إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين

من Jawdat Said

اذهب إلى: تصفح, ابحث
كتب جودت سعيد

اقرأ وربك الأكرم


Change.gif
لتحميل الكتاب
مقدمة
مدخل
الفصول
الفصل الأول، مراتب الوجود
المرتبة الثالثة:الوجود اللفظي
المرتبة الرابعة: التعليم بالقلم
المرتبة الخامسة: الوجود السنني
الفصل الثاني، العلم
دليل العلم
الموقف العلمي
العلم والتوحيد
الفصل الثالث، الأجنة القرآنية
سيروا في الأرض فانظروا
سنريهم آياتنا في الآفاق
سخر لكم ما في السموات
إن الذين آمنوا والذين هادوا
خاتمة



إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً، فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون

العالم المعاصر في مرحلة تحول

إن العالم الذي نعيش فيه يتصاغر يوماً فيوماً، ويضطر أن يعيش فيه الناس، وقد اشتبكت مصالحهم، وعمت الأفكار التي تداهمهم فتوحدت المصالح والمخاطر.. وكأن هذا العالم يمر بمرحلة شبيهة بما يمر به الإنسان حين يولد، وينفصل عن والدته، إنه يضطر أن يواجه مشكلات خطيرة سريعة وتكيفات جديدة ليس له بها عهد، فالبكاء الصارخ الذي يستقبل به الوليد هذا العالم، يعبر عن هذه الأزمة. فهذا المولود الذي عاش في رحم والدته، في الجو الدافئ الناعم، لا يتنفس ولا يأكل ولا يشرب.. يواجه فجأة مخاض الولادة ويدفع بقوة وضغط شديد وعنف لم يكن له به سابق عهد. ليمر بمراحل صعبة ضاغطة إلى هذا الجو البارد، حيث يقطع الحبل السري الذي كان به يتنفس ويتغذى، ويضطر أن يستخدم رئته لأول مرة.. إن هذه المواجهة الشديدة هي التي كانت تسبب كثرة وفيات الأطفال.

ويواجه البشر اليوم، حالة شبيهة بهذه الحالة، وهم مضطرون بل مدفوعون إلى مواجهة هذه الحالة، والتكيف معها، وتعلم المعرفة التي تمكنهم من اجتياز المخاطر وتقليل دفع ضرائب الجهل، والعجز عن الإسهام في تسهيل التكيف مع الظروف الجديدة يجعل الأثمان باهظة والخسائر مكلفة. إن ما اعتدناه من أساليب وعلاقات استقرار لأحقاب طويلة - شبيهة بحياة الرحم - لم تعد كافية، فلا بد من أمور جديدة للتكيف مع العالم الجديد. وإذا كان العلم هو الذي ساعد الطفل على دخول المرحلة الجديدة وقلل وفيات الأطفال، فكذلك اليوم لا يكون حل مشكلة انتقال الإنسانية الجديد إلا بالعلم. ولعل البشر واجهوا مثل هذه الأزمة حين تعلموا الزراعة لأول مرة، لأن هؤلاء الناس الذين عاشوا على صيد الحيوانات وجمع النباتات التي يقتاتون بها ولم يكن لهم بيوت ولا قرى ولا تجمعات ولا تبادل.. إنهم عاشوا في هذه الجنة يأكلون منها، ولم يكن شيء من أشجارها محرماً عليهم، فالكل مباح للكل.. ولكن حين اكتشف الإنسان زراعة النبات، ظهرت براعة الإنسان وعجزه في آن واحد، وهكذا شأنه مع كل نعمة مسخرة يتلقاها من ربه، يظهر قصوراً في التكيف مع النعمة الجديدة، وإنكاراً للتقدم الجديد، وحنيناً إلى الماضي لذي كانت مسؤولياته أقل، حنيناً إلى ما وجدوا عليه آباءهم، حنيناً إلى الرحم الدافئ ورفض الجديد ورفض ما فتح الله عليهم وأمدهم به. إنه لم يستطع أن يتكيف مع الشجرة الجديدة التي سيطر عليها واستنبتها بنفسه، إنها الشجرة التي وضعت ذكاء الإنسان على المحك الصعب، هذه الشجرة التي أصبح تقدم الإنسان مرتبطاً بها. لا بد من التكيف مع هذه الشجرة. التي لم تعد مثل سائر الأشجار. لم يقدر أن يفهم المعنى الجديد لهذه الشجرة، فنظر إليها وتعامل معها كبقية الأشجار.. فبدت سوءته.

