اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون.

من Jawdat Said

اذهب إلى: تصفح, ابحث

جودت سعيد. مقالات ((مجلة المجلة))

لماذا حياتنا معقدة ومختلة؟ وكيف نجعلها ميسرة ومتوازنة؟ وكيف نجعل تصورات (=ما بأنفسنا) تصوراً صحيحاً؟ بحيث ينتج عن تصورنا هذا تسخير هذا الوجود وتسهيل الحلول وتعادل الأطراف بطريق العدل والرضى والإقناع. كيف نكشف أن الإنسان يعطى على الإقناع أكثر مما يعطى على الإكراه والتخويف؟.

وما لم نعترف بحقيقة أن أحسن استثمار للإنسان ليس بإكراهه وتخويفه وتهديده فلن نخرج من الظلام. إن هذين التصورين تصوران متضادان متناقضان، وملتان متقابلتان، ويقال في اللغة الدينية صحة العقيدة، الشرك والتوحيد، العقيدة الفاسدة والعقيدة الصحيحة، الظلم والعدل. ينبغي أن نعيد تأسيس هذا الموضوع على أساس من الوضوح والبيان واليقين الذي يجعل القلوب مطمئنة ومنشرحة، ولا يتراجع عنها الإنسان وينخلع عنها وأن يكره أن يعود إليها كما يكره أن يلقى به في النار وما يكون لنا أن نعود فيها أبدا، ولئن عدتم إلى ملتهم ولن تفلحوا إذا أبداً.

إن هذا الخلط ينبغي أن يزول إن هذا الريب يعطل حياة الإنسان ويصفهم الله (بأنهم في شك منه مريب) ويقول عنهم (ارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون) ويقول عنهم (كانوا بآياتنا لا يوقنون) وما دام الأمر مختلطاً علينا فهو ظلام والتباس وقطع من الليل المظلم لا بد من الخروج من الظلام والشك والريبة والتردد وينبغي أن نشعر بحلاوة الإيمان وطمأنة النفس ونشعر بتواطؤ آيات الأفاق والأنفس مع آيات الكتاب.

إنه رياضيات واضحة بينة (1+1=2) وإنه اقتصاد أي يعطي فضل قيمة عليا إنتاج أكثر وأفضل وبجهد أقل وزمن أقل وكلفة أقل، فهذا معنى الربح والخسارة في القرآن. إن هذا المنطلق وهذه السنة ينبغي إن يصير واضحاً وساطعاً لا لبس فيه ولا اشتباه. فهذا ما يقول الله عنه (ليلبسوا عليهم دينهم) وما يقول عنه (وإن كانوا من قبل أن ينـزل عليهم من قبله لمبلسين) إنهم في حيرة اليأس وظلامه وغموضه.

هل يمكن أن نتبين الرشد من الغي؟ هل يمكن أن نفهم أن رسول الله تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها في الوضوح والبيان؟ هل نحن على هذا الوضوح أم نحن في الحيرة والظلام الدامس؟ كيف ضاع منا هذا الوضوح؟ كيف أفلت من أيدينا هذا الحق؟ كيف التبس علينا الحق بالباطل؟ وكيف ظننا أن الحق والباطل إذا أعطيا فرصا متكافئة ينتصر الباطل؟ يمكن أن أقول هناك بدأ خلق قوة الباطل، هناك ضللنا الطريق وتفرقت بنا السبل، إنه ضاع منا.

إن مجرد مجيء الحق وظهوره بوضوح كافٍ لموت الباطل تلقائياً. هل يمكن أن نراجع أنفسنا وأن نكشف الفرقان ونتبين الرشد من الغي، هل يمكن أن نكشف العقل؟ وكيف صارت عقولنا يمكن أن تقبل أن شخصا أو جماعة إذا دبروا انقلاباً في الليل ونجحوا يتحول هذا الذي نجح إلى إله منقذ مزيل للباطل وإذا فشل يكون خائناً يصدر عليه وعلى أعوانه حكم الإعدام! كيف سأعقل هذا؟ أما أنا فلا أعقل ذلك ولا أرى أن هذا الانقلاب بهذا النجاح صار شرعياً عند الناس وعند الله، بل أراه هو والذي قبله أنهم من ملة واحدة ونموذج واحد مهما لبس من لبوس و مهما أدعى الإسلام أو أدعى حرية الفكر أو عدالة التوزيع للثروات. هذا كله مذهب واحد، إن الذي جاء مثل الذي ذهب والذي قَتَل مثل الذي قُتِل كلاهما من مصدر واحد وإلى مصير واحد ومن لم يصدق فليقرأ التاريخ كيف هلك من هلك.

إن هذا التحول من القمة إلى الحضيض من الملك إلى قعر القبور أو السجون كيف يمكن أن تكون الشرعية في هذا.

