدينية بالمسألة الاجتماعية السياسية ، ليعطوا لمسألة العدالة قوة أكبر ، ولكن التاريخ يعلمنا أن مشكلة الإنسان مشكلة رفض المساواة وبمصطلح القرآن ( كَلَمةٍ سواءٍ ) ] آل عمران : 3/64 [ .

إن الذي يرفض كلمة السواء يكون قد وضع نفسه فوق البشر وجعل نفسه إلهاً متعالياً مقدساً يُنْطِقُ الله في القرآن فرعون بهذا التعالي والتأله .

قال فرعون : ( أَنا رَبُّكُم الأَعَلى ) ] النازعات : 79/24 [ .

وقال : ( مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ) ] القصص : 28/38 [ .

وقال : ( لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهًَا غَيْرِي لأجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ ) ] الشعراء : 26/29 [ .

وهدد فرعون للسحرة الذين آمنوا بموسى .

وقال : ( آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ

فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ) ] طه : 20/71 [ .

وفي حوار إبراهيم مع فرعون عصره :

( إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ) ] البقرة : 2/258 [ .

فلهذا كانت رسالة الأنبياء جميعاً هي الدخول في عبادة الله والخروج من طاعة الطاغوت ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) ] النحل : 16/36 [ ، ادخلوا في طاعة الله واجتنبوا الطاغوت ، وإلى يومنا هذا ، فالمشكلة هي نفس المشكلة حيث بعض البشر لا يقبلون كلمة السواء ، وبعض البشر يقبلون طاعة الذين يرفضون كلمة السواء ، وبعبارة أخرى ، بعض البشر يؤلهون أنفسهم ، وبعض البشر يقبلون هذا التأله ولا يرفضونه . إن رسالة الأنبياء كَسَرت هذه العلاقة ، وفَرَضت الخروج من هذه الازدواجية التي تتكرر ، ويكون ذلك بتبادل المواقع ، مستكبرون ومستضعفون ، والعلاقة بينهما عنيفة ، علاقة قوة قهرية ، قوي يفرض ألوهيته بالقوة وضعيف يخضع للقوة ، شريعة القوة هي شريعة الغابة ، شريعة الكائنات قبل الإنسان . وعند هذه المشكلة وصلنا إلى لب العلاقة بين الدين والقانون ( اسم وعنوان مجلة الحقوقيين في أمريكا ) .

إن إضاءة هذه العلاقة وإزالة اللبس فيها لها أهمية لحل المشكلة الإنسانية أو وضعها في طريق الحل ، والأسماء جاؤوا لحل هذه المشكلة ، والتاريخ يقدم أيضاً حله ، فإذا أمكن جعل التعاون بين الحلين ، ونكون قد أعطينا قوة دافعة للحركة الإنسانية لحل معضلتها الكبيرة ومرض الحضارات كلها ، وشفائها من الفصام النفسي وقد قرب ميلاد المعافاة والخروج من الأزمة ، كيف سنجعل علاقة بناءةً وشفاءً للقلوب ، وليست علاقة معاناة وهدم وإعاقة ؟ نعم مهما كان فهم الموضوع صعباً فإن التقدم والتطور متسارع .

يصف المسيح ، صعوبة الطريق الذي يؤدي إلى الحياة إذ يقول : « ما أضيق البابَ وأكربَ الطريق الذي يؤدي إلى الحياة » .

المسألة ليست مسألة لاهوت وإنسان ، بل المسألة اجتماعية ، ظلم وعدل ، مساواة وامتيازات ، آلهة أرضية ترابية وعبيد يستعبدهم جَهلُهُم ، ومعلمون غير واثقين من علمهم ، لا يقومون بتلقيح عقول الناس بالمعرفة فيعطونهم المناعة من الاستعباد . إنَّ الأمر كما قال عيسى عليه السلام : « إذا كان النورُ الذي فيك ظلاماً فالظلامَ فيكَ كم يكون » .

يمكن أن نقول إن المشكلة ليست في الطواغيت المستبدين والعبيد المستذلين ، بل في المعلمين ( أولو العلم ) المستقيلين المتبلدين ، الذين لا يثقون بقوة ما عندهم ، أو الذين يخافون من قوة الجسد ولا يعرفون قيمة قوة المعرفة . هل يمكن أن نقول بلغة العصر : إن المشكلة مشكلة مثقفين وليست مشكلة السياسيين ؟ هل حقاً بدأ المثقف يطرح المشكلة بهذا المستوى حين بدأ يتحدث كالغشيم عن ( المعرفة والسلطة ) ، هل لنا حق ببحث هذه المشكلات ؟ هل لنا حق في إزعاج راحة المثقفين الذين يبرؤون أنفسهم بإلقاء اللوم على السياسيين الذين يخدمون أصحاب الأموال ، وعلى الناس العاديين الذين يجهلون حركة الآلة الاجتماعية ، وعلى المسيطرين على الإعلام الذي يسد منافذ الفهم عند الناس ، وعلى إقناعهم بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ، فعلى من تقع المسؤولية ؟ وهل يمكن أن تكون هناك مسؤولية بدون سلطة ؟ وما السلطة ؟ وكيف كانت السلطة خلال التاريخ ؟ هل يمكن أن أقول مُذَكِّراً بما بدأت به هذه المقالة من أن تطور الجهاز العصبي عند الإنسان ، وإمكانية نقل الخبرة بالرمز ، أوجد في الأرض نائب الله أو خليفة الله الذي يمكن بواسطته أن يتدخل الإنسان بقدرته على المعرفة في صنع مصيره ، في سفر التكوين حين تحدث عن خلق آدم :

« وقال الرب الإلهُ هو ذا الإنسان قد صار كواحدٍ منا عارفاً الخيرَ والشرَ » تكوين (3 : 23 ) .

إنه أكل من شجرة المعرفة إنه يريد أن يأكل من شجرة الحياة ، يريد الحياة إلى الأبد والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً ، ويأكل ويحيا إلى الأبد ( ولهيب سيف متقلب لحراسة شجرة الحياة ) هذا الذي قال عنه عيسى عليه السلام :

« ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة » متى ( 7-14 ) .