إن عجز الإنسان عن التكيف مع الزراعة أظهر عثرته، فسقط في الهوى. إن تقسيم العمل الذي نتج عن الزراعة، ضيع عليه معرفة قيمة الجهد، فأصبح الناس شيعاً، وسقط الإنسان في الظلم، وصار يتمتع بعض الناس المترفين على جهود أناس آخرين، إن الإنسان لم يستطع أن يتكيف إلى الآن مع أزمة الشجرة، إنه لم يقدر أن يضغط على نفسه، ولم ينهها عن الهوى، فحق أن يقال عن هذا الإنسان: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) وأما علم الله في هذا الإنسان فلم يحققه الإنسان بعد (يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول..) يأمرهم بالعدل (إلا كانوا به يستهزئون) (يس / 30).

إن الزراعة رمز للمجتمع الذي لا يمكن أن يعيش إلا بالقانون والشريعة، والحرام والحلال، وبعبارة أخرى؛ إلا بالعدل الصارم الذي يلجم الأهواء. « إنما أهلك من كان قبلكم أنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ».

ضرورة وحدة العالم

والآن بعد أن دخل الإنسان عصر (ويخلق ما لا تعلمون) وبعد عهد الحصان، دخل أزمة جديد قبل أن يحل الأزمة القديمة؛ أزمة الزراعة، أزمة الشجرة. إنه دخل بالزراعة عهد القرية والمدينة والتجمع الإنساني، عهد الحضارات، عهود الفساد وسفك الدماء، ولكنه بعصر (ويخلق ما لا تعلمون) يُدفع بمخاض شديد إلى ضرورة وحدة العالم، ووحدة الحضارة والمصير الواحد الذي جعل النجاة الفردية محالة في هذه الدنيا.

التكيف المطلوب

وآية (إن الذين آمنوا...) وأمثالها تيسر التكيف الجديد مع هذا العالم، الذي يتطلب تكيفات لم يكن للإنسان بها عهد ولا تجارب سابقة، إنه يدخل عهد احترام شخصية الإنسان، ليس لأن الاحترام لم يكن يناسبه فيما سبق، بل لأن الإنسان لم يكن مهدداً بالفناء إن لم يمارسه كما هو اليوم. إن التكيف الجديد الذي يفوق تكيف خروجه من الرحم والذي يواجهه اليوم بصورة حادة، هو خروجه من ذاته وأنانيته، خروجه إلى عهد الحب والإيثار، وإلى عهد العدل والإحسان. إنه مدفوع إلى ممارسة هذا النموذج الصعب المر والتكيف معه، إنه الخروج من عهد الفساد وسفك الدماء والتلمظ للثارات وإثارة الأحقاد.

هذه الآية وأمثالها تطلب المفاهيم المعهودة المتعلقة ببني آدم. إننا لم نتعلم طبيعة هذا الكائن العجيب وطريقة استخراج أفضل ما فيه بالعدل والإحسان والحب والإيثار، وليس بالقهر والإذلال. إنها لنقلة صعبة تتطلب من أن نتنفس بطريقة غير معهودة، فنشعر بالاختناق حين نحاول أن نمارس التنفس الجديد والحياة الجديدة، هذا الذي يقال عنه إنه مثالي غير قابل للتحقيق في هذه الدنيا، وهذا هو الذي جعل معاصري الأنبياء يواجهون هذه الدعوة بقولهم: (إنا لنراك في سفاهة، وإنا لنظنك من الكاذبين) (الأعراف / 66) وقولهم: (لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا) (إبراهيم / 13).