الشرعية هي التي تأتي بالشرعية، بالقبول وليس بالإكراه، إن الذي يأتي بالإكراه لا يمكن أن يكون شرعياً ولا رشداً ومتى يكون القتال شرعياً ومتى يكون المتقاتلان من طينة واحدة وملة واحدة ومتى يزول الضلال بالضلال وهل يمكن إزالة الخطأ بالخطأ وإزالة الضرر بالضرر الأشد رسوخاً وهل تكرار الخطأ يحول الخطأ إلى مشروع والباطل يتحول إلى حق، وهؤلاء الشباب الذين نوحي إليهم أنهم على حق فيندفعون إلى القتل والاغتيال أو الانقلاب فإذا فشلوا نتبرأ منهم ونحكم عليهم بالإعدام وإذا نجحوا نقدم لهم الولاء الذي كنا نقدمه للذين ذهب بهم الانقلاب.

إلا أن هذه الأوضاع ليست شرعية ولكن من المهم أن نعرف أن تحويل غير الشرعي إلى شرعي لا يكون بالقوة والإزالة وإنما بالتحول الفكري، لا يزال الخطأ بالخطأ ومن فعل هذا كرر الخطأ ورسخ الخطأ.

ألا يا مسلمون أعلموا أن الذي يأتي بالإكراه لا يمكن أن يكون راشداً ولا شرعياً وما دمنا نظن أن الذي يأتي بالإكراه ويحتفظ بوجوده باستمرار الإكراه لا يمكن أن يتحول إلى شرعي ولا إلى رشد، ومن لم يصدق هذا وتشكك فيه فليلق نظرة واحدة ثم فليرجع النظر كرات أخرى على تاريخ المسلمين وتاريخ البشرية، منذ كم نزيل الإكراه بالإكراه فيزول الشخوص ولكن الإكراه لا يزول ولا يتزحزح. إن من يؤمن بإمكان صنع الرشد بالإكراه كالذي يؤمن بصنع الديمقراطية بالانقلاب والعسكر والقوة.

إن الديمقراطية لن تدخل إلى بلد يؤمن أهله أو أحد أطرافه بالقوة في صنع الحكم ولا بد أن يعلن جميع الفرقاء إيمانهم بأن اللجوء إلى القوة في صنع الحكم غي وبغي واستبداد وطاغوت واستلاب واستعباد وإدخال العباد في عبادة العباد ولتتحقق الديمقراطية لا بد من أن يكفر الجميع بالطاغوت وبالذي يأتي بالقوة ويؤمنوا بالإقناع واللجوء إلى الإقناع بالأفكار لا بالجنود ووسائل الإكراه.

إن الانقلابات التي يفرح بها المسلمون مثل الانقلابات التي يفرح بها القوميون. متى سنتبرأ من الانقلابات كلها مهما لبسوا من لبوس أحمر أو أبيض أو أخضر كلهم لون واحد متى سنبدأ بالبحث عن الطرق الشرعية التي تأتي بالشرعية بالكفاح السلمي وبالشهادة الحق وبالتعاون على البر وعدم التعاون على الإثم.

متى نصير نعلن ما نؤمن به من أن يكون المجتمع يخضع للإقناع لا يخضع للإكراه ويتحدى الإكراه باللإكراه ومتى سيصير الحاكم المستبد المعتمد على الإكراه يثق بك أكثر مما يثق بحرسه الخاص أنك لن تغدر به ولن تفرح إذا غدر به أحد وأنه يمكن تغيير أفكاره بالثقة والأمانة والصدق وأن لا تقبل أن تكون أداة للطغيان بيده فسوف يحترمك أكثر من المتملقين له.

لكن ينبغي أن يخرج من قلبك التربص به فهذا التغيير الذي يغير الواقع لأن ما بأنفسنا تغير إن ظن أن الإكراه يؤسس ديناً أو سياسة أو مجتمعاً راشداً سوء ظن بالله وسوء ظن بدين الله وسوء ظن بالإنسان فبعد أن تفقد ثقتك بأفكارك ودينك وربك وإخوانك من البشر فماذا بقي لك من الثقة؟ أنت مهزوم في أعماقك، لا بد من عرض هذا المنطق في تسلسله بالوضوح والبيان حتى لا يبقى شئ منه غامضاً أو خفياً ولا ملتبساً لأن الالتباس يؤدي إلى اللبس واليأس والحيرة والظلام فهذا هو الذي نعيشه في العالم العربي بل إننا لا يمكن أن نقترب من الأسس الراسخة والخفية لانتشالها من الخفاء ولسان حالنا يقول: كيف بغير القوة أن نغير الأوضاع؟ إن هذا لشيء عجاب، أجعل العقل وحده قادرا على التسخير والانتصار؟ ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة. إن هذا إلا اختلاق وإن هذا لشيء عجاب. الفكر وحده من غير أن نشرك به القوة.

نعم، إني أدعو إلى هذا الشيء العجيب العجاب أمام الذين يريدون ليطفئوا نور الله، نور العقل، نور روح الإنسان الذي نفخه الله فيه ويأبى الله إلا أن يتم نوره وينتصر دينه، اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون.