جدلية العلاقة بين الاستكبار والاستضعاف
من Jawdat Said
إن هذا القوي ليقول: انظروا ماذا حلّ بمن أنكر سلطاني!!.. ما قيمة نمرود الذي قال: أنا أحيي وأميت، إن سلطانه لم يكن يمتد إلا إلى رقعة محدودة من العالم، أما أنا فمن هم الذين يمكنهم أن ينكروا امتيازاتي، وإذا وجد منهم فليجرب حظه معي، العالم جميعاً في قبضتي، وفرعون الذي كان عظيماً هو اليوم ذو حجم صغير جداً أمام من يقول في عصرنا هذا: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) البقرة: 2/258، ولكن الناس من حوله، والعالم جميعاً، ينظرون إليه بعين الحسد، لا ليزول عن العالم هذا النظام، ولا ليزول الفكر الإنساني الذي أنتج هذا النظام، ولكن ليتحول الأمر منه إليهم، ويصير مقام الامتياز خاصاً بهم دونه.
كم يشتبه الأمر بين من يعمل لإزالة الجدل القائم بين مستكبر يحتفظ بالامتيازات ومستضعف يتمنى أن يكون هو صاحب الامتيازات؛ وبين من يسعى إلى التخلص من الامتيازات جميعاً؟؟!!
ينبغي أن نعمل لإزالة الاستكبار والاستضعاف من العالم، ولإزالة الامتيازات، ولدعوة الناس إلى كلمة سواء.
لقد جاء الأنبياء بمبدأ يزيل الآصار والأغلال عن المستكبر والمستضعف معاً، ولكن هذا المبدأ لا زال بعيداً عن إدراكنا وتصورنا، ولا زلنا نشعر بالأغلال التي تطوق المستضعِف، ولا نشعر بالأغلال التي تطوق المستضعف، وحينما نبدأ بالإحساس بأن المستكبر أيضاً مثقل بالأغلال التي على المستضعف، عند ذلك نفهم معنى ملّة الكفر أو مجتمع الضلال من حذائه إلى غطاء رأسه.
لا بد من الخروج من لعبة الاستكبار والاستضعاف، إلى مجتمعٍ لا يشعر فيه الإنسان بالمن إلا بمقدار ما يحافظ على القانون، وبمقدار ما يسعى إلى أن لا يكون أحد فوق العدل وكلمة السواء، ويستطيع الإنسان أن يخرج من لعبة الاستكبار بمفرده بقاعدة (لا طاعة في معصية)، وحين يفهم قانون لعبة الاستكبار التي يتلقفها الناس؛ يخرج من هذه اللعبة وهذا القانون والنظام، ويكره العودة إليه كما يكره أن يُقذف في النار، ويفهم بشكل مختلف قول الرسول (ص): « ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله كما يكره أن يقذف به في النار » (1)، ولكن هيهات أن يدرك الناس الموضوع على هذا المستوى!!..
كم من الدولارات، ومن الأونصات الذهبية تساوي هذه المعرفة؟ كيف يكون شراؤها وتحصيلها؟ بل كم من أطنان الدماء ينبغي أن نصب في نهر الصراع بين المستكبرين والمستضعفين؛ حتى نقول: ينبغي أن نخرج من لعبة سفك الدم ونقبل السلام « وخيرهما الذي يبدأ صاحبه بالسلام».