والبشرية - اليوم - تواجه الأزمة بالطرائق العنيفة العتيقة، وتظن أنها تستطيع أن تبقي الظلم بالقوة، لقد فاتهم أن هذه الطرق لم تعد تلائم الخُلُق الجديد النامي والتي لا تكون في شيء إلا شانته وأفسدته، وأنّى تقدر هذه الحوصلة الكزة الضيقة أن تواجه الكراهية بالحب والظلم بالعدل والإحسان. إن مواجهة الموت البارد لأهون من الدخول إلى عالم يقتضي مثل هذه القوانين الجديدة.. هل يمكن أن أكون مثل هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين، وهل هؤلاء الأدنياء الجاهلون والملونون الأرذال يستحقون الإحسان بله العدل.. (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أرذالنا بادي الرأي) (هود / 27) وبزعمهم إن الذين يسلكون سلوك العدل والمساواة هم الحمقى والمغفلون والعاجزون المتدثرون بالأحلام، الذين لم يخبروا الحياة ولم يعرفوا طبيعة الناس، ولم يعرفوا أن السلام العتيد لا يتم إلا بالمواجهة العتيدة، إنه تاريخ طويل طمس قانون الحياة الإنسانية واغتال معالم الدخول إلى حل الأزمة والمشكلة.

الرؤية التفاؤلية

هذه الآية تفاؤلية ورؤية تسامحية، ورؤية دين يهدف إلى العالمية. وقد يظن الظان بادئ الرأي أن هذا النظر إبقاء على التشرذم والتشظي.. ولكن طبيعة الإنسان واستخراج أفضل ما فيه ليس بمطاردته بل بالاعتراف بكرامته، وهذا الموقف منسجم مع (لا إكراه في الدين) ومنسجم ع التاريخ الواقعي الذي أظهر الإسلام ديناً ليس له مرتدون. قد يعز على البعض هذه الرؤيا التي تناقض الرؤيا الأعرابية - التي تقول: (اللهم ارحمني وارحم محمدً ولا ترحم معنا أحداً) - في تحجير الواسع.

إن هذا النظر الإيجابي منسجم مع قوله تعالى: (لا نفرق بين أحد من رسله) (البقرة / 285) ومع قوله تعالى: (نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم) (الأحقاف / 16)، ومع قوله تعالى: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) (فصلت / 34)، وينسجم مع القوة الفكرية لا الكزازة الفكرية، وينسجم مع الغنى والخصوبة لا مع الفقر والجذب الفكري. إن التسامح هو حاجة إنسانية عالمية ملحة في هذا العصر، وظهرت آياته بأنه هو الذي يرث الأرض (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) (فصلت / 35). إن الثقافات والعلاقات في العالم لا تزال تخضع للنرجسية والأنانية وفكرة الشعب المختار، (أنا خير منه) (ص / 76). قد تكون خيراً منه ولكن خيرتك في أن تحمل التسامح وتقدر الناس والآخرين وتبحث عن الجوانب الإيجابية فيهم لا الجوانب السلبية، والرسول محمد  الذي هو خيار من خيار وخاتم النبيين وإمامهم يقول أمام اليهودي الذي عدا عليه المسلم لقوله والذي فضل موسى على العالمين، يقول عليه الصلاة والسلام للمسلم: « لا تفضلوني على يونس بن متى » مع أن الله قال له: (فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت) (القلم / 48). فعلى الرغم من أن الله نهى محمداً عن أن يكون مثل هذا النبي أمر محمد  أصحابه أن لا يفضلوه على يونس؛ لأن التبشير والعطاء وإدخال الناس في دين الله أفواجاً ليس بقهرهم وإنما بالكبرياء المتواضع والعلو الداني، وبمعرفة حقيقية لطبيعة الإنسان الذي إنما يتم أسره بالإحسان إليه، والإغضاء من سيئاته وإبراز حسناته. إن هذا قانون وسنة ونظام علوي للبشر.

إن هذه المزايا السننية المتوافقة مع علم الله في الإنسان من تجاوز حالة الفساد وسفك الدماء التي لم تصل البشرية إليها كجماعات وإن وصل إليها بعض الأفراد: إن هذه المنطلقات ستبرز كلما ارتفع شأن المسلمين في العالم، لأن مثل هذه النظرات لا تليق بالأذلين، وإن الرفق الذي يزين كل شيء يلمسه لا يناسب الغلظة والفظاظة والإلحاح المقرف، وإذا كان الإسلام هو الدين الذي ليس له مرتدون فهو كذلك الدين الذي ليس له مبشرون أيضاً. فالمفهوم الإسلامي بقدر ما يحرص على نشر الهداية فإنه يحرص على احترام آراء الآخرين ويأنف من كل سلوك ينم عن تسول اعتقادي فيحسبه الجاهل أنه غير راغب في هداية الآخرين.

إن التسامح والتراحم والإيثار لا تنم إلا عن غنى نفسي فكري واثق، هذه القوة النفسية هي التي ترفع الإنسان إلى أفلاك التسامح والتراحم والإيثار …… إن هذا التسامح العَفّ وكتم الفضيلة التي يحملها صاحبها وإبراز فضائل الآخرين إلى درجة الحياء من إبراز ما يمتاز به عليهم …. هي الصفات التي يحتاجها العالم. إن العالم ليس في حاجة إلى سوء الظن والاتهام واليأس والخداع والغرام بالقوة المادية أموالاً وجنوداً وأسلحة (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى) (سبأ / 37) إن ما يتسابق إليه الناس يمزق الناس وينغص حياتهم، ولكن الذي سيشعر القلوب بالارتياح والاطمئنان، ويزيل القلق والتوتر، هو الرحمة والإيثار والحب والعدل.. جرب مع قلبك وارجع إلى نفسك وابحث عن ثنايا وطوايا صدرك.. ما الذي يشرحها ويبهجها؟ أليس هو التواضع والحب والرحمة والإيثار؟ تعامل مع الحقيقة واكشفها بنفسك وبإحساسك وبجهاز معرفتك. لا تعش دائماً أسير فظاظة الآخرين ….. هذا هو معنى سيد الشهداء الذي يقدم نفسه لله في سبيل الخروج عن التقليد. إن الحياة الحقيقية إنما تكون في الخروج من التقليد وعبادة الآباء والتقاليد والتقاليع، وأن يصير الإنسان يكشف الحق بتعامله مع الحق بميزانه وليس بميزان الآخرين. استعمل ميزانك لحظة في الحياة، ولا تعش هذه الحياة الثمينة الغالية وأنت لم تثبت قدرة الخالق فيك ولم تستشعر لذة التوحيد وسعادته. يا حسرة على العباد.. إن أعيننا لا تبصر وآذاننا لا تسمع وقلوبنا عليها غلف لا تفقه، عبيد للمجتمع، عبيد للتقاليد.. أين ضياء القلم؟ أين من يعلمون بالقلم؟ أين من يتعاملون مع الحياة بميزانهم الخاص لا بما صنع لهم الأقدمون حسب نظراتهم القاصرة (إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون) (الصافات / 69 - 70).

أرى العالم الذي نعيش فيه قد نُسف من أساسه نظرياً وواقعياً، وإن كانت حياتنا تعيش مع أوهام القرون الماضية التي لا تليق إلا بعهد الخيل والبغال والحمير، ولم تتكيف بعد مع الخلق الآخر.. والمسلمون تبعوا من قبلهم حذو القذة بالقذة وهم يتربعون في حجر الضب ويعجبون به مهما آذاهم ضيقه وأعشاهم ظلامه.

خطورة الطاقة المادية

إن هناك تشوفاً وعوالم وطاقات لا نهاية تنتظر من يكشفها، إن الذي سيرفع الإنسان ليس كشف الطاقة المادية، إذ الطاقة المادية قد تكون خطراً على الإنسان إن جاء كشفها قبل أن تكشف قوى النفس وسننها. إن كل نعم الله تتحول إلى عكسها حينما لا تكلل بنفحة الكشف عن سنن النفس، فكما عاش الناس وهم يظنون أن الشمس تدور حولهم، كذلك فإن فكرتهم عن النفس الإنسانية أنها تدور مع القهر والعنف والإكراه، على الرغم من أن الآيات تظهر أن النفس الإنسانية تدور مع العدل والإيثار وحب الآخرين كحب النفس.. وأن قوى الحب والإيثار هي التي سترث الأرض وليست القوى المادية التي تقهر الناس. يقول إقبال:

إنما المؤمنُ بالحب قهر مؤمن لا حُبَّ فيه قد كفر

أهداف مبهمة وقادة عميان

إن الناس حين ملكوا قوة القهر المادي تعقدت أمورهم، ومن العجب أن الذين نظنهم عقلاء، لا يزالون يتسابقون في زيادة هذه القوة لإحراز التفوق، إن التسابق ليس في هذا الاتجاه … أيها القادة العميان - حسب تعبير الإنجيل في التقريع - (ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون.. تركتم أثقل الناموس، الحق والرحمة والإيمان، كان ينبغي أن تعملوا هذه ولا تتركوا تلك، أيها القادة العميان الذين يُصَفُّون البعوضة ويبلغون الجمل) (متى، إصحاح 23، فقرة 23).

ويقول انشتاين في تصوير هذا العصر: (معدات كاملة إنما أهداف مبهمة، تلك هي مؤشرات عصرنا).

إنني أستخدم هذه الآيات كمؤشرات إلى اتجاهات جديدة، ومنطلقات لمبادئ غير عادية، ومواضيع لبحوث لم تُعطَ ما تستحق من عناية، لأن مثل هذه المواضيع تحتاج إلى رؤية تاريخية صيرورية واضحة شاملة للماضي، للوصول إلى رؤية إبداعية للمستقبل.

وحين ننظر إلى أهل الكتاب، وأنهم يؤمنون بخالق الكون، ويؤمنون بأنه أرسل رسلاً، وأنزل معهم شرائع للعمل الصالح، ويؤمنون بالمعاد يوم القيامة.. إن هذه الأصول المشتركة الكبيرة ووظائفها وعواقبها، ينبغي أن تحول دون أن تتمزق أمة النبوة وأمة الإيمان بالله واليوم الآخر.

هذه القضايا ذات الأصل الموحد الكبير ينبغي أن لا تضيع أهدافها في اتباع الأهواء والنظرات المحدودة، وعلى أهل الحق أن لا يستفزهم من ضيعُوا الأصول، وأن يلتزموا كلمة التقوى وكانوا أحق بها، وأن يعودوا إلى شعار عباد الرحمن الحقيقيين (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً) (الفرقان / 63) وينبغي أن نعلم بحق أن الذين يدرؤون بالحسنة السيئة، هم الذين لهم عقبى الدار في الدنيا والآخرة. وإن الذين يظنون أن هذا الموقف نتيجة الضعف لا يزالون بعيدين عن فهم سنن الحياة، وإن من يقع في مثل هذه الشبهات فإنها تحول بينه وبين نتائج العفو الذي لا يزداد صاحبه إلا عزاً.

والخلاصة التي نختم بها الكتاب في اختبار الذكاء الذي قام به الأصمعي حين رأى غلاماً فظن فيه النجابة. قال له: يا غلام هل يعجبك أن يكون لك مئة ألف دينار وأنت أحمق؟ فأجابه الغلام: لا والله، إن حمقي يضيع علي المئة ألف دينار وأبقى أحمق. والجاهل أحمق، والعلم بالقلم. والحمد لله رب العالمين.